بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله محيي الْأَمْوَات ومعيد الرفات ومجازيهم على الْمعاصِي ومثيبهم على الطَّاعَات وَالسَّامِع من الداعين خَفِي الْأَصْوَات الَّذِي لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء فِي الْأَرْضين وَالسَّمَوَات
وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على من كَانَ تكليم الجماد لَهُ إِحْدَى المعجزات وعَلى آله وَصَحبه أَصْحَاب الكرامات الباهرات
أما بعد فَإِنِّي فِي شهر رَمَضَان عَام خمس وثلثمائة وَألف من هِجْرَة من أنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن تَفْصِيلًا لكل شئ وتبيانا ذكرت فِي مجْلِس درسي الْعَام مَا قالته الْأَئِمَّة الأحناف الْأَعْلَام فِي كتبهمْ الْفِقْهِيَّة وأحكامهم الشَّرْعِيَّة من عدم سَماع الْمَوْتَى كَلَام الْأَحْيَاء وَأَن من خلف لايكلم زيدا فَكَلمهُ وَهُوَ ميت لَا يَحْنَث وَعَلِيهِ فَتْوَى الْعلمَاء فأشاع بعض من انتسب إِلَى الْعلم من غير إِدْرَاك لما حرروه وَلَا فهم أَن هَذَا الْعزو غير صَحِيح وَأَنه قَول مُنكر مُغَاير للشَّرْع الرجيح وَأَنه لم يعْتَقد ذَلِك أحد من أَصْحَاب الإِمَام أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فَاتبعهُ أَتبَاع كل ناعق من أَفْرَاد الجهلة
1 / 3
والعوام والمرجفون فِي مَدِينَة السَّلَام فَأَحْبَبْت للنصيحة فِي الدّين ولتبيان مَا أَتَى فِي الْكتاب الْمُبين وَتَعْلِيم إخْوَانِي الْمُسلمين أَن أجمع فِي هَذِه الرسَالَة أَقْوَال أَصْحَابنَا الأحناف وَمَا قَالَه غَيرهم من الْأَئِمَّة وَالْفُقَهَاء الْأَشْرَاف وَأَن احرر مَا قَالُوهُ وأنقل من كتبهمْ مَا سطروه بعباراتهم المفصلة ونصوصهم المطولة وأدلتهم المحبرة وأجوبتهم المحررة ليتضح للعامة مَا جهلوه وَيظْهر للمعاندين صَوَاب مَا أخطأوه ورتبتها على ثَلَاثَة فُصُول وخاتمة جَامِعَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى للمعقول وَالْمَنْقُول وللنزاع حاسمة وسميتها الْآيَات الْبَينَات فِي عدم سَماع الْأَمْوَات عِنْد الْحَنَفِيَّة السادات وَالله سُبْحَانَهُ الْمَسْئُول أَن يوفقنا للصَّوَاب ويرزقنا اسْتِمَاع الْحق واتباعه فِي المبدأ والمآب أَمِين
1 / 4
الْفَصْل الأول
فِي نقل كَلَام الْأَئِمَّة الْحَنَفِيَّة فِي ذَلِك
قَالَ الْعَلامَة الحصكفي الْحَنَفِيّ فِي كِتَابه الشهير ب الدّرّ الْمُخْتَار شرح تنوير الْأَبْصَار فِي بَاب الْيَمين فِي الضَّرْب وَالْقَتْل وَغير ذَلِك مَا لَفظه
مَا شَارك الْمَيِّت فِيهِ الْحَيّ يَقع الْيَمين فِيهِ على الْحَالَتَيْنِ الْمَوْت والحياة وَمَا اخْتصَّ بِحَالَة الْحَيَاة وَهُوَ كل فعل يلذ ويؤلم ويغم وَيسر كشتم وتقبيل تقيد بهَا ثمَّ فرغ عَلَيْهِ فَلَو قَالَ إِن ضربتك أَو كسوتك أَو كلمتك أَو دخلت عَلَيْك أَو قبلتك تقيد كل مِنْهَا
1 / 5
بِالْحَيَاةِ حَتَّى لَو علق بهَا طَلَاقا أَو عتقا لم يَحْنَث بِفِعْلِهَا فِي ميت بِخِلَاف الْغسْل وَالْحمل والمس وإلباس الثَّوْب كحلفه لايغسله أَو لايحمله لَا تتقيد بِالْحَيَاةِ انْتهى
وَقَالَ محشيه الْعَلامَة الطَّحْطَاوِيّ مَا لَفظه قَوْله أَو كلمتك إِنَّمَا تقيد بِالْحَيَاةِ لِأَن الْمَقْصُود من الْكَلَام الإفهام وَالْمَوْت يُنَافِيهِ لِأَن الْمَيِّت لَا يسمع وَلَا يفهم وَأورد أَنه ﵊ قَالَ لأهل القليب قليب بدر هَل وجدْتُم مَا وَعدكُم ربكُم حَقًا فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله مَا تكلم من أجساد لَا أَرْوَاح فِيهَا فَقَالَ النَّبِي ﷺ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم
1 / 6
وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ غير ثَابت يَعْنِي من جِهَة الْمَعْنى وَإِلَّا فَهُوَ فِي الصَّحِيح وَذَلِكَ أَن عَائِشَة ﵂ ردته بقوله تَعَالَى ﴿وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور﴾ ﴿إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى﴾ وَقَوله من جِهَة الْمَعْنى ينظر مَا المُرَاد بِهِ فَإِن ظَاهره يَقْتَضِي وُرُود اللَّفْظ عَن الشَّارِع ﷺ وَأَن الْمَعْنى لَا يَسْتَقِيم وَفِيه مَا فِيهِ
1 / 7
وَأجِيب أَيْضا بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَه ﵊ على وَجه الموعظة للأحياء لَا لإفهام الْمَوْتَى كَمَا رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين أما نِسَاؤُكُمْ فنكحت وَأما أَمْوَالكُم فقسمت وَأما دُوركُمْ فقد سكنت فَهَذَا خبركم عندنَا فَمَا خبرنَا عنْدكُمْ
وَيَردهُ أَن بعض الْأَمْوَات رد عَلَيْهِ بقوله الْجُلُود تمزقت والأحداق قد سَالَتْ مَا قدمنَا مَا لَقينَا وَمَا أكلنَا
1 / 8
ربحنا وَمَا خلفنا خسرنا أَو كلَاما هَذَا كَمَا فِي بعض شرَّاح الْجَامِع الصَّغِير وَأَيْضًا ورد عَنهُ ﵊ إِن الْمَيِّت ليسمع خَفق نعَالهمْ إِذا انصرفوا كَمَال وَفِي النَّهر أحسن مَا أُجِيب بِهِ أَنه كَانَ معْجزَة لَهُ ﷺ انْتهى
وَقَالَ شيخ مشائخنا الْعَلامَة ابْن عابدين فِي حَاشِيَته على الْكتاب الْمَذْكُور مَا لَفظه
1 / 9
وَأما الْكَلَام فَلِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ الإفهام وَالْمَوْت يُنَافِيهِ وَلَا يرد مَا فِي الصَّحِيح من قَوْله ﷺ لأهل قليب بدر هَل وجدْتُم مَا وَعدكُم ربكُم حَقًا فَقَالَ عمر ﵁ أَتكَلّم الْمَيِّت يَا رَسُول الله فَقَالَ ﵊ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُم بأسمع مِنْهُم أَو من هَؤُلَاءِ فقد أجَاب عَنهُ الْمَشَايِخ بِأَنَّهُ غير ثَابت يَعْنِي من جِهَة الْمَعْنى وَذَلِكَ لِأَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا ردته بقوله تَعَالَى ﴿وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور﴾ و﴿إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى﴾ وَأَنه إِنَّمَا قَالَه على وَجه الموعظة للأحياء وَبِأَنَّهُ مَخْصُوص بأولئك تضعيفا للحسرة عَلَيْهِم وَبِأَنَّهُ خُصُوصِيَّة لَهُ ﵊ معْجزَة لَكِن يشكل عَلَيْهِم مَا فِي مُسلم إِن الْمَيِّت ليسمع قرع نعَالهمْ إِذا انصرفوا إِلَّا أَن يخصوا ذَلِك بِأول الْوَضع فِي الْقَبْر مُقَدّمَة للسؤال جمعا بَينه وَبَين الْآيَتَيْنِ فَإِنَّهُ
1 / 10
شبه فيهمَا الْكفَّار بالموتى لإِفَادَة بعد سماعهم وَهُوَ فرع عدم سَماع الْمَوْتَى هَذَا حَاصِل مَا ذكره فِي الْفَتْح هُنَا وَفِي الْجَنَائِز
وَمعنى الْجَواب الأول أَنه وَإِن صَحَّ سَنَده لكنه مَعْلُول من جِهَة الْمَعْنى بعلة تَقْتَضِي عدم ثُبُوته عَنهُ ﵊ وَهِي مُخَالفَته لِلْقُرْآنِ فَافْهَم انْتهى كَلَام ابْن عابدين عَلَيْهِ الرَّحْمَة
ولنذكر كَلَام إِمَام الْحَنَفِيَّة ابْن الْهمام فِي فتح
1 / 11
الْقَدِير حَاشِيَة الْهِدَايَة فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَاب الْجَنَائِز على قَوْله ولقن الشَّهَادَة لقَوْله ﵊ لقنوا مَوْتَاكُم شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَالْمرَاد الَّذِي قرب من الْمَوْت مَا نَصه
قَوْله وَالْمرَاد الَّذِي قرب من الْمَوْت مثل لفظ الْقَتِيل فِي قَوْله ﵊ من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وَأما التَّلْقِين من بعد الْمَوْت وَهُوَ فِي الْقَبْر فَقيل يفعل لحقيقة مَا روينَا وَنسب لأهل السّنة وَالْجَمَاعَة وخلافه إِلَى الْمُعْتَزلَة وَقيل لَا يُؤمر بِهِ وَلَا ينْهَى عَنهُ
1 / 12
وَيَقُول يَا فلَان بن فلَان اذكر دينك الَّذِي كنت عَلَيْهِ فِي دَار الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَلَا شكّ أَن اللَّفْظ لَا يجوز إِخْرَاجه عَن حَقِيقَته إِلَّا بِدَلِيل فَيجب تَعْيِينه وَمَا فِي الْكَافِي من أَنه إِن كَانَ مَاتَ مُسلما لم يحْتَج إِلَيْهِ من بعد الْمَوْت وَإِلَّا لم يفد يُمكن جعله الصَّارِف يَعْنِي أَن الْمَقْصُود مِنْهُ التَّذْكِير فِي وَقت تعرض الشَّيْطَان وَهَذَا لَا يُفِيد بعد الْمَوْت وَقد يخْتَار الشق الأول والاحتياج إِلَيْهِ فِي حق التَّذْكِير لتثبت الْجنان للسؤال فنفي الْفَائِدَة مُطلقًا مَمْنُوع نعم الْفَائِدَة الْأَصْلِيَّة منتفية
1 / 13
وَعِنْدِي أَن مبْنى ارْتِكَاب هَذَا الْمجَاز هُنَا عِنْد أَكثر مَشَايِخنَا رَحِمهم الله تَعَالَى هُوَ أَن الْمَيِّت لَا يسمع عِنْدهم على مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كتاب الْإِيمَان فِي بَاب الْيَمين بِالضَّرْبِ لَو حلف لَا يكلمهُ فَكَلمهُ مَيتا لَا يَحْنَث لِأَنَّهَا تَنْعَقِد على مَا بِحَيْثُ يفهم وَالْمَيِّت لَيْسَ كَذَلِك لعدم السماع وَورد عَلَيْهِ قَوْله ﷺ فِي أهل القليب مَا أَنْتُم بأسمع مِنْهُم
وَأَجَابُوا تَارَة بِأَنَّهُ مَرْدُود من عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت كَيفَ يَقُول ﵊ ذَلِك وَالله تَعَالَى يَقُول وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور وَإنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى وَتارَة بِأَن تِلْكَ خُصُوصِيَّة لَهُ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ
1 / 14
وَسلم معْجزَة وَزِيَادَة حسرة على الْكَافرين وَتارَة بِأَنَّهُ من ضرب الْمثل كَمَا قَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
1 / 15
وَيشكل عَلَيْهِم مَا فِي مُسلم إِن الْمَيِّت ليسمع قرع نعَالهمْ إِذا انصرفوا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يخصوا ذَلِك بِأول الْوَضع فِي الْقَبْر مُقَدّمَة للسؤال جمعا بَينه وَبَين الْآيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا تفيدان تَحْقِيق عدم سماعهم فَإِنَّهُ تَعَالَى شبه الْكفَّار بالموتى لإِفَادَة تعذر سماعهم وَهُوَ فرع عدم سَماع الْمَوْتَى إِلَّا أَنه على هَذَا يَنْبَغِي التَّلْقِين من بعد الْمَوْت لِأَنَّهُ يكون حِين إرجاع الرّوح فَيكون حِينَئِذٍ لفظ مَوْتَاكُم فِي حَقِيقَته وَهُوَ قَول طَائِفَة من الْمَشَايِخ أَو هُوَ مجَاز بِاعْتِبَار مَا كَانَ نظرا إِلَى أَنه الْآن حَيّ إِذْ لَيْسَ معنى الحَدِيث إِلَّا من فِي بدنه الرّوح وعَلى كل حَال هُوَ مُحْتَاج إِلَى دَلِيل آخر فِي التَّلْقِين حَالَة الاحتضار إِذْ لَا يُرَاد الْحَقِيقِيّ والمجازي مَعًا وَلَا مجازيان وَلَيْسَ يظْهر معنى يعم الْحَقِيقِيّ والمجازي حَتَّى يعْتَبر مُسْتَعْملا فِيهِ ليَكُون من عُمُوم الْمجَاز للتضاد وَشرط إعماله فيهمَا أَن لَا يتضادا انْتهى كَلَام الْعَلامَة ابْن الْهمام
1 / 16
وَقَالَ أَيْضا الْعَلامَة الشَّيْخ أَحْمد الطَّحْطَاوِيّ فِي حَاشِيَته على مراقي الْفَلاح للشرنبلالي شرح نور الْإِيضَاح فِي بَاب أَحْكَام الْجَنَائِز على قَول الشَّارِح قَالَ الْمُحَقق ابْن همام وَحمل أَكثر مَشَايِخنَا إِيَّاه على الْمجَاز أَي من قرب من الْمَوْت مبناه على أَن الْمَيِّت لَا يسمع عِنْدهم مَا نَصه
قَوْله مبناه على أَن الْمَيِّت لَا يسمع عِنْدهم على مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كتاب الْإِيمَان لَو حلف لَا يكلمهُ فَكَلمهُ مَيتا لَا يَحْنَث لِأَنَّهَا تَنْعَقِد على من يفهم وَالْمَيِّت لَيْسَ كَذَلِك لعدم السماع قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور﴾ ﴿إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى﴾ وَهُوَ يُفِيد تَحْقِيق عدم سَماع الْمَوْتَى إِذْ هُوَ فَرعه انْتهى كَلَام الشُّرُنْبُلَالِيّ والطحطاوي وَقَالَ الْعَلامَة الْعَيْنِيّ فِي شرح الْكَنْز فِي بَاب الْيَمين فِي الضَّرْب وَالْقَتْل وَغير ذَلِك بعد قَول الماتن وكلمتك تقيد بِالْحَيَاةِ مَا لَفظه
لِأَن الضَّرْب هُوَ الْفِعْل المؤلم وَلَا يتَحَقَّق فِي الْمَيِّت
1 / 17
وَالْمرَاد فِي الْكَلَام الإفهام وَأَنه يخْتَص بالحي انْتهى وَمثله فِي الْبَحْر وَنَصه
لِأَن الْمَقْصُود من الْكَلَام الإفهام وَالْمَوْت يُنَافِيهِ
وَقَالَ الْعَلامَة ابْن ملك فِي مبارق الأزهار شرح مَشَارِق الْأَنْوَار الْجَامِع بَين الصَّحِيحَيْنِ فِي قَوْله
1 / 18
﵊ إِنَّه ليسمع قرع نعَالهمْ إِذا انصرفوا
وَفِيه دلَالَة على حَيَاة الْمَيِّت فِي الْقَبْر لِأَن الإحساس بِدُونِ الْحَيَاة مُمْتَنع عَادَة وَهل ذَلِك بِإِعَادَة الرّوح أَولا فَفِيهِ اخْتِلَاف الْعلمَاء فَمنهمْ من يَقُول بِتِلْكَ وَتوقف أَبُو حنيفَة فِي ذَلِك انْتهى بِلَفْظِهِ
فَتبين من تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته للطحطاوي وَلابْن عابدين وَمن فتح الْقَدِير وَالْهِدَايَة وَمن مراقي الْفَلاح وحاشيته وشروح الْكَنْز وَمن سَائِر الْمُتُون المبنية على الْمُفْتِي بِهِ من قَول الإِمَام أبي حنيفَة وصاحبيه ومشايخ الْمَذْهَب أَن الْمَيِّت لَا يسمع بعد خُرُوج روحه كَمَا قَالَت عَائِشَة وتبعها طَائِفَة من أهل الْعلم والمذاهب الْأُخْرَى وَأَن الْحَنَفِيَّة لم يحكوا خلافًا فِي حكمهم هَذَا عَن أحد من عُلَمَاء الْمَذْهَب وَلم يحنثوا الْحَالِف كَمَا فصلنا وَهُوَ الْمَطْلُوب وَللَّه الْحَمد
وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَا يُؤَيّد هَذِه الْأَقْوَال فِي الْفَصْل الثَّانِي وَالثَّالِث فانتظرهما وَلَا تغفل
1 / 19
تَتِمَّة فِي التَّلْقِين بعد الدّفن
اعْلَم أَن مَسْأَلَة التَّلْقِين قبل الْمَوْت لم نعلم فِيهَا خلافًا وَأما بعد الْمَوْت وَهِي الَّتِي تقدم ذكرهَا فِي الْهِدَايَة وَغَيرهَا فَاخْتلف الْأَئِمَّة وَالْعُلَمَاء فِيهَا فالحنفية لَهُم فِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال
الأول أَنه يلقن بعد الْمَوْت لعود الرّوح للسؤال
وَالثَّانِي لَا يلقن
وَالثَّالِث لَا يُؤمر بِهِ وَلَا ينْهَى عَنهُ
وَعند الشَّافِعِيَّة يلقن كَمَا قَالَ ابْن حجر فِي التُّحْفَة
1 / 20
وَيسْتَحب تلقين بَالغ عَاقل أَو مَجْنُون سبق لَهُ تَكْلِيف وَلَو شَهِيدا كَمَا اقْتَضَاهُ إِطْلَاقهم بعد تَمام الدّفن لخَبر فِيهِ وَضَعفه اعتضد بشواهد على أَنه من الْفَضَائِل فَانْدفع قَول ابْن عبد السَّلَام أَنه بِدعَة انْتهى
وَأما عِنْد الإِمَام مَالك نَفسه فمكروه قَالَ الشَّيْخ عَليّ الْمَالِكِي فِي كِتَابه كِفَايَة الطَّالِب الرباني لختم رِسَالَة ابْن أبي زيد القيرواني مَا لَفظه
وأرخص بِمَعْنى اسْتحبَّ بعض الْعلمَاء هُوَ ابْن
1 / 21
حبيب فِي الْقِرَاءَة عِنْد رَأسه أَو رجلَيْهِ أَو غَيرهمَا ذَلِك بِسُورَة يس لما رُوِيَ أَنه ﷺ قَالَ مَا من ميت يقْرَأ عِنْد رَأسه سُورَة يس إِلَّا هون الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَلم يكن ذَلِك أَي مَا ذكر من الْقِرَاءَة عِنْد المحتضر عِنْد مَالك رَحمَه الله تَعَالَى أمرا مَعْمُولا وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوه عِنْده وَكَذَا يكره عِنْد تلقينه بعد وَضعه فِي قَبره انْتهى
وَأما الحنبلية فَعِنْدَ أَكْثَرهم يسْتَحبّ قَالَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن عمر الشَّيْبَانِيّ الْحَنْبَلِيّ فِي شرح دَلِيل الطَّالِب مَا لَفظه
وَاسْتحبَّ الْأَكْثَر تلقينه بعد الدّفن انْتهى
واستفيد مِنْهُ أَن غير الْأَكْثَر من الْحَنَابِلَة يَقُول بِعَدَمِ التَّلْقِين بعد الْمَوْت أَيْضا
1 / 22