Kağıtlarım... Hayatım (Birinci Kısım)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
Türler
توقفت أنفاسهم داخل الصالة الضيقة، وتوقفت معها أنفاس الفجر المترددة بين الإقبال والإدبار، وأنفاس الساعة المتهالكة العتيقة منذ الخديو إسماعيل، وقرص الشمس أيضا توقف وانحشر في بطن الأرض يرفض الخروج.
ربما تبدو هذه اللحظة بعيدة عن الواقع، لكن هذا ما حدث كما حكت لي جدتي الحاجة مبروكة أم أبي، وكنا نسميها «ستي الحاجة»، هي أيضا توقفت أنفاسها في حلقها حين دب الصمت بعد الصرخة الأولى والأخيرة، أطلت من الباب الموارب لترى الرأس الصغير محشورا في فرج الأم يرفض الخروج إلى الدنيا، رأس ناشف، عنيد، صلب، مثل الحجر، أسود بلون الليل، مستدير «مثل الكرة الأرضية»، متوقف في الفرج المتسع على شكل دائرة بحجم قرص شمس حمراء بلون الدم.
مع الصرخة القوية المنطلقة من بطن الأم خرج الرأس الأسود الصلب، توقف عند منتصف العنق مترددا بين الخروج والدخول، وهنا انقبضت من حوله عضلات الفرج حتى اختنق، لم يكن أمامه لإنقاذ نفسه إلا الاندفاع إلى الخارج.
خرج مثل الكرة، ملفوفا حول نفسه كالقنفذ، ذراعاه وساقاه مضمومة حول جسده، تلقفاه الكفان الكبيرتان بأصابعهما الطويلة المعروقة تفتح الفخذين بحركة أسرع من البرق، أصابع خشنة صلبة مثل المسامير الصدئة، مدربة في مهنة الدايات منذ الاحتلال التركي .
كانت الفخذان الصغيرتان مضمومتين بقوة خارقة للعادة، كأنما بينهما شيء يستوجب الخزي، لكن الأصابع الحديدية أبعدت الفخذ عن الأخرى، كأنهما فخذا دجاجة، لتكشف عما بينهما من خير أو شر، ولتكون أول من يطلق الزغرودة، إذا ما سقطت عيناها فوق القضيب، العضو الغالي المبجل شبه المقدس الممنوح للمذكر فحسب، أو تكون أول من تنكس الرأس بوجه كظيم، وتصمت صمت الموتى، إذا لم يكن هناك إلا الشق، الفرج التعيس الملعون منذ حواء.
لم تنطق الزغرودة من فم أم محمد الداية، ولم تفتح الأم الوالدة جفونها لترى ماذا ولدت، وكنت «أنا» بالمصادفة ذلك الشيء المولود، قلبته أم محمد الداية بين يديها، ممصمصة شفتيها في حسرة، ثم ألقت به داخل طشت الماء ليغرق.
لم تمتد أي يد من عائلة شكري بيه أو آل السعداوي لتنقذني، أغلب الظن أنهم اختفوا جميعا، وأصبحت حياتي بين يدي أم محمد، الداية المدربة منذ قرون على حل الأزمات والمصائب. لها قرون استشعار تفهم العيون دون الكلام، تعيش المولودة أو تموت، كله بإرادة الله، وهي على علاقة طيبة بالله.
لم تفتح أمي جفونها وتركتني داخل الطشت أرفس ... لا أعرف كيف تغلبت على الموت في اللحظات الأولى من حياتي، ربما هي إرادة شيطانية ركبتني، لم أكن أعرف حينئذ ما هو الشيطان، ثم عرفت في الخامسة من عمري أن اسمه إبليس، إنه الوحيد الذي امتلك القوة ليرفض أمر الله ويرفع راية العصيان.
ربما فتحت أمي نصف عين (بعد انصراف الداية أم محمد)، رأت بشرتي الزرقاء الداكنة السمرة مثل آل السعداوي الفلاحين، فأطبقت جفونها كأنما إلى الأبد، شفتاها انطبقتا مزمومتين بلون أزرق، الصمت أصبح ثقيلا أثقل من وزن الأرض، امتد من البيت الصغير إلى القرية كلها تحت جسر النيل، من القرية امتد إلى المدينة العاصمة، القاهرة لأهلها منذ عصر العبيد، المقهورة تحت بنادق الغزاة من الفراعنة حتى الاحتلال الإنجليزي عام 1882م، الواقعة أسفل جبل المقطم، أسفل الأهرامات ومقبرة فرعون، أسفل قدمي «أبي الهول» الإله الحجري الأكبر.
أغمضت الأم عينيها وتكورت حول نفسها كالجنين، تضم فخذيها السمينتين البيضاوين حول الفرج المفتوح النازف، لم تمتد ذراعيها لتضمني إلى صدرها، تركتني أرتجف إلى جوارها في السرير داخل خرقة بالية تلتف حول صدري وبطني حتى الاختناق، مددت ذراعي نحوها، والتفت أصابعي الخمسة حول يدها، فانقبضت أصابعها الخمسة حول يدي، ثم راحت أمي فيما يشبه النعاس أو حمى النفاس، عاد بها الألم والنزيف إلى ليلة الزفاف، تسير بخطوة ثقيلة بطيئة مع دقات الطبول، قدماها تتأرجحان فوق الكعب العالي المدبب، تتعثران في ذيل الثوب الطويل ذي الكرانيش والكشاكيش، الطبل يدق في أذنيها كالشواكيش ... فخذاها ترتجفان، تضمهما بقوة حول الفرج المنزوع الشعر والكرامة، عمرها خمسة عشر ربيعا، أخرجها أبوها من المدرسة بالقوة والعصا، عريسها يكبرها بستة عشر عاما، لم تره إلا من ظهره من وراء ثقوب الشيش، وجهها تحت مسحوق البودرة ابيض بلون الطباشير، تشوبه صفرة مرتعشة تحت أضواء الكهرباء، خداها عظامهما بارزة مصبوغان بلون أحمر مثل عرائس المولد، عيناها العسليتان يكسوهما بريق طفولي، يدور «النني» حول نفسه كالفأر في المصيدة يبحث عن ثقب للفرار، اسمها مطبوع فوق بطاقة الدعوة بحبر أسود:
Bilinmeyen sayfa