Kağıtlarım... Hayatım (Birinci Kısım)

Nevval Saadavi d. 1442 AH
85

Kağıtlarım... Hayatım (Birinci Kısım)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Türler

ركوب الترام دون دفع التذكرة من المباهج الكبيرة التي تملأ حياتنا الصغيرة، ثمن التذكرة ستة مليمات تبدو ستة جنيهات. أخي طلعت يكبرني بعام واحد، يعرف كل شيء في مصر، سينما مترو، مسرح الريحاني، كازينو بديعة، لم يحب المدرسة أو المذاكرة، يأخذني إلى دار الكتب في باب الخلق، نجلس نقرأ الروايات، الكتب القديمة، أخي يحب الشعر، الموسيقى، العزف على العود، الغناء، التمثيل، كان يمكن أن يكون فنانا موهوبا لولا ما حدث في منوف.

كان في العاشرة من عمره، الضربة جاءته في نصف وجهه الأيسر، نصف قرن وأكثر مضى منذ الحادث، أخي طلعت لا ينساه، يراه كل يوم في المرآة، الجرح الملتئم في خده الأيسر، الجرح غير الملتئم في أعماقه. - لولا منوف يا نوال ... - كان حصل إيه يا طلعت. - كنت بقيت موسيقار كبير.

صوت أخي في أذني قبل أن أغادر مصر في صيف 1992، جاء يزورني في بيتي بالجيزة، بريق طفولي يطل من عينيه، طبقة شفافة من الدموع الجافة، سحابة رقيقة من الحزن القديم، صفرة خفيفة تطفو فوق البريق، في يده روشتة من الطبيب: ارتفاع نسبة البولينا في الدم. - ماذا في الكلية اليسرى؟ - شوية تعب.

كلمة «تعب» ترن بصوته غريبة، لم يكن أخي يشعر بالتعب، لا ينام الليل، يتدرب على العزف، يغني، يرى نفسه في المرآة موسيقارا كبيرا، يركب البسكليتة يطير بها في الهواء، يحلق فوق الزرع مثل الفراشة، بشرته بيضاء (مثل أمي) مشربة بالحمرة، ملامحه متناسقة، ممشوق الجسم، ترمقه البنات بإعجاب، يرمقه الصبيان بكراهية، أمسك أحدهم قعر زجاجة، ضربه في وجهه، جاءت الضربة في خده الأيسر، كان طفلا في العاشرة، هل نفذت الضربة إلى القلب؟ إلى الكلية اليسرى؟

أخذه أبي إلى طبيب في منوف، في القاهرة أخذه الطبيب إلى طبيب أكثر كفاءة، التأم الجرح في الخد الأيسر، ترك علامة يراها أخي كل يوم في المرآة. - لولا الجرح كنت بقيت ... - الجرح مش باين يا طلعت ...

في المرآة لا يرى أخي إلا الجرح، منذ جاءته الضربة يكتم الدموع، الرجل يتلقى الضربة دون بكاء، البكاء للبنات، أصبح أخي رجلا في العاشرة من عمره.

يبتلع الدموع إذا ضربه أبي، يضربه حين يسقط في المدرسة، حين يترك المذاكرة، لم يدرك أبي موهبة أخي. - عاوز تبقى مصوراتي؟! - عاوز تبقى مازيكاتي؟!

لم تكن الفنون محترمة، الشهادات العليا من الجامعة هي أهم شيء، من لا يدخل الجامعة لا يكون مثقفا، من لا يتخرج في الجامعة لا يكون عريسا.

كلمة «الجامعة» لها رنين ساحر، أول مرة رأيت «القبة» كنت في الرابعة عشرة من عمري، ذهبت مع أخي طلعت وزميلتي «سعاد»، دخلنا حديقة الحيوان في شارع الجيزة، خرجنا من الباب الآخر في شارع الجامعة. «القبة» لها هيبة، تلمع تحت الضوء أكبر من قرص الشمس، الساعة العالية ترن بصوت أقوى من الأسد في حديقة الحيوان، شارع الجامعة تحوطه الأشجار الباسقة، أوراق الشجر أكثر خضرة من الأشجار الأخرى، رائحة الياسمين تملأ الجو، أسفلت الشارع يلمع تحت الشمس مغسولا بالماء والصابون، طلبة الجامعة يدبون فوق الأرض بأحذية جلدية قوية، يرتدون بدلا من الصوف المتين رصاصي اللون، تتدلى من أيديهم حقائب جلدية تلمع تحت الضوء، رءوسهم شامخة، عيونهم نحو السماء، يرمقوننا باستعلاء نحن الأطفال أو التلاميذ، أيأتي يوم أدخل فيه الجامعة؟ أجلس إلى جوار هؤلاء الرجال؟ أتخرج؟ أصبح كاتبة؟ طه حسين كان طفلا فقيرا فاقد البصر، أبي ليس فقيرا مثل أبيه، وأنا لست فاقدة البصر!

شارع الجامعة وحديقة الأورمان، فرع النيل فوق كوبري بديعة (كوبري الجلاء)، والنيل الرئيسي، كوبري قصر النيل، الأسد الحجري عند مدخل الكوبري أكبر من الأسد الحقيقي في حديقة الحيوان، مياه النيل تجري تحت الكوبري، تنعكس عليها الأضواء، مياه أخرى، نيل آخر غير النيل في كفر طحلة، السيارات تمرق فوق الكوبري، يهتز من تحتنا، تهتز معه أجسامنا، أيسقط الكوبري ونحن فوقه؟!

Bilinmeyen sayfa