غادر زقلط البهو. وألقى الأفندي على جبل نظرة لوم وهو يتساءل ساخرا: إذن أنت من آل حمدان يا جبل؟!
ولاذ جبل بالصمت حتى رحمته هدى فقالت: قلبه معنا ولكن شق عليه أن يتنكر لأصله أمام زقلط.
فقال جبل بحزن واضح: إنهم بؤساء يا سيدتي على الرغم من أنهم أكرم أهل الحارة أصلا.
فصاح الأفندي: حارة لا أصل لها.
فقال جبل جادا: إننا أبناء أدهم، وما زال جدنا حيا أطال الله بقاءه.
فتساءل الأفندي: من ذا يستطيع أن يثبت بنوته لأبيه؟ .. إنه كلام لا بأس أن يقال أحيانا، ولكنه لا ينبغي أن يتخذ وسيلة لنهب أموال الغير.
وقالت هدى: نحن لا نريد بهم شرا على شرط ألا يطمعوا في أموالنا .
وأراد الأفندي أن ينهي الحديث فقال لجبل: اذهب إلى عملك ولا تفكر في سواه.
غادر جبل البهو فذهب إلى إدارة الوقف في منظرة الحديقة. كان عليه أن يسجل في الدفاتر عددا من عقود الإيجار، وأن يراجع الحساب الختامي للشهر ولكن الحزن شتت عقله. ومن عجب أن آل حمدان لا يحبونه، وهو يعلم ذلك ويذكر كيف كان يقابل بالبرود في قهوة حمدان في المرات القلائل التي غشيها. مع ذلك أحزنه ما يدبر لهم من شر. أحزنه أكثر مما أسخطه سلوكهم الجريء. وود أن يدفع عنهم الشر لولا إشفاقه من إغضاب البيت الذي آواه ورباه وتبناه. ماذا كان يكون لو لم يدركه عطف هدى هانم؟
منذ عشرين عاما رأت الهانم طفلا عاريا يستحم في حفرة مملوءة بمياه الأمطار. مضت تتسلى بمشاهدته فمال قلبها، الذي حرمه العقم من نعم الأمومة، إليه. أرسلت من حمله إليها وهو يبكي خائفا. وتحرت عنه فعلمت أنه طفل يتيم ترعاه بياعة دجاج. استدعت الهانم بياعة الدجاج وطلبت إليها أن تنزل لها عن الطفل فرحبت بذلك كل الترحيب. هكذا نشأ جبل في بيت الناظر وفي رعاية حضرته ينعم بأسعد أمومة في الحارة جميعا. وأدخل الكتاب فتعلم القراءة والكتابة، ولما بلغ رشده ولاه الأفندي إدارة الوقف.
Bilinmeyen sayfa