شحن جو الحجرة بالقلق والتوتر. بدا عم زكريا مفكرا مقطبا، وراح عم عويس يعبث بشاربه، وكأن حسن كان يحادث نفسه، أما صادق فلم يحول ناظريه عن وجه صديقه قاسم، على حين انزوت قمر في ركن حجرة الاستقبال وهي تدعو الله أن يهدي الجميع إلى السداد والرشاد. وكانت فناجيل القهوة قد فرغت وأخذت ذبابتان تحومان حولها، فنادت قمر سكينة لتأخذ الصينية، فجاءت الجارية وحملتها ثم ذهبت وأغلقت الباب وراءها كما كان. وقال عويس وهو ينفخ: يا له من سر يهد الأعصاب هدا!
وعوى كلب في الحارة كأنما أصيب بطوبة أو عصا، وارتفع صوت بياع ينادي مترنما بالبلح، وامرأة عجوز هتفت في أسى: «يا رب خلصنا من عيشتنا!» والتفت زكريا إلى عويس قائلا: يا معلم عويس، إنك أكبرنا مقاما وجاها، فصارحنا برأيك!
فنقل الرجل عينيه بين زكريا وقاسم وقال: أقول الحق إن قاسم رجل ولا كل الرجال، ولكن حديثه أدار رأسي!
فقال صادق بعد توثب طويل للكلام: إنه رجل صادق، أتحدى أي مخلوق أن يذكرنا بكذبة صدرت عنه، فهو عندي مصدق، وأقسم لكم على ذلك بتربة أمي!
وقال حسن بحماس: وأنا كذلك. وسيجدني دائما إلى جانبه.
وابتسم قاسم لأول مرة في امتنان، وهو يرمق جسم ابن عمه القوي بإعجاب، لكن زكريا ألقى على ابنه نظرة انتقاد وقال: ليس الأمر لعبا، فكروا في حياتنا وسلامتنا.
فأمن عويس على قوله بإحناءة من رأسه وقال: صدقت، لم يسمع أحد من قبل مثل ما سمعنا اليوم.
فقال قاسم: بل سمعوا مثله وأكثر عن جبل ورفاعة!
فدهش عويس وحدجه بإنكار متسائلا: أتظن أنك مثل جبل ورفاعة؟
وغض قاسم بصره متألما وقمر تراقبه بإشفاق، ثم قالت: عمي! من يدري كيف تقع هذه الأمور؟!
Bilinmeyen sayfa