Bizim Mahalle Çocukları

Necip Mahfuz d. 1427 AH
205

Bizim Mahalle Çocukları

أولاد حارتنا

Türler

66

لم يكن في الخلاء من مكان يستظل به من وقدة الشمس الغاضبة إلا صخرة هند. هنالك اقتعد قاسم الأرض ولا أنيس له إلا الغنم. بدا في جلباب أزرق نظيف - نظيف بالقدر المتاح لراع - متلفع الرأس بلاسة غليظة وقاية من الشمس، ومنتعلا مركوبا قديما باليا تهتكت أطرافه. وكان يخلو إلى نفسه حينا ويراقب النعاج والخرفان والمعز والجداء حينا آخر، وعصاه مطروحة إلى جانبه. ولاح المقطم من مجلسه القريب عاليا ضخما متجهما، كأنه المخلوق الوحيد تحت القبة الصافية الذي يتحدى غضبة الشمس في عناد وإصرار، كما ترامى الخلاء حتى الآفاق مشمولا بصمت ثقيل وهواء ساخن. وكان إذا أضنته أفكاره وأحلامه ونوازع شبابه الفائر سرح الطرف في الغنم ملاحظا لهوها وعبثها، وتخاصمها وتواددها، ونشاطها وكسلها، وبخاصة البهم والحملان منها التي تستدر عطفه ومحبته. وكانت أعينها الكحلاوات تعجبه وتهز فؤاده بنظراتها كأنما تخاطبه، وكان بدوره يخاطبها فيقارن بين ما تلقى في رعايته من عطف وما يلقى أولاد حارته تحت غطرسة الفتوات من هوان. ولم تهمه نظرة الاستعلاء التي يلقيها أهل الحارة على الرعاة؛ إذ آمن من بادئ الأمر بأن الراعي خير من البلطجي والبرمجي والمتسول. وفضلا عن ذلك فقد أحب الخلاء والهواء النقي وأنس إلى المقطم وصخرة هند وقبة السماء ذات الأطوار العجيبة. إلا أن الرعي كان يقوده دائما إلى المعلم يحيى! وتساءل المعلم يحيى أول ما رآه راعيا: من بائع بطاطة إلى راعي غنم؟!

فقال قاسم دون حرج: ولم لا يا معلم؟! إنه عمل يحسدني عليه مئات من التعساء في حينا! - ولماذا تركك عمك؟ - ابن عمي حسن كبر وهو أحق بمرافقة عمي في تجواله، ورعي الغنم خير من التسول!

ولم يكن يوم يمر دون أن يزور معلمه؛ كان يحبه ويسعد بأحاديثه، ووجد فيه رجلا محيطا بأخبار حارته، حاضرها وماضيها، ويعرف ما يتغنى به شعراء الرباب وأكثر، ويعرف أيضا ما يتجاهلونه أحيانا. وكان يقول ليحيى: «إني أرعى أغناما من كل حي، عندي غنم لجبل وأخرى لرفاعة وثالثة للموسرين من حينا، ومن عجب أنها جميعا ترعى في إخاء لا ينعم بمثله أصحابها القساة من أولاد حارتنا!» وقال له أيضا: «كان همام راعيا. ومن الذين يحتقرون الرعاة؟! إنهم متسولون وعاطلون وتعساء، وهم في الوقت نفسه يحترمون الفتوات، وما الفتوات إلا لصوص فجرة وسفاكو دماء! سامحكم الله يا أولاد حارتنا!» ومرة قال له في دعابة: إني فقير قانع، لم تمتد يدي بالأذى لإنسان، حتى غنمي لا تلقى مني إلا المودة، أفلا ترى أنني مثل رفاعة؟

فرمقه الرجل باستنكار وقال: رفاعة؟! أنت مثل رفاعة؟! رفاعة قضى عمره في تخليص إخوانه من العفاريت كي تخلص لهم السعادة!

ثم ضحك العجوز واستدرك قائلا: وأنت شاب مولع بالنساء، ترصد عند المغيب فتيات الخلاء!

فابتسم قاسم متسائلا: وهل في ذلك من عيب يا معلمي؟ - أنت وشأنك، ولكن لا تقل إنك مثل رفاعة!

فتأمل قوله مليا ثم قال: وجبل ألم يكن كرفاعة من أبناء حارتنا الطيبين؟ كان كذلك يا معلمي، وقد أحب وتزوج واستخلص حق آله في الوقف ووزعه بالعدل.

فقال يحيى بحدة: لكنه جعل من الوقف غايته!

فتفكر الشاب قليلا ثم قال بصراحة: بل حسن المعاشرة والعدل والنظام أيضا كانت غاياته.

Bilinmeyen sayfa