فقطبت عبدة قائلة: العودة إلى سوق المقطم خير من البقاء بين أناس لا يحبوننا!
فقال رفاعة وهو يمد ساقيه تحت النافذة المفتوحة متشمسا: لن نغادر الحارة يا أمي.
فصاح شافعي بحدة: ليتنا لم نعد! (ثم مخاطبا ابنه) .. ألم تكن حزينا يوم عدنا؟
فابتسم رفاعة قائلا: اليوم غير الأمس. إذا ذهبنا فمن ذا الذي يخلص آل جبل من العفاريت؟
فقال شافعي محتدا: فلتركبهم العفاريت إلى الأبد!
ثم بعد تردد: أنت نفسك ستجيء إلى بيتنا ب...
وقاطعه رفاعة: لن أجيء إلى بيتنا بأحد، سأذهب أنا إلى المسكن الآخر.
فهتفت الأم: لا يعني أبوك ذلك! - لكني أعنيه يا أمي، ليس البيت الجديد بالبعيد، وفي وسعنا أن نتصافح كل صباح من النافذة!
وعلى رغم أحزان عم شافعي قرر الاحتفال بيوم الزفاف ولو في أضيق الحدود. أقام الزينات بالدهليز وفوق بابي المسكنين، وجاء بمغن وطباخ. ودعا جميع المعارف والأصدقاء، ولكن لم يلب الدعوة إلا عم جواد وأم بخاطرها وعم حجازي وأسرته وبعض الفقراء الذين حرصوا على الطعام. وكان رفاعة أول فتى يتزوج بلا زفة. وانتقلت الأسرة عبر الدهليز إلى بيت العروس. وغنى المطرب بفتور لقلة المدعوين. وفي أثناء تناول الطعام أثنى جواد الشاعر على شهامة رفاعة وخلقه وقال: إنه فتى ذكي حكيم صافي السريرة، ولكنه في حارة لا تقيم لغير البلطجة والنبابيت وزنا. وإذا بغلمان يقفون أمام الربع ويغنون معا: «يا رفاعة يا وش القملة مين قال لك تعمل دي العملة»، ويختمون بالتهليل والعربدة. ونظر رفاعة في الأرض على حين اصفر وجه شافعي، وغضب عم حجازي وقال: الكلاب أولاد الكلاب!
ولكن عم جواد قال: ما أكثر القاذورات في حارتنا ولكن الطيب لا ينسى فيها أبدا. كم من فتوة استكبر فيها؟ لكنها لا تذكر بالجميل إلا أدهم وجبل.
Bilinmeyen sayfa