فابتسمت المرأة وبدت كأنها سمحت بأن تهبه «قليلا» من علمها فقالت: لكل إنسان عفريت هو سيده، ولكن ليس كل عفريت بشر يجب أن يخرج. - وكيف نميز بين هذا وذاك؟ - عمله يدل عليه، أنت مثلا ولد طيب فما يستحق سيدك إلا الجميل، وليس هكذا عفاريت بيومي وخنفس وبطيخة!
فقال ببراءة: وعفريت ياسمينة هل يجب أن يخرج؟
فضحكت أم بخاطرها وقالت: جارتكم؟ لكن رجال جبل يريدونها كما هي.
فقال باهتمام جدي: أريد أن أعرف هذه الأشياء فلا تبخلي علي.
فقال جواد: من ذا الذي يبخل على الابن الطيب؟
وقالت أم بخاطرها: جميل أن تلازمني كلما سمح الوقت، ولكن على شرط ألا يغضب أبوك، وسيتساءل الناس: ما لهذا الولد الطيب والعفاريت؟! ولكن اعلم أن لا داء للناس إلا العفاريت.
وكان رفاعة يستمع وهو يرنو إلى صورة الجبلاوي.
48
النجارة مهنته ومستقبله، لا مهرب منها فيما يبدو. إن تكن نفسه لا ترتاح إليها فأي شيء ترتاح إليه نفسه؟ إنها أفضل من السعي الكادح وراء عربات اليد، أو من حمل المقاطف والسلال. أما المهن الأخرى كالبلطجة والفتونة فما أبغضها وأمقتها! أم بخاطرها أثارت خياله كما لم يثره شيء من قبل اللهم إلا صورة الواقف المرسومة على جدار الحجرة في بيت جواد الشاعر. وحض أباه يوما على رسم صورة مثلها في بيتهم أو في الدكان، فقال له الرجل: نحن أولى بنفقاتها، وهي خيال، وما قيمة الخيال؟ فما كان منه إلا أن قال له: بودي لو أراه! فضحك الرجل ضحكة عالية، وقال له معاتبا: أليس الأفضل أن ترى عملك؟! لن أعيش لك إلى الأبد، وعليك أن تتأهب ليوم تحمل فيه وحدك أعباء أمك وزوجك وأطفالك.
لكنه لم يكن يفكر في شيء كما كان يفكر فيما تقول أو تفعل أم بخاطرها. بدت له أحاديثها عن العفاريت غاية في الأهمية، ولم تزايل وعيه حتى في الأوقات السعيدة التي تردد فيها على مقاهي الحارة واحدة بعد أخرى. حتى الحكايات نفسها لم ترسب في نفسه كما رسبت أحاديث أم بخاطرها. لكل إنسان عفريت هو سيده، وكما يكون السيد يكون العبد .. هكذا تردد أم بخاطرها. وكم من ليلة قضاها في حضرة الست، يتابع دقات الزار ويشهد ترويض العفاريت! ومن المرضى من يساق إلى البيت في حال خمول وإعياء، ومنهم من يحمل مقيدا في الأغلال اتقاء لشره. ويحرق البخور المناسب؛ إذ لكل حال بخورها، وتدق الدقة المطلوبة؛ إذ لكل عفريت دقة يطلبها، ثم تحدث الأعاجيب.
Bilinmeyen sayfa