3
واجتمع المسلمون بالجعرانة - بئر بين الطائف ومكة - ومعهم من سبي هوازن وإبلها وشائها ألوف كثيرة.
وجاء وفد هوازن يسأل الرسول الكريم أن يرد عليهم أولادهم ونساءهم، وقال رجل من بني سعد، قوم حليمة مرضعة الرسول: «يا رسول الله، إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك.»
ولو شاء الرسول لجزى هوازن بما صنعوا، وإنهم لأهل للجزاء، ولكنه لقي جهلهم بحلمه، وجرمهم بصفحه، كما فعل بأهل مكة، قال: «أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. فإذا أنا صليت بالناس فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا.»
فلما اجتمع الناس للصلاة جاء الوفد فتكلموا بما علمهم الرسول، فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله، وقال الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله. وأبى الأقرع بن حابس زعيم تميم، وعيينة بن حصن زعيم فزارة، والعباس بن مرداس زعيم سليم أن يتركوا غنائمهم، فوعدهم الرسول أن يعوضهم عنها حتى رضوا، ورجعت هوازن بأبنائها ونسائها.
4
وقسم الرسول الغنائم على أصحابها، وزاد فأجزل العطية لجماعة من رؤساء العرب: قرشيين وغير قرشيين ليتألف قلوبهم، ولم يعط أحدا من الأنصار، فعجب الأنصار وتكلموا فيما بينهم، وجاء سعد بن عبادة، سيد الخزرج، فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت؛ قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء ... - فأين أنت من ذلك يا سعد؟ - يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي. - فاجمع لي قومك في الحظيرة.
اجتمع الأنصار في الحظيرة وهم عماد هذا الإسلام وجنده، اجتمعوا عاتبين على قائدهم العظيم، يرون أنه آثر عليهم جماعة من رؤساء العرب ليس لهم في الإسلام سابقة، ولا في نصرته بلاء، فليت شعري ماذا يقول هذا القائد الكريم، وكيف يرضي خلص جنوده العاتبين؟! استمع: يا معشر الأنصار، ما قالة بلغتني عنكم، وموجدة وجدتموها في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ - بلى، لله ولرسوله المن والفضل . - ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ - وبماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل. - أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ثم لصدقتم: «أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك. وجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفسي بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا؛ لسلكت شعب الأنصار. اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار.»
قال الأنصار والدموع تبل لحاهم، وقد غسلت كلمات رسول الله عتبهم، وأيقظت قلوبهم، وزادتهم حبا للرسول وطاعة، وأصابوا فيها ما يحقر كل ما أخذ الناس من مال وما يأخذون، قالوا والدموع تبل لحاهم: رضينا برسول الله قسما وحظا.
الهجرة مولد تاريخ
Bilinmeyen sayfa