يا رسول الله! أين نحن اليوم من شريعتك؟ وأين مقامنا من دعوتك؟ وأين سيرتنا من سنتك؟
علمت المسلم أن يكون خليفة الله في أرضه، يقوم بالعدل بين خلقه، ويقسم الرزق بين عباده، ويهيمن على قانون الله بين الناس أجمعين، يقودهم إلى الحق طوعا أو كرها، ويسيرهم للخير اختيارا أو اضطرارا.
فأين هو اليوم من هذه الخلافة؟ وأين عقله من هذه السياسة؟ وأين نفسه من هذا السمو؟ وأين قلبه من هذا الطموح؟ وأين عزمه من هذه الهمة؟ وأين يده من هذا السلطان؟
علمت المسلم أن يقوم بالقسط لله، ويجعل العدل بينه وبين الناس، لا يبغي ولا يحتمل البغي، ولا يظلم ولا يستكين للظلم، ولا يبخس الناس أشياءهم، ولا يبخس حق نفسه، ولا يأخذ ما ليس له، ولا يعطي ما ليس لغيره، وتلوت عليهم قول الله:
يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ،
يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين .
تلك الدعوة الشاملة، والكلمة الجامعة، تلك سعادة الفرد والجماعة، وثبات القانون والنظام، وقوام المعاملة العادلة والألفة العامة. تلك الدعوة إلى أن يسيطر الحق والعدل، وأن يكون الإنسان لله وللناس أجمعين، لا لنفسه ومنفعته وهواه، وأن يعدل الإنسان في الرضا والغضب، والمنشط والمكره، ومع القريب والبعيد، والعدو والصديق؛ لأنه ينفذ قانون الله، وليس عند الله قريب ولا بعيد، ولا صديق ولا عدو.
يا رسول الله، لو أن الأمم المتناحرة التي عمرت عقولها، وخربت قلوبها، وقويت أيديها وضعفت سرائرها، وأضاءت ظواهرها وطفئت بواطنها ، والتي حدت العدل بمنافعها، وسيرت الحق طوع رضاها وغضبها، وحبها وكرهها، ونفعها وضرها، لو أن هذه الأمم فقهت آيتك وعملت بها، فقام كل زعيم بقسط الله في أرض الله بين عباد الله يستوي في نصفته القريب والأجنبي، والقاصي والداني، ويسكن إلى صدقه ونصحه الناس كافة، لا يغش ولا يخدع، ولا يختل ولا يزور، ولا يعتدي ولا يظلم.
لو أن كل زعيم أخذ بالعدل كل فرد من أمته، وآخذ بالعدل نفسه، وجمع الأمة كلها على العدل؛ لعاشت الأمم مجاهدة في الحياة على شريعة من التناصف جامعة، وخطة من العدل مؤلفة، ولتعاونوا على البر بالإنسان وإسعاد الإنسان، لا على التدمير والتخريب، والقتل والأسر، والغصب والنهب، والاحتكام إلى المهالك، والالتجاء إلى القوة، وويل للمغلوب! ألا إن في العدل سعادة الفرد في نفسه، وسعادة الأمة في جماعتها، وسعادة الإنسانية في أممها.
يا رسول الله، علمت المسلم أن يكون حرا لا يخيفه جبروت، ولا يأسره مطمع، ولا تملكه الأهواء، ولا تعبده الشهوات، يسير في الأرض قانونا لا يقهر، وسنة لا تتغير، يستمتع بما يمتعه به الحق، ثم الفتن والشهوات من بعد أهون من أن تغريه، وأحقر من أن تفتنه.
Bilinmeyen sayfa