154

وما لي أكلف نفسي الوصف ولا أستمع لابن الأثير - وقد عاش على شاطئ هذا الطوفان وأحس لفح هذه النار - يصف هذه الوقائع: هذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق، وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم منذ أن خلق الله - سبحانه وتعالي - آدم إلى الآن، لم يبتل بمثلها لكان صادقا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها ... إلخ.

2

مات جنكيز خان سنة أربع وعشرين وستمائة، بعد أن قسم بين أولاده ما فتح من الأرض وما لم يفتح، وامتد الفتح في آسيا وأوروبا، وكانت غير شتى، حتى أرسل منكوقا آن، حفيد جنكيز، أخاه هلاكو سنة إحدى وخمسين ليفتح حصون الإسماعيلية، ثم يفتح بغداد، فأخضع أمراء إيران والقوقاز إلى عام ثلاثة وخمسين، واستولى على أكثر قلاع الإسماعيلية.

ثم جاءت الطامة الكبرى، فاستولى على بغداد، ومحا الخلافة العباسية في تاسع المحرم سنة ست وخمسين وستمائة.

لقد طوى آباؤه الممالك الإسلامية إلى العراق، ثم أصاب هو المسلمين في الصميم إذ أخذ بغداد التي لبثت مقر الخلافة، وقبلة المسلمين في العلم والحضارة أكثر من خمسة قرون.

ماذا يصد هلاكو عما يشاء؟ من ذا يقف للجيوش التي لبثت ثلاثين سنة تسير من ظفر إلى ظفر، ومن مملكة فتحها إلى مملكة قدر لها أن تفتحها؟ إن آسيا ما بين قراقروم

2

وبغداد في قبضة أبناء جنكيز، وإن أوروبا الشرقية إلى البحر الأدرياتي قد عنت لأمرهم. ليس على هلاكو إلا أن يسير الجيوش فتطوى الأرض، ويثير الحروب فتخر الممالك، ويوعد الملوك فيخذلها جندها، وينزل بالمدن فتسلمها أسوارها، عزمة واحدة تسخر له الشام، وأخرى تقهر له مصر، ثم عزمات تبلغ به بحر الظلمات.

3

سار التتار إلى الشام، فلم تستطع لهم حلب دفعا، وهؤلاء المعتصمون بقلعتها لن يجديهم الاعتصام، ولا مناص لهم من الاستسلام بعد شهرين، وسارع أهل حماة إلى حلب، فأعطوا هلاكو مفاتيح المدينة، ثم لم تلبث للقوم مدينة بين حلب وغزة.

Bilinmeyen sayfa