140

وإما زحزح ستار المشرق عن الشمس تنازع الأفق عن نفسها، وتحاول السير إلى أوجها؛ فهلم يا بنيتي العزيزة، اصحبيني إلى البرية أنسج لك حديثا من السعادة، وأقرأ لك كتابا من الغبطة، وأشدو لك بقصائد الخليقة البهيجة، تضمنت ألفاظها ومعانيها الفرح ظاهرا وخفيا، والنعيم مخيلا ومرئيا، ونطقت أوزانها وقوافيها بموسيقى الحياة تردد الآفاق أصداءها، ويدوي الفضاء بأنغامها.

فإذا رأيتني متهللا ضاحكا مازحا فكها، فاصحبيني يا بنية واغتبطي، واستزيدي واطربي، واسترسلي في حديثك وضحكك، ومرحك ولعبك، وسليني ما شئت عن الجمال والحب يتجليان في كل خلق، والنضرة والنعيم ينطق بهما كل شيء، وسليني عن محاسن الناس، صدقهم ووفائهم، وتعاونهم ومواساتهم، فستسمعين عن ملائكة تمشي على الأرض، وأبرار تسعد بهم الحياة.

وحذار يا بنيتي ثم حذار أن تذكريني التعس والشقاء، والنضب والعناء، والشر وفاعليه، والإثم ومقترفيه؛ فإني أشفق عليك أن تهب العاصفة، ويموج القلب، ويتجهم الوجه، فتريني نادبا راثيا، ساخطا زاريا، يرد عليك العالم نسجا أسود حاكته المصائب والآلام، وطرزته الأوجاع والأسقام. إني أخاف عليك أن يثور بي الغم، فلا أحدث إلا عن مأساة مكانها الأرض والسماء، وستورها الصباح والمساء، وسطورها الدموع والدماء، وأشخاصها كل من نسل آدم وحواء.

أخاف أن تريني شاعرا يجيد الأنين والشكوى، ولا يعرف الصبر والسلوى، يعرض عليك قصيدة محبوكة الطرفين بالغم، باكية الأوزان حزينة النغم، تنوح قوافيها، ويولول رويها، ليس في تفاعيلها إلا الأنات، ولا في مصاريعها إلا الزفرات، أشفق عليك يا بنيتي ألا أريك في وميض البرق إلا سواد السحاب، ولا في تلألؤ النجوم إلا رجمة الشهاب، وأن أنشد مع المعري:

إن دنياك من نهار وليل

وهي في ذاك حية عرماء

3

لا أرى في الورد إلا الشوك، ولا في النبات إلا الحنظل، ولا في الميلاد إلا الموت، ولا في الإدراك إلا الفوت.

كذلك يا بنيتي خلق أبوك قيثارة تسر وتشجي، وتضحك وتبكي، وكذلك صب في قلبه مرارة البحار، وعذوبة الأنهار، ليس بينهما برزخ. وهو الصخرة تقدح الشرر، وتنبثق عن الينبوع السلسبيل.

إما رأيتني يا بنية واجما مكتئبا، فلا تعنفي علي، فتنكئي جرح الفؤاد، ويفيض عليك بالحزن كل واد، ولكن اصبري للعاصفة حتى تمر، وللنار حتى تهمد، فإن أشفقت على أبيك أن يملكه الحزن، ويزلزله العذاب؛ فسارعي إلى بيانك

Bilinmeyen sayfa