أثر الشك والوسواس في وجود الله ﷿ على عقيدة المسلم
أثر الشك والوسواس في وجود الله ﷿ على عقيدة المسلم
Türler
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين؛ أما بعد
يعاني الكثير من المسلمين من كثرة الشكوك والوساوس في وجود الله ﷿، مع كثرة المشككين في وجود الله ﷿، وانتشارهم في وسائل الإعلام المختلفة؛ لا سيما في الشبكة العنكبوتية، ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يعني ضرورة بيان حكم الشك والوسواس في وجود الله ﷿، فإن ذلك يتعلق بالله ﷿، وشرف العلم بشرف المعلوم، ولا سيما هذا العلم المتعلق بأعظم أصول الإيمان، وهو الإيمان بالله ﷿. فإن البحث في مسألة وجود الله ﷿ هو أهم البحوث وأعلاها فإن الإيمان بوجوده ﷾ بالنسبة لبقية الأصول والفروع؛ كأصل الشجرة بالنسبة للسوق والفروع، فهو أصل الأصول، وقاعدة الدين، وكلما كان حظ المرء من الإيمان بالله عظيما كان حظه في الإسلام كبيرًا، وإن تشكيك المسلم في وجود الله ﷿ جعل كفر النّاس أعظم، حتى قال أحد المتخصصين في العقيدة " كان حريًّا بنا ألا نقف عند أدلة وجود الله كثيرًا، لأنّ الفطرة الإنسانية تشهد بذلك، ولا يكاد يعرف منكر لوجود الخالق في الماضي إلا النزر اليسير، وهم لا يمثلون في البشرية نسبة تذكر. إلا أن الانحراف اليوم وصل الدّرك الأسفل، فأصبحنا نرى أقوامًا يزعمون أن لا خالق، ويجعلون هذه المقولة مذهبًا يقيمون عليه حياتهم، وقد قامت دول على هذا المذهب تعدّ بمئات الملايين من البشر. وانتشرت هذه المقولة في كل مكان، وألفت فيها كتب، وأصبح لها فلسفة تدرس، وحاول أصحابها أن يسموها بالمنهج العلمي، ويدللوا عليها ". (^١)
ومع انتشار الوسوسة عند كثير من الناس كان هناك ضرورة كبيرة لبيان حكم الوسوسة في وجود الله ﷿، ومعرفة مدى تأثيرها على عقيدة المسلم، وماهي الأحكام التي تترتب على تلك الوسوسة، وكيف يتعامل المسلم معها.
_________
(^١) العقيدة في الله، عمر بن سليمان الأشقر، دار النفائس، ط ٢، ١٤١٩ هـ، الأردن، (٧٢).
1 / 4
التعريف بالمصطلحات العلمية:
١ - أولًا: تعريف الأثر لغة واصطلاحًا:
أ - الأثر لغة:
يطلق على عدة معني. قال ابن فارس (ت ٣٩٥ هـ): (أثر) له ثلاثة أصول: تقديم الشيء. ذكر الشيء، ورسم الشيء الباقي. (^١)
وقال ابن منظور (ت ٧١١ هـ): الأثر بالتحريك - ما بقي من رسم الشيء، والتأثر إبقاء الأثر في الشيء، وأثر في الشيء ترك فيه أثرا. (^٢)
ب - الأثر اصطلاحا: لا يخرج استعمال لفظ ال (أثر) عن المعاني اللغوية، ويستعمل للدلالة على ثلاث معاني: الأول بمعنى النتيجة، وهو الحاصل من الشيء، والثاني العلامة، والثالث بمعنى الجزء، أو ما يترتب على الشيء. (^٣) ولذلك فإن السلف ﵏ يرون أن الأثر يراد به العلم، أو خاصة العلم، أو علم يستخرج، أو نتيجة للشيء. قال ابن جرير ﵀ في تفسير قوله تعالى: ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأحقاف: ٤] أي: " البقية من علم لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب ". (^٤)
_________
(^١) معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، كتاب الهمزة -باب الهمزة والتاء وما يثلثهما، (١/ ٥٣).
(^٢) لسان العرب، مادة (أثر) (١/ ٥٢).
(^٣) كتاب التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، تحقيق إبراهيم، دار الكتاب العربي، الطبعة الرابعة، ١٤١٨ هـ، بيروت (٢٣)، مجلة البحوث الإسلامية، عدد ٦٦، لعام ١٤٢٣ هـ، (٦٦/ ٢٥٩).
(^٤) جامع البيان عن تأويل القرآن، محمد بن جرير الطبري، دار السلام، ط ١، ١٤٢٥ هـ (٩/ ٧٣٩٢ - ٧٣٩٣).
1 / 5
ثانيًا: تعريف الشك لغة واصطلاحًا
الشك لغة:
يطلق الشك ويراد به عدة أمور من أهمها:
١ - التداخل فيقال: شككته بالرمح أي طعنته به؛ فدخل سنانه في جسمه. (^١)
٢ - الشك بمعنى عدم اليقين؛ فقوله: شككت في الأمر أو تشككت فيه أي ذهب يقيني، لأن الشاك كأنه شُك له الأمران في مشك واحد؛ وهو لا يتيقن واحد منهما، ولذلك يقال: شككت بين ورقتين، أذا أنت غرزت العود فيهما فاجتمعا. (^٢)
٣ - التردد: أي التردد بين شيئين؛ دون ترجيح لأحدهما. (^٣) ومنه قوله تعالى: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [يونس: ٩٤].
_________
(^١) معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، (٣/ ١٧٣).
(^٢) معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، (٣/ ١٧٣).
(^٣) المصباح المنير، أحمد المغربي، طبعة دار الكتب العلمية، (د. ت)، (١٦٧).
1 / 6
الشك اصطلاحًا
تعريف الشك في الاصطلاح لا يبعد عن التعريف اللغوي، فيعرف الشك بأنه: "ما يناقض اليقين، ويتردد صاحبه بين شيئين " (^١)، وعلى هذا يدل أحد تفسيري قوله تعالى: ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [إبراهيم: ١٠].
قال الحافظ ابن كثير ﵀: " أفي وجوده شك، فإن الفطر شاهدة بوجوده، ومجبولة على الإقرار به، فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة، ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب، فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده; ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه (فاطر السماوات والأرض) الذي خلقها وابتدعها على غير مثال سبق، فإن شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليها، فلا بد لها من صانع، وهو الله لا إله إلا هو، خالق كل شيء وإلهه ومليكه ". (^٢)
فالشك في وجود الله ﷿ هو التردد في وجوده سبحانه؛ وعدم اليقين في وجوده ﷾. (^٣)
_________
(^١) تفسير القرآن العظيم، الحافظ ابن كثير، (٢/ ٦٩١ - ٦٩٢).
(^٢) تفسير القرآن العظيم، الحافظ ابن كثير، (قال ﵀: " والمعنى الثاني في قولهم: (أفي الله شك) أي: أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك، وهو الخالق لجميع الموجودات، ولا يستحق العبادة إلا هو، وحده لا شريك له; فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع، ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى ". (المرجع السابق، ٢/ ٦٩٢).
(^٣) تجريد التوحيد الفيد، العلامة أحمد بن علي المقريزي، (٧٦٦ - ٨٤٥ هـ)، طبع ونشر الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، ط ٢، ١٤٣٢ هـ، الرياض، ص: ٤٨
1 / 7
ثالثًا: تعريف الوسواس لغة واصطلاحًا
الوسواس لغة
الوسواس: " الشيطان، وهمس الصائد والكلاب، وصوت الحَلْي، والوسوسة؛ حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه:. (^١)
الوسواس اصطلاحًا الوسواس والوسوسة هي: ما يلقى في القلب، ويخفى على الخلق فلا يطلعون عليه، إما حديث النفس أو بفعل الشيطان، وهي مجرد خاطر لم يساكن القلب فضلًا عن أن يعقد القلب عليه، بل يكرهه. (^٢)
وقيل الوسوسة هي: "الخواطر التي ليست بمستقرة، ولا اجتلبتها شبهة طرأت، ولا أصل لها " (^٣)
الفرق بين الشك والوسواس
نظرًا لوجود خلط لدى كثير من المسلمين بين الشك والوسواس؛ فلا بد من بيان الفرق بينهما، فإن الفرق بينهما له أثر على حكم كل منهما كما سيتبين في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى، فإن السلف ﵏ يرون أن الشك يناقض اليقين؛ ولا يجتمع شك ويقين، وأما الوسواس فهو الخواطر والأفكار فقط إما بما توسوس به النفس أو بما يوسوس به الشيطان؛ مع بقاء اليقين في القلب بوجود الله ﷿، (^٤) بدليل قول الله ﷿: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل: ٩٩]. فهو ليس له تسلط على المؤمنين لاطمئنان قلوبهم بالإيمان.
_________
(^١) القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، ١٤٢٨ هـ، بيروت (٦٠٣) تحت (الوس).
(^٢) الفتاوى، شيخ الإسلام ابن تيمية، (٧/ ٢٨١)، الرد على المنطقيين، الطبعة القيمة، بومباي، ١٣٦٨ هـ، (٥٠٨).
(^٣) شرح النووي على مسلم، يحيي بن شرف أبو زكريا النووي، دار الخير، ١٤١٦ هـ، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، (٣/ ٣١٨).
(^٤) عقيدة السلف وأصحاب الحديث، اسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، تحقيق: الدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع، دار العاصمة، الطبعة الثانية، ١٤١٩ هـ، الرياض (٢٩٦).
1 / 8
وقد يأتي الشك بمعنى الوسواس، ويتضح ذلك من السياق؛ كما في قول النبي ﷺ: (نحن أحق بالشك من إبراهيم) (^١)، قال ابن عباس ﵄: " هذا لما يعرض في الصدور ويوسوس به الشيطان، فرضي الله من إبراهيم ﵇ بأن قال: بلى ". (^٢) " فالمراد بالشك هنا الخواطر التي لا تثبت، وأما الشك المصطلح وهو التوقف بين الأمرين من غير مزية لأحدهما عن الآخر؛ فهو منفي عن الخليل قطعًا لأنه يبعد وقوعه ممن رسخ الإيمان في قلبه، فكيف بمن بلغ مرتبة النبوة ". (^٣)
_________
(^١) البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله ﷿ ونبئهم عن ضيف إبراهيم، حديث رقم (٣٣٧٢)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب زيادة طمأنينة القلب، حديث رقم (١٥١).
(^٢) فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار السلام، الطبعة الأولى، ١٤٢١ هـ، الرياض (٦/ ٤٩٨).
(^٣) فتح الباري، ابن حجر (٦/ ٥٠٠)، العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، محمد بن إبراهيم بن الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط ٢، بيروت، (١/ ٢١٢).
1 / 9
رابعًا: تعريف العقيدة لغة واصطلاحًا
أ - العقيدة لغة: مأخوذة من العقد وعَقَدَ الحبلَ يَعقِده أي شدًّه (^١)، والعَقْد الرَبْط بشدّة ومنه الإحكام، والإبرام، والتماسك، والمُراصّة، والإثبات، والتَّوثّق، (^٢) وتطلق على مافي القلب فيقال اعتقد كذا بقلبه (^٣). قال الله ﵎: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ﴾ [المائدة: ٨٩]. "وهي: الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده، فالعقيدة في الدين ما يقصد به الاعتقاد دون العمل؛ كعقيدة وجود الله وبعث الرسل. والجمع: عقائد وخلاصة ما عقد الإنسان عليه قلبه جازمًا به؛ فهو عقيدة، سواء كان حقًا، أم باطلًا " (^٤).
ب - العقيدة اصطلاحًا:
العقيدة في الاصطلاح العام هي: "الأمور التي يجب أن يصدق بها القلب، وتطمئن إليها النفس؛ حتى تكون يقينًا ثابتًا لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك. أي: الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده، ويجب
أن يكون مطابقًا للواقع، لا يقبل شكًا ولا ظنا؛ فإن لم يصل العلم إلى درجة اليقين الجازم لا يسمى عقيدة ". (^٥)
العقيدة الإسلامية: هي " الإيمان الجازم بالله وما يجب له في ألوهيته وربوبيته، وأسمائه وصفاته، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبكل ما جاءت به النصوص الصحيحة من أصول الدين، وأمور الغيب وأخباره، وما أجمع عليه السلف، والتسليم لله تعالى في الحكم والأمر، والقدر والشرع، ولرسوله ﷺ بالطاعة والتحكيم والاتباع ". (^٦)
والعقيدة من حيث كونها علمًا بمفهوم أهل السنة والجماعة فإنها تشمل الموضوعات التالية: التوحيد - توحيد الألوهية؛ وتوحيد الربوبية؛ وتوحيد الأسماء والصفات -، والإيمان، والإسلام، والغيبيات، والنبوات، والقدر، والأخبار، وأصول الأحكام القطعية، وسائر أصول الدين والاعتقاد، ويتبعه الرد على أهل الأهواء والبدع وسائر الملل والنحل الضالة، والموقف منهم (^٧)
_________
(^١) - القاموس المحيط، الفيروز أبادي، تحت: (عقد)، (٣٢٤).
(^٢) - لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين ابن منظور، دار صادر، بيروت، ج ٣، ص: ٢٩٥ - ٣٠٠، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بمصر، دار احياء التراث الإسلامي، ج ٢، ص: ٦٢٠ - ٦٢١
(^٣) - مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، ط ١١، ١٤٢٦ هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ص: ٣٩٠
(^٤) الوجيز في عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة، عبد الله بن عبد الحميد الأثري، الطبعة الثالثة، ١٤٢٥ هـ، دار الراية، الرياض، ص: ٢٩
(^٥) الوجيز في عقيدة السلف الصالح، الأثري، ص: ٣٠
(^٦) مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، العقل ناصر بن عبدالكريم، ص: ٩
(^٧) المرجع السابق، (٦).
1 / 10
المبحث الأول: حقيقة وجود الله ﷿
حقيقة وجود الله ﷿ هي حقيقة ثابتة عند السلف الصالح رحمهم الله تعالى، فالأصل عندهم اليقين بوجود الله ﷿ بخلاف الفرق المنحرفة من أهل الكلام؛ ومن وافقهم قديما؛ وفي عصرنا الحاضر، فإن الأصل عندهم الشك وليس اليقين، خلافًا للسلف الصالح أهل السنة والجماعة " وقد وجد الانحراف في تقرير وجود الله تعالى عند الجهمية والمبتدعة، نتيجة عن التأثر بالزنادقة والهنود السمنية، اتسع انحراف المتكلمين من المعتزلة (^١) وغيرهم، فاشترطوا النظر والاستدلال، والشك لحصول العلم بالصانع بزعمهم، وقد فند شيخ الإسلام
_________
(^١) المعتزلة هي فرقة ضالة خالفوا قول الأمة في مرتكب الكبيرة بزعامة واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد في زمن الحسن البصري، ويعتقد المعتزلة بأصول خمسة يخالفون فيها أهل السنة والجماعة، وهي: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يرون من خلالها الخروج على الحاكم وقتاله. (فرق معاصرة تنتسب للإسلام وبيان موقف الإسلام منها، دكتور غالب بن علي عواجي، المكتبة العصرية الذهبية، ط ٥، ١٤٢٦ هـ، جدة، ٣/ ١١٦٣ -، ١١٩٨، آراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويمًا، الدكتور علي بن سعد بن صالح الضويحي، مكتبة الرشد، ط ٢، ١٤١٧ هـ، الرياض، ص: ٤٥ وما بعدها).
1 / 11
هذا الزعم الباطل، فقال: ليس هذا قول أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا قاله أحد من الأنبياء والمرسلين، ولا هو قول المتكلمين، ولا غالبهم، بل هذا قول محدث في الإسلام، ابتدعه متكلمو المعتزلة، ونحوهم من المتكلمين الذين اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمهم، وقد نازعهم في ذلك طوائف من المتكلمين من المرجئة، والشيعة، وغيرهم، وقالوا: بل الإقرار بالصانع فطري ضروري بديهي، لا يجب أن يتوقف على النظر والاستدلال؛ بل قد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن معرفة الله، والإقرار به لا يقف على هذه الطرق التي يذكرها أهل النظر" (^١)، فالمعتزلة ومن وافقهم يرون أن أول واجب على المكلف هو النظر المؤدي للمعرفة ولذلك قالوا بوجوب الشك بينما أول واجب عند السلف هو التوحيد لأن الله تعالى أمر به، فالمعرفة تؤدي إلى التوحيد، وقد فطر الله تعالى الناس على معرفته، ونص على ذلك رسول الله ﷺ في وصيته لمعاذ عندما بعثه إلى اليمن، فقال: (وليكن أول ما تدعوهم له أن يوحدوا الله) وفي رواية: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ﷺ (^٢). (^٣)
_________
(^١) نقض تأسيس الجهمية، شيخ الإسلام ابن تيمية، (٥/ ٤٧٣)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية، تحقيق: عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة الأولى، ١٣٩٨ هـ (٦/ ٣٥٠)، العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها والدفاع عنها حتى نهاية العصر الأموي، عطا الله بخيت حماد المعايطة، دار الآفاق الفكرية، الطبعة الأولى، ١٤٢٢ هـ، مصر (١٣).
(^٢) البخاري، كِتَاب التَّوْحِيدِ، بَاب مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ، حديث رقم (٦٨٤٨) ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، حديث رقم (١٦).
(^٣) يرى الماتريدية أن معرفة الله لا تتم بالمعرفة الضرورية الفطرية بل لا تكون إلا بالاكتساب العقلي فلذا كان من الأصول التي تنبني عليها عقيدتهم (وجوب معرفة الله بالعقل) ورتبوا على ذلك إيجاب النظر والاستدلال وجعلوه أول واجب على العبد. واختلفت الأشاعرة عباراتهم في أول واجب على المكلف بعد أن اتفقوا على أن الأمر بعبادته ليس أول واجب. فحكى الأشاعرة عن الأشعري القول بأن أول واجب على المكلف هو المعرفة. والمعرفة عندهم معناها معرفة وجود الله وتفرده بخلق العالم. وعند الباقلاني أول واجب: النظر فقال: أول ما فرض الله ﷿ على جميع العباد النظر في آياته. والثاني من فرائض الله ﷿ على جميع العباد الإيمان به والإقرار بكتبه ورسله، والمراد بالنظر عندهم: ترتيب أمرين معلومين ليتوصل بترتيبهما على علم مجهول. (مجموع الفتاوى، (٢/ ٣٧٠٣٨)، درء تعارض العقل والنقل، (٨/ ٨).
1 / 12
ولذلك يعبر عنه السلف بالمعرفة أي معرفة الله ﷿ ولهذا يقول السفاريني (^١) في الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية:
أول واجب على العبيد معرفة الإله بالتسديد (^٢)
قال الشيخ محمد العثيمين ﵀ معلقًا على ذلك: " فالصحيح ما قاله المؤلف ﵀ أن أول واجب معرفة الله، أما النظر فلا نقول إنه واجب، ولكن لو فرض أن الإنسان احتاج للنظر فحينئذ يجب عليه النظر ". (^٣)
ولقد دلت الأدلة الكثيرة جدًا على ما ذهب إليه السلف وأن الله تعالى موجود، سواء كان الدليل من الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، أو كان الدليل من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه ﵊، أو كان الدليل دليلًا عقليًا، أو كان دليلًا حسيًا، والأصل في ذلك عند السلف رحمهم الله تعالى هو الدليل من كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، ثم تأتي بقية الأدلة للاستئناس بها، ويمكن إيضاح ذلك فيما يلي:
_________
(^١) هو الإمام الحبر الهمام العلامة محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني، النابلسي الحنبلي، صاحب التصانيف المشهورة، ولد بقرية سفّارين من قرى نابلس سنة ١١١٤ هـ، وتلا القرآن العظيم ثم رحل إلى دمشق لطلب العلم فأخذ العلم عن العديد من المشايخ، وله العديد من المؤلفات ومنها: شرح ثلاثيات مسند أحمد، وشرح نونية الصرصيري، وتحبير الوفاء في سيرة المصطفى، وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، وغيرها، توفي ﵀ عام ١١٨٨ هـ وهو على معتقد أهل السنة والجماعة لكن عليه بعض المآخذ لتأثره ببعض عبارات أهل الكلام مثل قوله: (القرآن كلام الله القديم) وقوله: وسائر صفاته الفعلية من الاستواء والنزول والإتيان والمجيء والتكوين ونحوها قديمة لله تعالى ليس شيء منها محدث) ومثل حديثه حول تفويض الكلام وهذا لا يقدح في علمه رحمه الله تعالى فهو على عقيدة السلف الصالح. (عبد الرحمن بن قاسم، مقدمة حاشية الدرة المضية للسفاريني، ٥ - ٦، لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السُنّيّة شرح قصيدة أبي داود الحائية في عقيدة أهل الآثار السلفية، محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، تحقيق: الدكتور عبد الله بن محمد بن سليمان البصيري، مكتبة الرشد، ط ١، ١٤٢١ هـ، الرياض، ١/ ٥٠ - ٥٣).
(^٢) شرح العقيدة السفارينية ٠ الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية)، محمد بن صالح العثيمين، مدار الوطن، ط ٢، ١٤٣٤ هـ، الرياض، ص: ١٤٧.
(^٣) المرجع السابق، ص: ١٤٩
1 / 13
أولًا: دليل الفطرة
أهل الفطر كلهم متفقون على الإقرار بالله ﷿. (^١) "فإن الإقرار بالخالق سبحانه، وكماله، أمر فطري ضروري في حق من سلمت فطرته " (^٢)، "فالفطرة السليمة تشهد بوجود الله من غير دليل:، ولم يُطل القرآن في الاستدلال على وجود الله تعالى، لأنّ القرآن يقرّر أنّ الفطر السليمة، والنفوس التي لم تتقذر بأقذار الشرك، مفطورة على الاقرار بوجوده سبحانه وتعالي، بل إنّ توحيده - سبحانه - أمر فطري بدهي؛ قال الله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٣٠]. وقد نصّ الرسول ﷺ على فطرة الإقرار بالخالق، ففي الصحيحين عن أبي هريرة ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء؛ هل تحسون فيها من جدعاء) ثم يقول أبو هريرة ﵁: اقرؤوا إن شئتم (فطرة الله التي فطر الناس عليها) (^٣). ولم يقل ﷺ في الحديث ويُسلمانِه، لأنّ الإسلام مُوافقٌ للفطرة ". (^٤)
ولذلك لم يكثر السلف ﵏ الخوض في إثبات وجود الله تعالى، وحشد الأدلة لتقريره، لأنه من القضايا المسلمة المستقرة في الفطرة البشرية ". (^٥)
_________
(^١) مجموع الفتاوى، شيخ الإسلام ابن تيمية (٦/ ٣٨٦).
(^٢) المرجع السابق، (٦/ ٧٣).
(^٣) رواه البخاري برقم كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، برقم (١٣٨٥)، ورواه مسلم في كتاب القدر، باب كل مولود يولد على الفطرة، برقم (٢٦٥٨).
(^٤) العقيدة في الله، عمر سليمان الأشقر، دار النفائس، ١٤١٩ هـ، الأردن، (٦٩ - ٧٠).
(^٥) المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع، خالد بن مسعود الجعيد وآخرون ' دار الهدي النبوي؛ دار الفضيلة، مصر - السعودية، الطبعة الأولى، ١٤٢٨ هـ، (٢٣٩).
1 / 14
ثانيًا: دلالة الشرع
عند النظر في الأدلة الشرعية من الوحي المعصوم نجد أنها تدل على وجود الله ﷿ من خلال إثبات صفاته ﷿ التي تدل على حياته وقيوميّته وعلوه وعلمه وسائر صفاته الدالة على وجوده ﷿، سواء كان ذلك في كتاب الله تعالى أو في سنة نبيه ﷺ، ففي كتاب الله تعالى يقول جل وعلا: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ .. الآية﴾ [البقرة: ٢٥٥]. قال الحافظ ابن كثير ﵀: " ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ أي الحي في نفسه الذي لا يموت أبدًا القيم لغيره ". (^١)
ويقول النبي الكريم ﵊ مبينًا أن الله ﷿ موجود، وأنه الخالق لجميع المخلوقات، بما فيها السماوات والأرض: (كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء). (^٢) وفي رواية: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض). (^٣)
ولذلك فالسلف ﵏ يرون أن الإيمان بالله تعالى لا يكون إلا بالإيمان بوجوده، وربوبيته، وأسمائه وصفاته ﷾، وأن العبد لا يكون مؤمنًا حتى يؤمن بأركان الإيمان الستة؛ وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والإيمان باليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره" (^٤)، "وأن الإيمان بالله تعالى هو التصديق بما قال به وأمر به وافترضه ونهى عنه؛ من كل ماجاءت به الرسل ونزلت فيه الكتب " (^٥).
_________
(^١) تفسير القرآن العظيم، الحافظ اسماعيل بن كثير الالقرشي الدمشقي، دار الفيحاء - دمشق- دار السلام - الرياض، ط ١، ١٤١٤ هـ، (١/ ٤١٣)
(^٢) أخرجه البخاري ﵀ في كتاب التوحيد (ص ٤٠٣ ج ١٣).
(^٣) خرجه البخاري ﵀ في كتاب بدء الخلق (ص ٢٨٦ ج ٦).
(^٤) كتاب الإيمان، ابن مندة، (١/ ١٢٤ - ١٢٨).
(^٥) كتاب الاعتقاد، محمد بن القاضي أبي يعلى الفراء الحنبلي، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس، مكتبة المعارف، ط ٥، ١٤٢٦ هـ، الرياض، ص: ٢٤
1 / 15
ثالثًا: دلالة العقل على وجود الله ﷿
دل العقل السليم عَلَى وُجُودِ اللهِ تَعَالَى، ووافق نصوص الشرع في ذلك ويتضح ذلك جليًا فيما يلي:
١ - دليل الخلق والإيجاد: إن هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ سَابِقُهَا وَلَاحِقُهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ خَالِقٍ أَوْجَدَهَا؛ إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجِدَ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ صُدْفَةً. فَهِيَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجِدَ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَخْلُقُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ وُجُودِهِ كَانَ عَدَمًا؛ فَكَيْفَ يَكُونُ خَالِقًا؟! وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ صُدْفَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ حَادِثٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ، وَلِأَنَّ وُجُودَهَا عَلَى هَذَا النِّظَامِ الْبَدِيعِ المُحْكَمِ، وَالتَّنَاسُقِ الْمُتَآلِفِ، وَالِارْتِبَاطِ الْمُلْتَحِمِ بَيْنَ الْأَسْبَابِ وَمُسَبَّبَاتِهَا، وَبَيْنَ الْكَائِنَاتِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ يَمْنَعُ مَنْعًا بَاتًّا أَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا صُدْفَةً. وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تُوجِدَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتُ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا، وَلَا أَنْ تُوجَدَ صُدْفَةً، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لَهَا مُوجِدٌ؛ وَهُوَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى هَذَا الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ وَالْبُرْهَانَ الْقَطْعِيَّ فِي سُورَةِ الطُّورِ؛ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور: ٣٥]؛ يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمْ يُخْلَقُوا مِنْ غَيْرِ خَالِقٍ، وَلَا هُمُ الَّذِينَ خَلَقُوا أَنْفُسَهُمْ؛ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ خَالِقُهُمْ هُوَ اللهُ ﵎؛ وَلِهَذَا لَمَّا سَمِعَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ ﵁ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقْرَأُ سُورَةَ الطُّورِ فَبَلَغَ هَذِهِ
1 / 16
الْآيَاتِ: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ [الطور: ٣٥ - ٣٧]، وَكَانَ جُبَيْرٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكًا، قَال: (كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ، وَذَلِكَ أَوْلَ مَا وَقَرَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِي) (^١). (^٢) فالله ﷿ خلق المخلوقات، ومن أهمها الإنسان، الذي أوجده الله تعالى من العدم، يقول الله جل وعلا مبينا ذلك: ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: ٦٧] " والاستدلال على الخالق بخلق الانسان في غاية الحسن والاستقامة، وهو طريقة عقلية صحيحة، وهي شرعية؛ دل القرآن عليها وهدى الناس إليها، وبينها وأرشد إليها " (^٣).
ولذلك دل القرآن الكريم على خلق الخلق وأن الله تعالى هو خالقهم في آيات كَثِيرَة؛ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [يونس: ٣].
ويقول ﷾ مبينًا أنه الخالق وما سواه مخلوق، ومادام أنه خالق سبحانه لكل شيء فإنه موجود جل وعلا: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الزمر: ٦٣].
_________
(^١) أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب تفسير سورة (والطور) حديث رقم (٤٣٧٥).
(^٢) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، (٥/ ١٠٧)
(^٣) النبوات، شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق الدكتور عبد العزيز الطويان، أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، ١٤٢٠ هـ، (١/ ٢٩٢).
1 / 17
٢ - دليل العناية والاتقان: عناية الله تعالى بعباده بإرسال الرسل دليل على وجوده سبحانه، فإن ما جاءت به الرسل من شرائع الله تعالى المتضمنة لجميع ما يصلح الخلق يدل على أن الذي أرسلهم بها رب رحيم حكيم، ولا سيما هذا القرآن المجيد الذي أعجز البشر والجن أن يأتوا بمثله. (^١) يقول الله ﷾ مبينًا إرساله الرسل إلى عباده: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) [فاطر: ٢٤]. قال ابن كثير ﵀: وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله إليهم النذر، وأزاح عنهم العلل ". (^٢)
ولا شك أن النظر والتدبر في السموات والأرض وما بينهما من المخلوقات، وما فيها من فعل معجز وتدبير محكم وعناية واتقان؛ يدل بوضوح على وجود الرب الخالق الحكيم؛ الذي أتقن كل شيء خلقه، يقول الله جل وعلا مبينًا هذا الاتقان: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠].
وقد وردت آيات كثيرة تشير إلى هذا المعنى؛ ومنها قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [النبأ: ٦ - ٨]، وقوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ [الفرقان: ٦١] وقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ([الغاشية: ١٧ - ١٩]. " وهذه الآيات تدل على الحث على التفكر في مخلوقات الله تعالى الدالة على توحيده سبحانه، فإذا تم توحيده، لزم الإقرار بوجوده سبحانه. (^٣)
_________
(^١) شرح العقيدة الواسطية، محمد العثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة السادسة، ١٤٢١ هـ، الدمام (٣٢ - ٣٣).
(^٢) تفسير القرآن العظيم، اسماعيل بن كثير الدمشقي، دار الفيحاء- دمشق، دار السلام- الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٤ هـ، (٣/ ٧٢٩).
(^٣) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الطبعة الأولى، ١٤٢١ هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، (٩٠٦، ٩٢٢).
1 / 18
رابعًا: دلالة الحس على وجود الله ﷿
دل الحس على وجود الله، فإن الإنسان يدعو الله ﷿، يقول: يا رب! ويدعو بالشيء، ثم يستجاب له فيه، وهذه دلالة حسية، هو نفسه لم يدع إلا الله، واستجاب الله له، رأى ذلك رأي العين. وكذلك نحن نسمع عمن سبق وعمن في عصرنا، أن الله استجاب لهم. فالأعرابي الذي دخل والرسول ﷺ يخطب الناس يوم الجمعة قال: هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا قال أنس: والله، ما في السماء من سحاب ولا قزعة (أي: قطعة سحاب) وما بيننا وبين سلع (جبل في المدينة تأتي من جهته السحب) من بيت ولا دار. وبعد دعاء الرسول ﷺ فورًا خرجت سحابة مثل الترس، وارتفعت في السماء وانتشرت ورعدت، وبرقت، ونزل المطر، فما نزل الرسول ﷺ إلا والمطر يتحادر من لحيته ﵊. (^١) وهذا أمر واقع يدل على وجود الخالق دلالة حسية. وفي القرآن الكثير من الأدلة على ذلك منها قوله تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَه .. ا﴾ لآية [الأنبياء: ٨٣ - ٨٤]. (^٢)
ومن الادلة الحسية كذلك على وجود الله ﷿ هو مشاهدة معجزات الأنبياء، فإنها تدل على أن مرسلهم موجود ﷾، وفي القرآن الكريم ما يؤيد دلالة المعجزة على إثبات وجود الخالق ﷾، وذلك في المحاورة التي وقعت بين موسى ﵇ وفرعون الجاحد لرب العالمين حيث قال الله تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ*قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ*قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ*قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ*قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ*قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ*قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ*قَالَ فَأْتِ بِهِ
_________
(^١) رواه البخاري برقم (٩٣٣)، ومسلم برقم (٨٩٧)
(^٢) شرح العقيدة الواسطية، محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة الثانية، ١٤١٥ هـ الدمام، (١/ ٥٦).
1 / 19
إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ*فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ*وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِين ([الشعراء: ٢٣ - ٣٣].
فهذه الآيات تبين أن فرعون أنكر الرب تعالى، وأن موسى ﵇ أقام عليه الحجة التي تعتبر دليلًا على صدق كونه رسولًا من رب العالمين، والآيات هي اليد والعصى، كما أن هناك آيات أخرى وهي، نقض الثمرات، والسنين والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وهي تسع آيات بينات (^١). وأما معجزات عيسى ﵇ فكانت متعددة يبينها قول الله تعالى: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ﴾ [ال عمران: ٤٩] (^٢). وأما معجزات النبي الكريم محمد ﷺ فكثيرة؛ ولكن أعظمها معجزة القرآن الكريم. وذلك لأنها معجزة باقية على مر الزمن، ناطقة بنبوته ﵊ في كل زمان ومكان، بينما سائر المعجزات الأخرى التي أيد الله تعالى بها سائر أنبيائه قد انتهت وذهبت وأصبحت تاريخًا يُذكر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: " وأما الذين سلكوا طريق الحكمة، فلهم أيضًا مسالك؛ مثل أن يقال: إن الله ﷾ إذا بعث رسولًا أمر الناس بتصديقه وطاعته، فلا بد أن ينصب لهم دليلًا يدل على صدقه، فإن إرسال رسولًا بدون علامة وآية تعرف المرسل إليهم أنه رسول: قبحٌ، وسفه في صرائح العقول، وهو نقص في جميع الفطر ". (^٣)
_________
(^١) الرسل والرسالات، عمر بن سليمان الأشقر، مكتبة الفلاح، الطبعة الأولى، الكويت، ١٤٠١ هـ (١٢٨).
(^٢) الرسل والرسالات، الأشقر، (١٣٠).
(^٣) النبوات، ابن تيمية، (٢/ ٨٨٩).
1 / 20
المبحث الثاني: أثر الشك في وجود الله ﷿ على عقيدة المسلم
الإيمان بالله تعالى هو أحد أركان الإيمان، ويدخل في الإيمان بالله تعالى الإيمان بوجوده ﷾؛ وهو أمر من أمور الغيب الواجب الإيمان بها، ومن أنكر شيئًا من أمور الغيب فهو خارج من الإسلام، فإن من اركان الإيمان: الإيمان بالله تعالى بمعرفته والتيقن بوجوده والإيمان بربويته وأسمائه وصفاته (^١)، ويرى السلف ﵏ أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، ويقولون: هو قول وعمل ومعرفة، أي: اعتقاد ونية (^٢).
والشك في وجود الله تعالى مخالف للفطر السليمة كما تقدم؛ لكن نظرًا لانتشاره في السنوات الأخيرة بشكل مخيف في البلاد الإسلامية (^٣)، كان لزامًا بيان أثره على عقيدة المسلم، فإن الشك في وجود الله ﷿ هو في الحقيقة شك في ربوبيته ﷾، فمن شك أنه لا يوجد رب خالق مالك متصرف في هذا الكون فقد وقع في الكفر، ومن أنكر ربوبية الله ﷿ فإنه سينكر ألوهيته من باب أولى؛ إذ لا يمكن أن يتعبد الإنسان معدومًا؛ ونظرًا لأن الشك في ربوبية الله تعالى يؤدي إلى الكفر؛ لتعلقه بالاعتقاد الذي يجب على المسلم اعتقاده (^٤)؛ فسأبين في هذا المبحث؛ حكم الشك في وجود الله تعالى، وما يترتب على الشك في وجوده ﷾؛ فيما يلي:
_________
(^١) اعتقاد أهل السنة والجماعة، الإمام عدي من مسافر (٤٦٧ - ٥٥٨ هـ)، تحقيق: أحمد فريد المزيد، مطبوع مع كتاب أصول السنة للإمام أحمد، دار الكتب العلمية، ١٤٢٧ هـ، بيروت، ص: (٢٨٣).
(^٢) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، هبة الله بن الحسن اللالكائي، دار ابن حزم، ط ١، ١٤٢٦ هـ، بيروت، (٢/ ٩٥)، (٤/ ٤٠٣ - ٤١٥)، كتاب اعتقاد أهل السنة، الاسماعيلي، ص: (٤٣)، كتاب الإيمان، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق: ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط ٢، ١٤٠٣ هـ، بيروت، ص: (٥٠)،.
(^٣) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، مانع بن حماد الجهني، الطبعة الخامسة، ١٤٢٤ هـ، دار الندوة العالمية، الرياض (٢/ ٨٠٣ - ٨٠٤).
(^٤) الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة، الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسن البيهقي، دار الكتب العلمية، ط ٢، ١٤٠٦ هـ، لبنان، ص: (٩٥)، كتاب الإيمان، الحافظ محمد بن إسحاق بن يحي بن مندة، تحقيق: أ. د. علي بن محمد الفقيهي، دار الفضيلة، ط ٤، ١٤٢١ هـ، الرياض، (١/ ١٢٣)، كتاب اعتقاد أهل السنة، الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الاسماعيلي (٢٧٧ - ٣٧١)، ط ١، دار المنهاج، ١٤٣٠ هـ، الرياض، ص: (٣٥).
1 / 21
أولًا: حكم الشك في وجود الله تعالى
لكي يتضح حكم الشك في وجود الله تعالى؛ فلا بد من بيان اعتقاد السلف في حكم من شك في وجود الله تعالى، وإيضاح الرد على من احتج بشك الأنبياء، وأن الشك في وجود الله تعالى يؤدي إلى الكفر فيما يلي:
١ - اعتقاد السلف في حكم من شك في وجود الله تعالى
يعتقد السلف ﵏ أن الله تعالى موجود؛ وأنه رب العباد وخالقهم ومُوجدهم من العدم، وأنه خالق كل شيء (^١)، وأن الله تعالى ممستوي على عرشه بائن من خلقه أحاط بكل شيء علمًا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (^٢). ولهذا يقول السلف ﵏: " إثبات الله ﷿ إثبات وجود لا إثبات كيفية " (^٣).
ويعتقد السلف بأن الإيمان بالله تعالى هو أحد أركان الإيمان الستة لقول النبي ﷺ في حديث جبريل المشهور: (الإِيمَان أَنْ تُؤْمِنَ بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) (^٤).
وبناء على ذلك فإن أول أركان من ركن الإيمان هو الإيمان بالله ﷿، ويتضمن الإيمان بالله ﷿ الإيمان بما يلي (^٥):
_________
(^١) الاعتقاد على مذهب السلف، البيهقي، ص: (٨ - ١٠)، بيان المعاني في شرح مقدمة أبي زيد القيرواني، صالح بن فوزان الفوزان، دار ابن الجوزي، ط ١، ١٤٣٥ هـ، الدمام، ص: (٥٠).
(^٢) أصول السنة واعتقاد الدين، الإمام عبد الرحمن بن حاتم الرازي، (ت ٣٢٧ هـ)، تحقيق: أحمد فريد، طبع مع كتاب أصول السنة للإمام أحمد، دار الكتب العلمية، ١٤٢٧ هـ، بيروت، ص: (١٣٣).
(^٣) جواب أبي بكر الخطيب البغدادي عن سؤال بعض أهل دمشق في الصفات، طبع بذيل كتاب اعتقاد أهل السنة للاسماعيلي، تقريظ: حماد الأنصاري، ط ٢، دار المنهاج، ١٤٣٠ هـ، الرياض، ص: (٧٢).
(^٤) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان رقم (٨).
(^٥) شرح أصول الإيمان، محمد بن صالح العثيمين، دار الوطن، الطبعة الأولى، ١٤١٠ هـ، الرياض، ص: ١٥ - ٢٣
1 / 22
أ - الإيمان بوجوده، أي: أنه موجود ﷾.
ب - الإيمان بربوبيته، أي: أنه سبحانه هو الرب لا شريك له ولا معين.
ت - الإيمان بألوهيته، أي: أنه الإله الحق لا شريك له.
ث - الإيمان بأسمائه وصفاته، أي: إثبات ما أثبتع الله تعالى في كتابه، أو أثبته رسوله ﷺ في سنته من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.
وأما الشك في وجود الله تعالى فيرى السلف أنه كفر بالله ﷾، وهو ما يسمونه كفر الشك، (^١) وهو التردد، وعدم الجزم بصدق الرسل، ويقال له كفر الظن، وهو ضد الجزم
_________
(^١) قسم العلماء الكفر إلى عدة أقسام تندرج تحتها كثير من صور الشرك وأنواعه وهي:
١) كفر الجحود والتكذيب: وهذا الكفر تارة يكون تكذيبًا بالقلب ــ وتارة يكون تكذيبا باللسان أو الجوارح وذلك بكتمان الحق وعدم الانقياد له ظاهرا مع العلم به ومعرفته باطنًا، ككفر اليهود بمحمد ﷺ فقد قال الله تعالى عنهم: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) [البقرة: ٨٩] وقال سبحانه أيضا: (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) (البقرة: ١٤٦) وذلك أن التكذيب لا يتحقق إلا ممن علمَ الحقَّ فرده ولهذا نفى الله أن يكون تكذيب الكفار للرسول ﷺ على الحقيقة والباطن وإنما باللسان فقط؛ فقال تعالى: (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) الأنعام/ ٣٣ وقال عن فرعون وقومه: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) [النمل/ ١٤]، ويلحق بهذا الكفر كفر الاستحلال فمن استحل ما عَلِم من الشرع حرمته فقد كذَّب الرسول ﷺ فيما جاء به، وكذلك من حَرَّم ما عَلِم من الشرع حِله.
[(أعلام السنة المنشورة ١٧٧) و(نواقض الإيمان القولية والعملية، عبد العزيز آل عبد اللطيف (٣٦ – ٤٦)، ضوابط التكفير، عبد الله القرني (١٨٣ – ١٩٦)]
٢) كفر الإعراض والاستكبار: ككفر إبليس إذ يقول الله تعالى فيه: (إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [البقرة/ ٣٤]. وكما قال تعالى: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) النور/ ٤٧ فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل، وإن كان أتى بالقول. فتبين أن كفر الإعراض هو: ترك الحق لا يتعلمه ولا يعمل به سواء كان قولا أو عملا أو اعتقادا. يقول تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) [الأحقاف/ ٣] فمن أعرض عما جاء به الرسول ﷺ بالقول كمن قال لا أتبعه، أو بالفعل كمن أعرض وهرب من سماع الحق الذي جاء به أو وضع أصبعيه في أذنيه حتى لا يسمع، أو سمعه لكنه أعرض بقلبه عن الإيمان به، وبجوارحه عن العمل فقد كفرَ كُفْر إعراض.
٣) كفر النفاق: وهو ما كان بعدم تصديق القلب وعمله، مع الانقياد ظاهرا رئاء الناس ككفر ابن سلول وسائر المنافقين الذين قال الله تعالى عنهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ. يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ .. الخ الآيات) البقرة/ ٨–٢٠
٤) كفر الشك والريبة: وهو التردد في اتباع الحق أو التردد في كونه حقًا، لأن المطلوب هو اليقين بأن ما جاء به الرسول حق لا مرية فيه، فمن جوَّز أن يكون ما جاء به ليس حقا ًفقد كفر؛ كفر الشك أو الظن كما قال تعالى: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا. قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا. لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا) [الكهف: ٣٥ - ٣٨].
1 / 23