Atheer Ibn Badis
آثار ابن باديس
Araştırmacı
عمار طالبي
Yayıncı
دار ومكتبة الشركة الجزائرية
Baskı Numarası
الأولى عام ١٣٨٨ هـ
Yayın Yılı
١٩٦٨ ميلادية
Türler
ـ[آثاَرُ ابْنُ بَادِيسَ]ـ
المؤلف: عبد الحميد محمد بن باديس الصنهاجي (المتوفى: ١٣٥٩هـ)
المحقق: عمار طالبي
الناشر: دار ومكتبة الشركة الجزائرية
الطبعة: الأولى (عام ١٣٨٨ هـ - ١٩٦٨ ميلادية)
عدد الأجزاء: ٤ أجزاء
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
_________
(الإصدار الأول للشاملة ١٤٣١هـ) - أعدّه للمكتبة الشاملة العبد الضعيف الراجي عفو ربه أبو ياسر الجزائري، فلا تنسونا من دعائكم.
Bilinmeyen sayfa
الطبعة الأولى
عام ١٣٨٨ هـ - ١٩٦٨ ميلادية
ــ
يشتمل المجلد الأول من هذه الطبعة على مدخل للحياة العقلية والثقافية للمغرب الإسلامي، وعلى حياة ابن باديس وآثاره المتعلقة بالتفسير، وشرح الحديث، ويشتمل المجلد الثاني على المقالات الإجتماعية والتربوية والأخلاقية والدينية والسياسية التي دبجها يراع الشيخ الإمام الأستاذ عبد الحميد ابن باديس.
وقد كلفت دار اليقظة العربية لجنة من كبار علماء دمشق للقيام بتصحيح آثار ابن باديس أثناء طبعها، وذلك حرصا منها على أن يصدر هذا الكتاب الذي له أهمية بالغة في النهضة الإسلامية العربية الحديثة في المغرب الإسلامي سليما من الأخطاء، خاليا من التحريف.
1 / 2
كتاب آثار ابن باديس
المجلد الأول
تفسير وشرح أحاديث
اعداد وتصنيف
الأستاذ عمّار طالبي
بالإشتراك مع الناشر
دار ومكتبة الشركة الجزائرية
للتأليف والترجمة والطباعة والتوزيع والنشر
لأصحابها مرازقة وبوداود وشركائهما الجزائر
1 / 3
طبع هذا الكتاب بموافقة واشراف الناشر
دار ومكتبة الشركة الجزائرية للتأليف والترجمة والطباعة والتوزيع والنشر
لأصحابها مرازقة وبوداود وشركائهما الجزائر
ملتزم الطبع والتوزيع في الأقطار العربية والبلاد الأجنبية
دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر
1 / 4
دار ومكتبة الشركة الجزائرية للتأليف والترجمة والطباعة والتوزيع والنشر
كتاب آثار ابن باديس
المجلد الأول
تفسير وشرح أحاديث
إعداد وتصنيف
الأستاذ عمّار طالبي
بالإشتراك مع
دار ومكتبة الشركة الجزائرية للتأليف والترجمة والطباعة والتوزيع والنشر
الطبعة الأولى
١٣٨٨ هجرية - ١٩٦٨ ميلادية
1 / 5
جميع حقوق الترجمة والطبع والنشر والاقتباس محفوظة للناشر
دار ومكتبة الشركة الجزائرية للتأليف والترجمة والطباعة والتوزيع والنشر
1 / 6
ـ[صورة]ـ
الْعَلاَّمَة ِالثَّائِر ِالإِمَام ِعَبْدُ الْحَمِيدَ بْنُ بَادِيسَ رَائِدُ النَّهْضَةِ الْحَدِيثَةِ بِالْمَغْرِبِ الْعَرَبِيِّ وَقَائِدُ الْحَرَكَةِ الإِصْلاَحِيَّةِ وَمُؤَسِّسُهَا بِالْجَزَائِرِ
ــ
1 / 7
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
بقلم المفكر الجزائري مالك بن نبي
... مدير التعليم العالي بالجزائر ...
ــ
عرفت مؤلف هذا الكتاب إبان دراسته في جامعة القاهرة، وكنت أعتبره في جملة أصدقائي ومستمعي من بين طلاب البلدان الإسلامية المختلفة الذين يزورون الندوة التي تعقد في منزلي يوم الجمعة من كل أسبوع.
فحين أقدم هنا لدراسة عن ابن باديس أشعر بلذة مزدوجة.
فما كان أشد إغراء مثل هذا الموضوع في بلد ما يزال من شاهد حياة الشيخ وأثره كثيرًا عددهم، ولكن ما أصعبه من موضوع إذ الحقيقة أنه لا يمكن أن يخلو حكم معاصر على أحداث عهده ورجاله، من نظرة ذاتية، إلا نادرًا.
وأنا نفسي أشعر بشيء من الحرج حين أقدِّم كتابًا يحوي - بالضرورة - أفكارًا وأحداثًا كنت نصيرًا لها أو معارضًا.
غير أن شخصية الشيخ تجمع في طيَّاتها جوانب بلغت من التنوع والغنى مبلغًا يجعل في قدرة الباحث - دومًا - أن يتطرق إلى دراستها من زاوية تحرر الفكر من الظروف العرضية النسبية.
1 / 9
لقد كان ابن باديس مناظرًا مفحمًا، ومربيًا بناَّءً، ومؤمنًا متحمسًا، وصوفيًا والهًا، ومجتهدًا يرجع إلى أصول الإيمان المذهبية، ويفكر في التوفيق بين هذه الأصول توفيقًا عزب عن الأنظار، إبان العصور الأخيرة للتفكير الإسلامي.
وهو كذلك وطني مؤمن تصدَّى عام ١٩٣٦ لزعيم سياسي نشر مقالًا عنوانه: "أنا فرنسا"، فردَّ عليه ردًّا حاميًا قويًاّ.
وعندما انفجرت حوادث قسنطينة الدامية في شهر آب من سنة ١٩٣٤ وحاولت الإدارة أن تعيد الهدوء والاستقرار كان نصيرًا لها، ولكنه لم يقبل هجومًا على الإسلام قام به يهودي منتهكًا حرمة مسجد.
والشعور الوطني المتدفق يغدو لديه فيضًا شعريًا عندما ينظم قصائده التي قُدِّر لها أن تعيد إلى الشعب الجزائري أبعاده الحقيقية في التاريخ الإسلامي، في فترة كان أطفال الجزائر يدرَّسون ويعلَّمون تاريخ "أجدادنا الغاليين".
وفوق ذلك فقد كان ابن باديس مصلحًا اقترن اسمه وأثره بتاريخ هذا البلد في مرحلة سياسية كانت تعده "للثورة"، وفي هذه الكلمة من المعاني أكثر مما تعودنا أن نفهم.
إنه المصلح الذي استعاد موهبة العالم المسلم كما كانت في عصر ابن تومرت بإفريقيا الشمالية.
فقد كان المغرب يعيش على صورةٍ ما حياة فترة العصر الذي وضعت له حدًاّ نهائيًّا دعوة مهدي الأطلس المغربي، وسيف عبد المؤمن.
نحن نعلم أن عصر المرابطين شهد انزلاق الضمير الإسلامي نحو النزعة الفقهية.
فجاء ابن تومرت ارتكاسًا لروح الفقهاء الضيقة، ووضعت دعوته الضمير الإسلامي في شريعة القرآن وطريق السنة.
1 / 10
أما ابن باديس فقد جاء في فترة جددت فيها النزعة الصوفية (المرابطية أو الطرقية) دورة المرابطين.
وهنا موضع الخطورة، ذلك أن الحلقة لم تستأنف بالفقه والرباط، بل بالتميمة والزاوية.
ولم يستطع المصلح الجزائري أن يطمح إلى تأسيس إمبراطورية تحرر الضمير.
لقد تغير الزمان: فالاستعمار والقابلية للاستعمار غيَّرا كل المعطيات في الجزائر كما فعلا ذلك في سائر العالم الإسلامي.
كانت الظروف تقتضي الرجوع في الإصلاح إلى السلف أدراجًا: إذ لم يكن القيام بأي عملٍ في النظام السياسي أو الاجتماعي ممكنًا قبل تحرير الضمائر.
وكل مذهب الإصلاح الجزائري الذي تجده في ابن باديس كان لا بدَّ أن يصدر عن هذه الضرورة أو عن هذه المقتضيات الخاصة.
والمبدأ الأساسي القائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ الذي كان أول خطوة في الإصلاح؛ يمكن أن يعتبر- من زاوية مَّا - ترجمة لهذه الضرورة في صيغة مذهبية.
ومن هنا نرى التقلبات التي كان يمكن أن يتعرض لها مبدأ كهذا المبدأ لدى وضعه موضع التطبيق، عندما يجد المرء نفسه - أو يظن - أنه مضطر إلى أن يتنازل للسياسة على حساب كمال المذهب ومتانته.
ونقد الحركة الإصلاحية الجزائرية كله يمكن أن يوجه نحو هذه النقطة.
ولنقل - كي نبقى ضمن موضوعنا -: إننا لم نعمد إلى الحكم على أثر ابن باديس بالمتانة العلمية التي تضع النتائج في أعقاب المقدمات، والمقدمات نفسها في مواجهة قوانين التاريخ، وعلم الاجتماع.
1 / 11
على أي حال فإن هذا الأثر نفسه غني في جميع جوانبه، غنى شخصية صاحبه، ويمكن أن يقف القارئ على هذا التنوع الغنيِّ. وهو يقرأ الدِّراسة التي يعرضها عمار الطالبي.
ولقد يكفي في هذه المقدمة أن نركِّز اهتمامنا في جانب من أكثر الجوانب تمييزًا لفكر ابن باديس.
أريد أن أتكلم عن الافتتاحية التي كانت ترد في مطلع كل عدد من مجلة "الشهاب" تحت عنوان "مجالس التذكير".
كان الشيخ يكتب هذه الافتتاحية دائمًا: وإنها لأثر العالم الداعية، المصلح الفذ.
ولا يفوتني أن أذكر أنه عندما كان ابن باديس يتغيَّب عن قسنطينة لسبب ما، كانت المجلة تظهر بدون هذه الفاتحة التي تكوِّن حقا أمَّ كل عدد من أعدادها.
ولقد دامت هذه الفاتحة من عدد كانون الثاني ١٩٢٩م إلى عدد أيلول من سنة ١٩٣٩م على أبواب الحرب العالمية الثانية.
ولكي نستطيع الحكم على أهميته المذهبية والتعليمية يجب أن نحلل مجلسًا من مجالسه. ويجب علينا ألا ننسى بأن الشيخ علاوة على دوره في توجيه الرأي الجزائري العام - كان كذلك المعلم الذي يدرِّس في معهد تكوَّن فيه كلُّ قادة تعليمنا الحر، وحتى شعراؤنا، مثل محمد العيد آل خليفة.
بل إن الشيخ نفسه يقدم هذا التحليل في العناوين الفرعية التي كان ينفحها كل مجلس من مجالسه، فتحت العنوان يقدم الموضوعين الأساسيين: الآية - أو الآيات - والحديث موضوعي المجلس، تليهما بعد ذلك العناوين الفرعية الخاصة بكلا الموضوعين، وهكذا نجد
1 / 12
على سبيل المثال - في عدد حزيران ١٩٣٥م الآية:
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (١).
وهي موضوع التفسير، ويستخلص الشيخ من هذه الآية خمسة عشر عنوانًا فرعيًّا كما يلي:
١ - أدب واقتداء.
٢ - بيانه لهم، حجته عليهم.
٣ - تمثيل.
٤ - أدب واقتداء.
٥ - نعمة الإظهار والبيان بالرسول والقرآن.
٦ - محمد ﷺ والقرآن نور وبيان.
٧ - استفادة.
٨ - اقتداء.
٩ - الهداية ونوعها.
١٠ - بماذا تكون الهداية.
١١ - لمن تكون الهداية.
١٢ - إلى ماذا تكون الهداية.
١٣ - الإخراج من حالة الحَيْرة إلى حالة الاطمئنان.
_________
(١) الآيتان ١٥، ١٦ من سورة المائدة.
1 / 13
١٤ - الإسلام هو السبيل الجامع العام.
١٥ - الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله لازم دائم.
وإذا طبقنا تحليلنا الخاص على هذا الموضوع رأينا أن الشيخ قد أمدَّنا من خلال تفسير هذه الآية، بصورة ما، بطيف ذاته: فالذي يتكلم إنما هو الذابُّ عن الدين، والناقد الاجتماعي، والعالم المحقق، والمصلح، والصوفي، كلٌّ بدوره. ولا يفوتني أن أذكر أن غنى هذه الذات ليس محصورًا كله في فعل واحد من أفعال هذا الفكر وهذه السيرة اللذين بعثا الحياة في فترةٍ ما من تاريخنا الوطني.
وعلى القارئ ألا ينسى أن ابن باديس مثقف يعيش في مأساة مجتمع وحضارته على طريقته الخاصة.
فعندما قام بطبع كتاب "العواصم من القواصم" لأبي بكر بن العربي (٤٦٨ - ٥٤٣ هـ) على نفقته كانت هذه الطبعة - رغم ثغراتها (١) - تأكيدًا لشخصية تعمل على الصعيد التاريخي لحضارة ما.
الجزائر ١٦ ذو الحجة ١٣٨٥هـ - ٨/ ٤ /١٩٦٦م
مالك بن نبي
_________
(١) أشار محب الدين الخطيب إلى هذه الثغرات في مقدمته لمبحث الصحابة الذي اقتطعه من هذا الكتاب (من الجزء الثاني [ص:٩٨ - ١٩٣]) وطبعه بالمطبعة السلفية بالقاهرة سنة١٣٧٥هـ ولكنه لم يشر إلى المخطوط الذي اعتمد عليه وهذا ما جعل الكتاب أبتر.
1 / 14
مدخل إلى الحياة العقلية والنهضة الحديثة بالجزائر
-١ -
بوادر النهضة
لا يمكن أن تدرك أبعاد النهضة الحديثة في الجزائر قبل معرفة الأصول النفسية والإجتماعية للنهضة الحديثة في المغرب الإسلامي بعامة، وفي المغرب الأوسط "الجزائر" بخاصة. لقد كانت أبرز الحركات الإصلاحية والثورية، وأكثرها حيوية وأعمقها جذورًا، وأشدها اتصالًا بالفكر الإسلامي، وبمباديء الإسلام والسلفية.
تتسم الحياة الفكرية في المغرب الإسلامي بالتأثر بالأفكار التي تظهر في المشرق الإسلامي عبر التاريخ وهذا دليل على الوحدة الفكرية، والثقافية، واللغوية التي تأصلت جذورها وبقيت حيةً مدى الدهر، بالرغم من عوادي الزمن، وفجائع التاريخ، ومحاولات الفصل، والمحو، وافتعال الفروق.
وما زال الفكر الإسلامي في الجزائر يتطلب الدراسة والتنقيب، ولا شك في أن البحث عنه يكشف عن كنوز يمكن الافتخار بها.
وتعتبر محاولة الأمير عبد القادر (١) الفكرية من أهم المحاولات
_________
(١) ولد في سنة ١٢٢٢ - ١٣٠٠هـ (١٨٠٧ - ١٨٨٣م).
1 / 15
الجزائرية الحديثة في ميدان النهضة، وهذا ما حمل جرجي زيدان على أن يجعله في كتابه "بناة النهضة العربية" من القادة والساسة، بل كان أول شخصية تحدث عنها في كتابه هذا (١). والواقع أن الأمير عبد القادر أول من أثار الضمير الشعبي الجزائري، وبذر بذورًا بقيت تنمو في القلوب، وتمتد جذورها في الأرض الطيبة التي يجدر بالعالم الإسلامي أن يفخر بها، ويسميها بحق "أرض الشهداء" وبجانب ما للأمير من ثورة سياسية فإنه أضاف إليها ثورة فكرية، تتمثل في تلك الأبحاث الدينية والتاريخية والفلسفية والكلامية (٢) والصوفية (٣) التي قام بها، وحاول أن يفسر قول الإمام الغزالي (٥٠٥هـ - ١١١١م) (ليس في الامكان أبدع مما كان) يقول: "إن الآثار الكونية دلت على المعاني الإلهية، والحقائق الربانية، والمعاني الإلهية دلت على وجود ذات الإله المعبود، فما في العالم حقيقة كونية كلية أو جزئية تقابلها هي مستندها وعمدتها، والحقيقة الكونية هي معينها ومظهرها، فالنسخة الكونية مقابلة للنسخة الإلهية، ولا يلزم من تقابل النسختين واستناد إحداهما إلى الأخرى المساواة في الحقيقة والنسبة، ومن علم هذا علم صحة قول حجة الإسلام الغزالي ﵁" (٤).
_________
(١) جرجي زيدان: "بناة النهضة العربية"، دار الهلال، القاهرة (دون تاريخ) [ص:١٢ - ٢٢].
(٢) "ذكرى العاقل وتنبيه الغافل" ألفه في سنة ١٢٧١هـ طبع للمرة الأولى بدمشق (وبدون تاريخ) وجاء في ١٣٢ صفحة.
(٣) كتاب "المواقف" في التصوف نحا فيه منحى ابن عربي يقف عند آيات قرآنية- معينة ويفسرها تفسيرًا رمزيًا صوفيًا فيه نزعة افلاطونية محدثة على غرار المواقف للنفري. أنظر تعليق شكيب أرسلان على حاضر العالم الإسلامي القاهرة ١٣٤٣هـ، ج١، [ص:٧٣ - ٧٩]
(٤) حسن صعب، الوعى العقائدي، دار العلم للملايين، بيروت ١٩٥٩ [ص:١٠٢].
1 / 16
وبعد إخفاق الأمير في معاركه ضد المستعمرين وخروجه من الوطن عاد الفكر الجزائري إلى جموده، وتحجر، وتحنطت الأخلاقية الإسلامية، والجهاد، في صورة زوايا وطرق، وأصنام.
ورغم بعد الأمير عن الوطن فإنه كان يقوم بنشاط في سبيل الإصلاح والنهضة بدليل انتسابه إلى الجمعية السرية السياسية التي أسسها جمال الدين الأفغاني (١٢٥٤ - ١٣١٤هـ / ١٨٣٩ - ١٨٩٧م) والتي تسمى بالعروة الوثقى (١) وهو نفس اسم الجريدة المعبرة عن آرائها. يقول رشيد رضا: (وقد كان من أعضائها الأمير عبد القادر الجزائري ومن اختار من انجاله ورجاله) (٢). كما أنه انضم إلى الجمعية الماسونية في الاسكندرية سنة ١٨٦٤م (٣)، وكان جمال الدين الأفغاني نفسه عضوًا فيها ثم انسحب منها. ودعا الأمير إلى رفض التقليد واستعمال النظر فقال: (والمتبوعون من الناس على قسمين: قسم عالم مسعد لنفسه، ومسعد لغيره، وهو الذي عرف الحق بالدليل لا بالتقليد، ودعا الناس إلى معرفة الحق بالدليل لا بأن يقلدوه، وقسم مهلك لنفسه ومهلك لغيره، وهو الذي قلد آباءه وأجداده فيما يعتقدون ويستحسنون وترك النظر بعقله، ودعا الناس لتقليده، والأعمى لا يصلح أن يقود العميان، وإذا كان تقليد الرجال مذمومًا غير مرضي في الاعتقادات، فتقليد الكتب أولى وأحرى بالذم وإن بهيمة تقاد أفضل من مقلد ينقاد، وأن أقوال العلماء والمتدينين متضادة متخالفة في الأكثر، واختيار
_________
(١) صدر العدد الأول منها في ٥ جمادى الأولى سنة ١٣٠١ - ١٣ مارس سنة ١٨٨٤. صدر منها ١٨ عددًا آخرها صدر في ١٦ أكتوبر ١٨٨٤م.
(٢) تاريخ الأستاذ الإمام مطبعة المنار ١٣٥٠ - ١٩٣١ ج ١ ص ٢٨٣.
(٣) جرجى زيدان، بناة النهضة العربية ص ٢٢.
1 / 17
واحد منها واتباعه بلا دليل باطل، لأنه ترجيح بلا مرجح فيكون معارضًا بمثله) (١).
لقد سيطرت الطرق الصوفية على الفكر الإسلامي، والمجتمع المغربي في القرن التاسع عشر، سيطرة مذهلة، فبلغ عدد الزوايا في الجزائر ٣٤٩ زاوية وعدد المريدين أو الإخوان ٢٩٥٠٠٠ مريد. والفقهاء الذين عرفوا بمعارضتهم الصوفية أصبحوا بدورهم "طرقيين" فساد الظلام، وخيم الجمود، وكثرت البدع، واستسلم الناس للقدر، وأصبحوا إذا سئل أحدهم عن حاله أجاب: " نَأْكُلْ الْقُوتْ وَنَسْتَنَّى فِي الْمُوتْ " (٢) وهذه الظاهرة الإجتماعية أدت إلى تعطيل الفكر وشلِّ جميع الطاقات الإجتماعية الأخرى.
رد الفعل:
أَدَّى انتشار البدع والاعتقاد بالخرافات، وطغيان الطرقية إلى ارتكاس- رد فعل- من طرف جماعة من الفقهاء المسلمين، والعلماء السنيين السلفيين الذين آلمتهم الحال الراهنة، وأقلق ضميرهم سوء الحياة الإجتماعية، وكثرة الضلال، والانحراف إلى الجاهلية، وهؤلاء كانوا هم الرواد الأوائل لحركة الإصلاح الديني والأخلاقي، والإجتماعي في أرض الشهداء.
وهذا الداعي- كما ترى- نبع من صميم المجتمع الجزائري عاملًا مناقضًا للحياة العقلية والإجتماعية المجمدة، وهناك دواعٍ سواه وعوامل أخرى اندفعت من خارج المجتمع وهي النهضة في المشرق وعودة الاتصال الفكري والثقافي بينه وبين الغرب عن طريق الصحافة والكتب والمجلات
_________
(١) ذكرى العاقل ص ٦ - ٧. طبعة قديمة وصفحة ٣٤ - ٣٥ طبعة حديثة.
(٢) عبارة عامية معناها: نطعم الطعام وننتظر الموت.
1 / 18
والحج الذي تقع فيه مؤتمرات واجتماعات للنظر في أزمة المسلمين (١)، وعن طريق الطلبة الذين يسافرون إلى القرويين والزيتونة ومصر للدراسة ومن أهم العوامل التي أدت إلى وجود حركة أدبية وعلمية إنشاء السيد قدور بن مراد التركي الرودوسي المكتبة الثعالبية سنة ١٣١٤هـ - ١٨٩٦م ثم مطبعته التي طبعت كثيرًا من الكتب التاريخية والدينية (٢).
من العلماء الذين حاربوا البدع، وحاولوا تحريك المجتمع، وبذروا الحركة الإصلاحية: الشيخ صالح بن مهنا (٣) فإن مناجاته للضمير كادت توقظ أهل قسنطينة كلها حوالي سنة ١٨٩٨م فعملت الحكومة الفرنسية على إبعاده، وصادرت مكتبته التي لا تقدر بثمن (٤) وله مؤلفات كثيرة. والأستاذ الشيخ عبد القادر المجاوي (٥) الذي ألف كثيرًا من
_________
(١) وهو ما كان يخشاه الاستعمار الفرنسي فيراقب الحجاج المسلمين مراقبة شديدة.
(٢) سعد الدين بن أبي شنب، النهضة العربية في الجزائر في النصف الأول من القرن الرابع عشر للهجرة، مجلة كلية الآداب العدد الأول ١٩٦٤م ص ٤١ وما بعدها.
(٣) توفي في ربيع الأول ١٣٢٥هـ وقبره معروف بمقبرة قسنطينة.
(٤) مالك بن نبي، شروط النهضة ومشكلات الحضارة، ترجمة عبد الصبور شاهين وعمر مسقاوي مطبعة دار الجهاد القاهرة: ١٩٥٧ ص ٢٢.
(٥) ولد سنة ١٢٦٦هـ أو ١٢٦٧هـ (١٨٤٨) م بتلمسان من أب يدعى محمد بن عبد الكريم وهو من الفقهاء والقضاة قرأ المجاوي في كتاب بتلمسان فحفظ القرآن وأتمه بعد ما ارتحل أبوه إلى طنجة وتطاوين ثم فاس وأكمل دراسته بالقرويين أنظر الحفناوي، تعريف الخلف برجال السلف ج ٢ ص ٤٤٩ والتقويم الجزائري لعمر بن دالي لسنة ١٣٢٩هـ (١٩١١م) ص ١٠٥ - ١٠٧ وبحث الأستاذ سعد الدين بن شنب المذكور آنفا ص ٥١، ونهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة للاستاذ محمد علي دبوز دمشق ١٩٦٥ ج ١ ص ٨٢ - ١٠٥ وشروط النهضة للاستاذ مالك بن نبي ص ٢٣
1 / 19
صورة الشيخ عبد القادر المجاوي هي التي يشير إليها السهم.
ــ
الكتب المدرسية والتربوية مما يدل على أنه ذو اهتمام بالغ بالتربية وعلى أن الإصلاح في نظره إنما يتم عن طريقها. ألف: "إرشاد المتعلمين" (١) و"المرصاد في مسائل الاقتصاد" (٢) وشرح منظومة في إنكار الفساد الاجتماعي (٣) وقدم لشرحه بمقدمة ذات أهمية في بيان ضرر البدع، وضرورة النهضة العلمية وقرر أن السبب الرئيسي في النهضة إنما هو العلم وتشتمل المقدمة على مبحث في الحكمة والعلم،
_________
(١) طبع مصر.
(٢) طبع بمطبعة فونتانة الشرقية بالجزائر.
(٣) منظومة في إنكار البدع ألفها الشيخ المولود بن الموهوب وشرحها المجاوي بشرح أسماه "اللمع على نظم البدع" مطلعها:
صعود الاسفلين به دهينا ... لانا للمعارف ما هدينا
طبع بالجزائر سنة ١٣٣٠هـ (١٩١٢م) به ١٩٨ ص قرظها محمود كحول وأحمد بن الشيخ باش عدل محكمة سيدي عقبة.
1 / 20
ومبحث في التربية يقول فيه "وما كثر الفساد في أمة إلا بعدم تربية الأولاد فإننا نرى الأولاد مهملين يتعلمون الفساد ... وإننا نرى الأمم الحية إنما حصل لها الرقي بتربية أولادهم وتعليمهم العلوم النافعة، والمعرفة المفيدة، فيجب التبصر لمثل هذا، وفي الغالب أن إهمال الأولاد من الأمهات الجاهلات أو المتعلمات تعلمًا ناقصًا" (١) وتحدث الشيخ عن تعليم المرأة وضرورته (٢) لأنه أساس التربية، ووضع أصلًا في هذا الشأن يعتبر من الأصول العلمية في مناهج التربية والتعليم وهو مبدأ دراسة الأخلاق وعلم النفس: (لا بد من دراسة علم الأخلاق وعلم النفس) (٣) وتعرض لنقد طرق التعليم في ذلك العهد فقال: (التعليم القديم غير نافع في زماننا لنقصانه إذ تعليم القرآن وحده على الكيفية المألوفة عندنا بهذه الأقطار لا يفيد المتعلم ولا أباه، فلا بد من معرفة العلوم النافعة في الدين والدنيا، أما إذا اقتصرنا على أحد العلمين ضاع ما يفتقر لذلك العلم المجهول، ولكن أهل زماننا تركوا العلمين معًا ولا حول ولا قوة إلا بالله نعم إنه يوجد بعض العلماء ولكن صاروا لقلتهم كالعدم) (٤). ولنترك للقارىء أن يستنتج الحياة الثقافية في ذلك العهد من هذا النص. ولم يغفل المصلح عن جانب مهم من الحياة الإجتماعية وهو خطبة الجمعة فدعا لإصلاحها (٥) وأشار إلى الحضارة الإسلامية وتاريخها واستشهد بأقوال الأجانب (٦) مما يدل على اطلاعه على دراساتهم.
_________
(١) اللمع في نظم البدع ص ٢٧.
(٢) اللمع في نظم البدع ص ٢٨ - ٢٩.
(٣) ص ٣٠.
(٤) ص ٣٠.
(٥) ص ١٧٣.
(٦) ص ١٧١.
1 / 21