Arapların Avrupa Medeniyetine Etkisi
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
Türler
وكانت المناظرة بين روسيا وبريطانيا العظمى في البلاد الإيرانية تحول دون استقرار الأمر، وانتظام السعي في توطيد الحكومة النيابية؛ لأنهما تبلغان من بطانة الحكم المطلق ما لا تبلغانه من حكومة نيابية تخضع لرقابة الشعب، وتكشف له عن تصرفاتها في مسائل الشركات والامتيازات.
وقد نزل المحتلون الإنجليز بمصر في أواخر القرن التاسع عشر وفيها حكومة نيابية تطورت بها التجارب المتوالية من عهد محمد علي الكبير، فعطلوها لأنهم لا يستطيعون أن يجمعوا بين إشرافهم على الإدارة المصرية وإشراف المجلس النيابي عليها، ثم اقترن طلب الدستور بطلب الاستقلال، فأصبحت الحكومة النيابية مرادفة للحكومة الوطنية في برامج الأحزاب المصرية، وأصبح الحكم الأجنبي هو الحائل الأكبر دون قيام الحكم النيابي الذي ينشده أحرار المصريين.
وعلى هذا تعتبر الحياة النيابية كما رسمتها الأوضاع الحديثة ثمرة أوروبية انتقلت إلى الشرق من حضارة الغرب في العصر الحديث، ولكن الشرقيين عرفوها فاقتبسوها، ولم يعرفهم بها الغربيون فيفرضوها عليهم فرض المعلمين دروسهم على التلميذ الذي يكره ما يفرضونه عليه؛ لأن مطامع الغرب كثيرا ما عرقلت خطوات الشرق كما رأينا في حركاته الدستورية، والفضل في تهيؤ الشرق لقبول هذه الثمرة الأوروبية راجع إلى عقيدة الحرية والشورى التي بثتها حضارة العرب بعد ظهور الإسلام، ولم تكن غريبة عن الحياة العربية الأولى قبل ظهور الإسلام.
الوطنية
حب الوطن غريزة معروفة في الإنسان من أقدم عصوره الاجتماعية، عرفت في البدو الرحل كما عرفت في سكان المدن وأصحاب الأرض الزراعية ، وبقيت لنا من دلائلها في اللغة العربية هذه القصائد التي يتغنى بها إلى اليوم من يذكرون الديار، ويحنون إلى المرابع والأطلال، ولو طال بهم عهد فراقها، وانقطعت عليهم سبيل الرجعة إليها.
لكن الوطنية بمعناها الحديث شيء غير هذه الغريزة؛ لأنها مجموعة من الحقوق أو الصلات الروحية والثقافية قد انفرد بها الإنسان في عصره الحديث، بعد القرن الثامن عشر على وجه التقريب، واختلف فهم الناس إياها عن ذلك الشعور الغريزي الذي يتفق فيه الإنسان وكثير من الأحياء الأنيسة، بل يتفق فيه الإنسان وبعض الضواري التي تأوي إلى عرائنها وأوجارها وآجامها، ولا تستبدل بها غيرها ما استطاعت المقام فيها.
ولم يكن من الميسور أن تنشأ الوطنية بمعناها الحديث قبل القرن الثامن عشر، أو قبل الأطوار الاجتماعية التي تقدمتها وكانت ممهدة لظهورها وانتقالها من حيز الغرائز المشتركة إلى حيز الصلات الروحية والثقافية التي ينفرد بها الإنسان في مجتمعاته؛ لأن هذه الأطوار كانت تناقض الوطنية في بعض الأحوال، وكانت تخيفها في أحوال أخرى، وكانت على الجملة خطوات سابقة لا بد منها قبل التطرق إلى الخطوات التي تليها.
فكان لا بد من تطور عهد الإقطاع قبل شعور الإنسان بوطنه في نطاقه الواسع، ومصالحه المتشابكة؛ لأن انتماء الناس إلى «إقطاعات» متعددة في قطر واحد يربطهم بضروب شتى من الولاء للسادة المتعددين الذين يسيطرون عليها، ويعودهم ضروبا من المخالفات والمخاصمات تتغلب فيها الزمرة والطائفة على الأمة أو الدولة نفسها في بعض الأمور.
وكان لا بد من تطور الجامعات الدينية قبل الشعور بمعنى هذه الوطنية؛ لأن الإنسان يرضى في الجامعات الدينية أن يحكمه من ليس من أبناء وطنه لاتفاق الحاكم والمحكوم في العقيدة والمراسم الروحية، ويكره أن يحكمه من لا يدين بدينه ولو كان من بلده وجواره، ولا يزال كذلك حتى يتعذر حكم الأوطان المختلفة بحكومة واحدة قائمة في مراكزها البعيدة عنها؛ لاختلاف المرافق، واختلاف النظر إلى الحقوق والتبعات، ونشوء الطبقات الاجتماعية التي تتنافس في الأوطان المتعددة، وإن جمعتها علاقة وثيقة واحدة.
ولما تطور عصر الإقطاع وعصر الجامعات الدينية معا، أو على التعاقب بين جيل وجيل، قام من بعدهما سلطان الملوك المطلقين الذين ساعدتهم قوتهم المطلقة على قهر أمراء الإقطاعات، والاستئثار بسلطان العرش وما يرتبط به من الدعاوى والحقوق، وكانت قوتهم كفيلة لهم ببسط كلمتهم على رعاياهم، وحصر فرائض الولاء في أشخاصهم أو في أسرتهم، وكانت «المملكة» سابقة للأمة، أو سابقة - بطبيعة الحال - للحقوق التي تنشأ من الاعتراف للأمة بالسيادة على بلادها، ولا يفهم الوطن على أنه بلاد «الأمة» ومناط سيادتها قبل أن تصبح الأمة مصدرا للسلطان كله، ويصبح الملك خادما للوطن ينوب عن الأمة في تدبير مصالحها، وقبل أن تنبغ الطبقة الوسطى التي تضطلع بالحكم مع تقييد الملوك وزوال السادة الإقطاعيين.
Bilinmeyen sayfa