187

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Türler

الشَّرْحُ
- الأَوْثَانُ: جَمْعُ وَثَنٍ. قِيْلَ: سُمِّيَ وَثَنًا لِانْتِصَابِهِ وَثَبَاتِهِ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ - مِنْ وَثَنَ بِالمَكَانِ أَيْ: أقَامَ بِهِ فَهُوَ وَاثِنٌ -. (١)
- قَوْلُ المُصَنِّفِ (بَعْضَ هَذِهِ الأُمَّةِ) وَلَيْسَ كُلَّهَا، وَذَلِكَ لِوُجُوْدِ الطَّائفَةِ المْنَصُوْرَةِ فِيْهَا الَّتِيْ تَكُوْنُ بَاقِيَةً عَلَى الحَقِّ، فَفِيْهِ بُشْرَى بِأَنَّ الحَقَّ لَا يَزُوْلُ بِالكُلِّيَّةِ، وَفِيْهِ أَيْضًا حُجِّيَّةُ الإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا اتَّفَقَتِ الأُمَّةُ عَلَى شَيْءٍ دَخَلَتْ فِيْهَا الطَّائفةُ المَنْصُوْرَةُ.
- سَبَبُ نُزُوْلِ آيَةِ سُوْرَةِ النِّسَاءِ هُوَ كَمَا فِي تَفْسِيْرِ ابْنِ كَثِيْرٍ ﵀ (٢): (وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيْدٍ المُقْرِي حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرو عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: جَاءَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبٍ وَكَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَقَالُوا لَهُمْ: أَنْتُمْ أَهْلُ الكِتَابِ وَأَهْلُ العِلْمِ؛ فَأَخْبِرُوْنَا عَنَّا وَعَنْ مُحَمَّدٍ. فَقَالُوا: مَا أَنْتُمْ وَمَا مُحَمَّدٌ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ نَصِلُ الأَرْحَامَ وَنَنْحَرُ الكَوْمَاءَ (٣) وَنَسْقِي المَاءَ عَلَى اللَّبَنِ وَنَفُكُّ العَانِي وَنَسْقِي الحَجِيْجَ. وَمُحَمَّد صُنْبُوْرٌ (٤) قَطَعَ أَرْحَامَنَا وَاتَّبَعَهُ سُرَّاقُ الحَجِيْجَ مِنْ غِفَارٍ؛ فَنَحْنُ خَيْرٌ أَمْ هُوَ؟ فَقَالُوا: أَنْتُمْ خَيْرٌ وَأَهْدَى سَبِيْلًا). فَأَنْزَلَ اللهُ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِيْنَ أُوْتُوا نَصِيْبًا﴾ الآيَة. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ غَيْر وَجْهٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ).
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوْتَ﴾ فِيْهَا قِرَاءَاتٌ؛ أَشْهَرُهَا: (وَعَبَدَ الطَّاغُوْتَ)، فَـ (عَبَدَ) فِعْلٌ مَاضٍ، وَ(الطَّاغُوْتَ): مِفْعُوْلٌ بِهِ.
وَالقِرَاءَةُ الأُخْرَى (وعَبُدَ الطَّاغُوْتِ) بِفَتْحِ عَيْنِ (عَبُدَ) وَضَمِّ بَائِهَا وَخَفْضِ (الطَّاغُوْتِ) بِإِضَافَةِ (عَبُدَ) إِلَيْهِ. وَعَنَوا بِذَلِكَ: وَخَدَمَ الطَّاغوتِ. (٥)
- فِي الآيَةِ فَائِدَةُ أَنَّ العِلمَ وَحْدَهُ لَيْسَ بِعَاصِمٍ مِنَ المَعْصِيَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُؤْمِنَ مَنْ أُوْتِيَ نَصِيْبًا مِنَ الكِتَابِ بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ، لِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ (أَكْثَرُ دُعائِهِ: يَا مُقَلِّبَ القُلُوْبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِيْنِكَ). (٦)
- وَجْهُ المُنَاسَبَةِ مِنَ الآيَاتِ مَعَ البَابِ لَا يَتَبَيَّنُ إِلَّا بِالحَدِيْثِ؛ وَهُوَ (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم)، فَإِذَا كَانَ الَّذِيْنَ أُوْتُوا نَصِيْبًا مِنَ الكِتَابِ يُؤْمِنُوْنَ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوْتِ؛ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ مَنْ يَرْكَبُ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا؛ لَزِمَ مِنْ هَذَا أنَّ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مَنْ يُؤْمِنُ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوْتِ، فَتَكُوْنُ الآيَةُ مُوَافِقَةً لِلتَّرجَمَةِ بِذَلِكَ.
- قَوْلُهُ ﴿بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوْتِ﴾ الجِبْتُ: يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لَا خَيْرَ فِيْهِ، وَالطَّاغُوْتُ: يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَدْعُو إِلَى البَاطِلِ. (٧)

(١) تَاجُ العَرُوْسِ (٢٣٩/ ٣٦).
(٢) تَفْسِيْرُ ابْنِ كَثِيْر (٣٣٤/ ٢).
(٣) سُمِّيَتْ (كَوْمَاءَ) لِأَنَّ عَلَى سَنَامِهَا شَحْمٌ مُتَكَوِّمٌ مُتَكَدِّسٌ.
(٤) الصُّنْبُوْرُ: الرَّجَلُ الفَرْدُ الضَّعِيْفُ الذَّلِيْلُ بِلَا أَهْلٍ وَلَا عَقِبٍ وَلَا نَاصِرٍ. تَاجُ العَرُوْسِ (٣٥٣/ ١٢).
(٥) وَفِيْهَا أَيْضًا قِرَاءَاتٌ أُخْرُ أَوْرَدَهَا ابْنُ جَرِيْرٍ ﵀ فِي تَفْسِيْرِهِ (٤١٤/ ١٠) وَقَالَ: (وأمَّا قِرَاءَةُ القَرَأَةِ؛ فِبِأَحَدِ الوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ بَدَأْتُ بِذِكْرِهِمَا).
(٦) صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٣٥٢٢) عَنْ أمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (٤٨٠١).
(٧) الجِبْتُ بِالكَسْرِ: الصَّنَمُ وَالكَاهِنُ وَالسَّاحِرُ وَالسِّحْرُ وَالَّذِيْ لَا خَيْرَ فِيْهِ وكُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُوْنِ اللهِ تَعَالَى. القَامُوْسُ المُحِيْطِ (ص١٤٩).

1 / 187