At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Türler
- قَوْلُهُ (اتَّخَذُوا قُبُوْرَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ): إنَّ اتِّخَاذَ القُبُوْرِ مَسَاجِدَ يَكُوْنُ عَلَى أَحَدِ ثَلَاثِ صُوَرٍ: (١)
١) أَنْ يَسْجُدَ عَلَى القَبْرِ؛ يَعْنِي: يَجْعَلَ القَبْرَ مَكَانَ سُجُوْدِهِ. (٢)
٢) أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى القَبْرِ؛ فَيَكُوْنَ القَبْرُ أَمَامَهُ يُصَلِّي إِلَيْهِ. (٣)
٣) أَنْ يَتَّخِذَ القَبْرَ مَسْجِدًا بِأَنْ يَجْعَلَ القَبْرَ فِي دَاخِلِ بِنَاءِ المَسْجِدِ، فَيَتَّخِذَ ذَلِكَ المَكَانَ لِلتَّعَبُّدِ وَالصَّلَاةِ فِيْهِ - وَهِيَ الصُّوْرَةُ الأَعَمُّ - وَعَلَيْهَا صُوْرَةُ النَّهْي فِي حَدِيْثِ (أُوْلَئِكَ إِذَا مَاتَ فِيْهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوِ العَبْدُ الصَّالِحُ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا). (٤)
(١) وَكُلُّهَا مَشْمُوْلَةٌ بِعُمُوْمِ قَوْلِهِ: (اتَّخَذُوا)، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الاتِّخَاذَ أَعَمُّ مِنَ البِنَاءِ.
قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (الأُمُّ) (٣١٧/ ١): (وَأَكْرَهُ أَنْ يُبْنَى عَلَى القَبْرِ مَسْجِدٌ؛ وَأَنْ يُسَوَّى، أَوْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مُسَوَّى - يَعْنِي أَنَّهُ ظَاهِرٌ مَعْرُوْفٌ - أَوْ يُصَلَّى إِلَيْهِ. قَالَ: وَإِنْ صَلَّى إِلَيْهِ أَجْزَأَهُ؛ وَقَدْ أَسَاءَ.
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ؛ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ قَالَ: (قَاتَلَ اللهُ اليَهُوْدَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُوْرَ أَنْبِيَائِهِم مَسَاجِدَ). قَالَ: وَأَكْرَهُ هَذَا لِلسُّنَّةِ وَالآثَارِ، وَأنَّهُ كَرِهَ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنْ يُعَظَّمَ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ - يَعْنِي: يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا - وَلَمْ تُؤْمَنْ فِي ذَلِكَ الفِتْنَةُ وَالضَّلَالُ).
(٢) وَهَذِهِ الصُّوْرَةُ فِي الوَاقِعِ لَمْ تَحْصُلْ بِانْتِشَارٍ؛ لِأَنَّ قُبُوْرَ الأَنْبِيَاءِ فِي اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى لَمْ تَكُنْ مُبَاشِرةً لِلنَّاسِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَصِلُوا إِلَى القَبْرِ وَأنْ يَسْجُدوا فَوْقَهُ؛ بَلْ كَانُوا يُعَظِّمُوْنَ قُبُوْرَ أَنْبِيَائِهِم؛ فَلَا يُصَلُّوا عَلَيْهَا مُبَاشَرَةً.
(٣) هَذَا وَقَدْ دَلَّتِ الشَّرِيْعَةُ عَلَى النَّهْي عَنْ هَذَا النَّوْعِ وَمَا قَبْلَهُ كَمَا فِي حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعًا عِنْدَ الطَّبرانِيِّ فِي الكَبِيْرِ (٣٧٦/ ١١) (لَا تُصَلُّوا إِلَى قَبْرٍ، ولَا تُصَلُّوا عَلَى قَبْرٍ). صَحِيْحُ الجَامِعِ (٧٣٤٨).
(٤) وَالبِنَاءُ عَلَى القُبُوْرِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ عَنْ جابرٍ مَرْفُوْعًا (سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ نَهَى أَنْ يُقْعَدَ عَلَى القَبْرِ وَأَنْ يُقَصَّصَ (يُجَصَّصَ) وَيُبْنَى عَلَيْهِ). صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُد. صَحِيْحُ أَبِي دَاوُدَ (٢٧٦٢).
وَلِذَلِكَ كَانَ قَبْرُ أَفْضَلِ البَشَرِ غَيْرَ مَبْنِيٍّ، كَمَا فِي البُخَارِيِّ (١٠٢/ ٢) - بَابُ مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ ﵄ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ: (أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ ﷺ مُسَنَّمًا).
قُلْتُ: وَسُفْيَانُ هَذَا هُوَ مِنْ كِبَارِ أَتْبَاعِ التَّابِعِيْنَ. (فَتْحُ البَارِي) (٢٥٧/ ٣).
وَكَمَا فِي حَدِيْثِ جَابِرٍ ﵁: (أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُلْحِدَ لَهُ لَحْدٌ، وَنُصِبَ اللَّبِنُ نَصْبًا، وَرُفِعَ قَبْرُهُ مِنَ الأَرْضِ نَحْوًا مِنْ شِبْرٍ). رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيْحِهِ (٦٦٣٥)، وَالبَيْهَقِيُّ فِي الكُبْرَى (٦٧٣٦). وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ؛ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (أَحْكَامُ الجَنَائِزِ) (ص١٥٣).
وَفِي التِّرْمِذِيِّ (٣٥٨/ ٢) عَقِبَ حَدِيْثِ عَلِيٍّ ﵁ (ولَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ)؛ قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: (أَكْرَهُ أَنْ يُرْفَعَ القَبْرُ إِلَّا بِقَدْرِ مَا نَعْرِفُ أَنَّه قَبْرٌ لِكَي لَا يُوْطَأَ وَلَا يُجْلَسَ عَلَيْهِ).
1 / 150