والثالث : من عطل جوارحه ، وأماتها بالبطالة والجهالة، فهذا أيضا خاسر بائر أعظم خسارة من الذي قبله ،فإن العبد إنما خلق للعبادة والطاعة لا للبطالة .
وأبغض الخلق إلى الله العبد البطال الذي لا في شغل الدنيا ولا في سعي الآخرة.
بل هو كل على الدنيا والدين ، بل لو سعى للدنيا ولم يسع للآخرة كان مذموما مخذولا ، وكيف إذا عطل الأمرين ، وإن امرء يسعى لدنياه دائما ، ويذهل عن أخراه ، لا شك خاسر.
تمثيل لهذه الأصناف الثلاثة
فالرجل الأول ، كرجل أقطع أرضا واسعة ، وأعين على عمارتها بآلات الحرث ، والبذر وأعطي ما يكفيها لسقيها وحرثها ، فحرثها وهيأها للزراعة ، وبذر فيها من أنواع الغلات ، وغرس فيها من أنواع الأشجار والفواكه المختلفة الألوان ثم أحاطها بحائط ، ولم يهملها بل أقام عليها الحرس ، وحصنها من الفساد والمفسدين ، وجعل يتعاهدها كل يوم فيصلح ما فسد منه ، ويغرس فيها عوض ما يبس ، وينقي دغلها ويقطع شوكها ، ويستعين بغلتها على عمارتها.
والثاني : بمنزلة رجل أخذ تلك الأرض ، وجعلها مأوى السباع والهوام ، وموضعا للجيف والأنتان ، وجعلها معقلا يأوي إليه فيها كل مفسد ومؤذ ولص ، وأخذ ما أعين به من حرثتها وبذارها وصلاحها ، فصرفه وجعله معونة ومعيشة لمن فيها ، من أهل الشر والفساد.
والثالث : بمنزلة رجل عطلها وأهملها وأرسل الماء ضائعا في القفار والصحارى فقعد مذموما محسورا.
فهذا مثال أهل اليقظة ، وأهل الغفلة ، وأهل الخيانة.
أهل اليقظة والغفلة الخيانة
فالأول : مثال أهل اليقظة ، والاستعداد لما خلقوا له.
والثاني : مثال أهل الخيانة.
والثالث : مثال لأهل الغفلة .
فالأول : إذا تحرك أو سكن ، أو قام أو قعد ، أو أكل أو شرب ، أو نام ، أو لبس ، أو نطق ، أو سكت كان كله له لا عليه ، وكان في ذكر وطاعة وقربة ومزيد .
Sayfa 5