ولم يكن هذا الاهتمام بالخيل من العرب للزينة أو التفاخر، فقد كانت وسيلتهم إلى العزة والنصر، فالعربي كما أسلفت أبيّ بطبعه، محارب مقدام بحكم ظروف حياته، وامتلاكه فرسا أصيلة سابقة يعني الفوز والغلبة في قراعه غازيا أو مدافعا. . يؤكد ذلك ما جادت به قرائح الفرسان مما يترجم عن الصلة بينهم وبين أفراسهم، تلك الصلة التي يمتزج فيها شعور المحبة والإعجاب بشعور المصير الواحد، فغلبة أحدهما نجاة للآخر، وخذلان أحدهما إنما هي النهاية المحتومة لرفيق حياته. . وقد عبر شداد بن معاوية العبسي أبو عنترة عن هذا الموقف بقوله:
جزى الله الأغرّ جزاء صدق ... إذا ما أوقدت نار الحروب
يقيني بالجبين ومنكبيه ... وأحميه بمطّرد الكعوب (١)
لهذا فإنه حين يفضّله على فتاته، ويرفعه فوق استنكار زوجه، ويقدّمه على أبنائه، فما ذاك سوى لأنه عدته في حماية من يلوذ به، وصونهن من السبي والهوان، وهو مصير قائم في كل يوم وليلة. . وفي ذلك يقول الأعرج الطائي في فرسه الورد:
أرى أمّ سهل ما تزال تفجّع ... تلوم وما أدري علام توجّع
تلوم على أن أعطي الورد لقحة ... وما تستوي والورد ساعة تفزع
إذا هي قامت حاسرا مشمعلّة ... نخيب الفؤاد رأسها ما تقنّع
وقمت إليه باللجام ميسّرا ... هنا لك يجزيني الذي كنت أصنع (٢)
فهو يذكّرها بواحدة من صور الهوان لا تجهلها ليبلغ من تهدئة ثورتها على الفرس ما يريد.
وكما أن فرسه وسيلته للحماية والدفاع، فهي كذلك عدته للإغارة
_________
(١) الغندجاني (الأغرّ) برقم (١٠).
(٢) الغندجاني (الورد) برقم (٧٩٦).
1 / 19