Asma Allah wa-Sifatuhu wa-Mawqif Ahl al-Sunnah Minha
أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنه منها
Yayıncı
دار الشريعة
Baskı Numarası
١٤٢٤هـ
Yayın Yılı
٢٠٠٣م الطبعة الأولى
Türler
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم١
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا،
من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرًا، ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، بلسانه، ويده، وماله، حتى أتاه اليقين فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
_________
١ تنبيه: هذه الرسالة كانت عبارة عن محاضرة لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ﵀ قد ألقاها فضيلته ثم طبعت في "مجموع الفتاوى" له وتم فصلها وطباعتها مفردة في حياة الشيخ رحمه الله تعالى.
1 / 5
أما بعد:
أيها الأخوة الحاضرون فإني أذكركم ونفسي بما أنعم الله به على هذه البلاد من نعمة الإسلام قديمًا وحديثًا، هذه البلاد التي كانت محل الرسالة رسالة محمد، ﷺ، خاتم النبيين الذي بعث إلى الناس كافة، بل إلى الجن والإنس.
هذه البلاد التي كما بدأ منها الإسلام فإليها يعود كما ثبت به الحديث عن النبي، ﷺ، حيث قال: "إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها" ١.
هذه البلاد التي لا أعلم والله شاهد على ما في قلبي لا أعلم بلًادًا إسلامية في عصرنا أقوي منها تمسكًا بدين الله لا بالنسبة لشعبها، ولكن بالنسبة لشعبها ومن ولاة أمرها. وهذه النعمة الكبيرة أيها الأخوة إذا لم نشكرها فإنها كغيرها من النعم توشك أن تزول.
يوشك أن يحل بدل الإيمان الكفر، وبدل الإسلام الاستكبار، إذا لم نقيد هذه النعمة بالمحافظة عليها وحمايتها والمدافعة دونها.
_________
١ أخرجه البخاري رقم ١٨٧٦ ومسلم رقم ١٤٧.
1 / 6
أيها الأخوة.. إن هذه البلاد بما أنعم الله به عليها من هذه النعمة العظيمة، وهي نعمة الإسلام أولًا وأخيرًا كانت مركزًا لتوجيه الضربات عليها من أجل صد أهلها عن دينهم، ليس في الأخلاق فحسب ولكن في الأخلاق والعقائد، ولذلك كان لزامًا على شبابها وأخص الشباب لأسباب ثلاثة: لأنهم رجال المستقبل، ولأنهم أقوى عزيمة، وأشد حزمًا ممن بردت أنفسهم بالشيخوخة، ولأنهم الذين تركز عليهم هذه الضربات.
إنني أوجه إلى الشباب أن يحموا بلادهم من كيد أعدائهم، فإن أعدائهم يوجهون الضربات تلو الضربات ليقضوا على هذه المنة العظيمة التي من الله بها علينا ألا وهي دين الإسلام.
أيها الشاب: استعينوا بالله – ﷾ بما علمكم من شريعته، ثم بحكمة الشيوخ ذوي الثقة، والأمانة والعلم، والبرهان، فاستعينوا بذلك على حماية بلادكم من كيد أعدائها، وأعلموا أن الدنيا لن تكون حياة طيبة إلا بالإيمان، والعمل الصالح.
1 / 7
كما قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:٩٧] .
أيها الأخوة: إن المشكلات في عصرنا هذا كثيرة وإني اخترت الكلام في:
"أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنة منها"
ولعل الكثير منكم يقول: لماذا اخترت هذا الموضوع بالذات، ألسنا كلنا وبالأخص أهل هذه الجزيرة، ألسنا كلنا نؤمن بأسماء الله وصفاته عما يليق به، ولا نتعرض لها بتحريف، ولا تعطيل؟! أليست العجوز منا، والشيخ، والصغير، والذكر، والأنثى، كل على حد سواء لا يجول في أفكارهم شيء من التحريف أو الانحراف في أسماء الله وصفاته. فلماذا اخترت هذا الموضوع بالذات؟
وإن جوابي على هذا أن أقول: إنني اخترت هذا الموضوع لأمرين هامين:
أحدهما: أهمية الموضوع، فإن هذا الموضوع ليس كما يظن بعض الناس، ولا أعني ببعض الناس عامتهم، بل حتى
1 / 8
بعض طلبة العلم يظنون أن البحث في هذا الباب – في باب أسماء الله وصفاته – ليس بذي قيمة تذكر، والحقيقة أن هذا الفكر فكر خاطيء، لأن معرفة الله تعالى بأسمائه وتوحيده بذلك، وصفاته هو أحد أقسام التوحيد الثلاثة:
فقد قسم أهل العلم التوحيد إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: توحيد الربوبية.
والثاني: توحيد الألوهية.
والثالث: توحيد الأسماء والصفات.
إذن فهو عنصر هام في باب التوحيد يجب علينا أن نعرفه، كما أنه أيضًا أعني معرفة الأسماء والصفات هو أحد أركان الإيمان بالله فإن الإيمان بالله لايتم إلا بأربعة أمور:
أحدها: الإيمان بوجوده تعالى.
والثاني: الإيمان بربوبيته، وعموم ملكه، وقوة سلطانه.
والثالث: الإيمان بألوهيته، وأنه وحده المستحق للعبادة، وأن ما سواه فعبادته باطلة.
1 / 9
أما الأمر الرابع من أركان الإيمان بالله التي لا يمكن أن يتم الإيمان بالله إلا بها وهو موضوع محاضرتنا هذه، فهو الإيمان بأسماء الله وصفاته.
إنني لا أتصور أن أكون أحدًا يمكن أن يعبد ربًا لأ يعرف أسماءه وصفاته
وكيف يكون ذلك وهو يمد يديه له: يارب، يارب، إذا كان لايعلم أن له صفات وأسماء يدعى بها؟ فكيف يتخذه إلهًا قادرًا، ملجئًا ومعاذًا، ونصيرًا
ولهذا قال إبراهيم الخليل لأبيه ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم:٤٢] .
فمعرفة أسماء الله وصفاته أمر مهم في دين الله ولابد أن يعرفه الإنسان ويحققه.
أما السبب الثاني لاختياري هذا الموضوع: فهو كثرة الكلام فيه بالباطل في الآونة الأخيرة، كنا في وقت الطلب نقرأه على أنه أمر بعيد عنا زمنا، ومكانا.
ولكننا وجدناه الآن فيه بيننا في الصحف المقرؤة، وكذلك في الكتب المقررة في بعض جهات التعليم.
1 / 10
إذن لابد أن نعرف موقف أهل السنة والجماعة بالنسبة لأسماء الله وصفاته، حتى نكون يقظين حذرين، وعالمين بما نحكم به فيما ينشر أو فيما يقرر.
فالكلام في أسماء الله وصفاته في الآونة الأخيرة كثر اللغط فيه، وكثر القول فيه بالحق تارة، وبالباطل تارات.
ولهذا لابد أن نحقق هذا الأمر تحقيقًا بالغًا حتى لا تجرف بنا الأهواء أو الأفكار التي على خطأ، وليست على صواب هذا الأمر.
وإني ألخص الكلام في العناصر التالية:
العنصر الأول: في موقف أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات.
العنصر الثاني: في نصوص الأسماء والصفات.
العنصر الثالث: في العدول عن هذا الموقف.
العنصر الرابع: في أن التطرف في التنزيه يستلزم إبطال الدين كله.
1 / 11
العنصر الخامس: في أن بعض أهل التحريف، والتعطيل اعتدوا على أهل السنة والجماعة فرموهم بالتشبيه، والتمثيل، والتجسيم.
العنصر السادس: في أن أهل التحريف والتعطيل ادعوا على أهل السنة أنهم أولوا بعض النصوص ليلزموا أهل السنة بالتأويل في يقية النصوص أو بالمداهمة وفي إبطال هذه الدعوى.
العنصر الأول: موقف أهل السنة في أسماء الله – ﵎ -: أسماء الله تعالى كل ما سمى به نفسه في كتابة، أو سماه به أعلم الخلق به رسوله محمد، ﷺ. وموقف أهل السنة من هذه الأسماء أنهم يؤمنون بها على أنها أسماء لله تسمى بها الله عزوجل، وأنها أسماء حسنى ليس فيها نقص بوجه من الوجوه كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:١٨٠] .
العنصر الأول: موقف أهل السنة في أسماء الله – ﵎ -: أسماء الله تعالى كل ما سمى به نفسه في كتابة، أو سماه به أعلم الخلق به رسوله محمد، ﷺ. وموقف أهل السنة من هذه الأسماء أنهم يؤمنون بها على أنها أسماء لله تسمى بها الله عزوجل، وأنها أسماء حسنى ليس فيها نقص بوجه من الوجوه كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:١٨٠] .
1 / 12
فهم يثبتون الأسماء على أنها أسماء لله، وبثبتون أيضًا ما تضمنته هذه الأسماء من الصفات.
فمثلًا من أسماء الله "العليم" فيثبتون العليم اسمًا لله – ﷾، ويقولون: يا عليم. فيثبتون أنه يسمى بالعليم ويثبتون بأن العلم صفة له دل عليها اسم العليم، فالعليم اسم مشتق من العلم، وكل اسم مشتق من معنى فلابد أن يتضمن ذلك المعنى الذي أشتق منه، وهذا أمر معلوم في العربية واللغات جمعيًا.
ويثبتون كذلك ما دل عليه الاسم من الأثر إن كان الاسم مشتقًا من مصدر متعدي.
فمثلًا "الرحيم" من أسماء الله يؤمنون بالرحيم على أنه اسم من أسمائه، ويؤمنون بما تضمنه من صفة الرحمة، وأن الرحمة صفة حقيقية ثابتة لله دل عليها اسم الرحيم، وليست إرادة الإحسان والإحسان نفسه، وإنما إرادة الإحسان والإحسان نفسه من آثار هذه الرحمة.
كذلك يؤمنون بأثر هذه الرحمة من يستحقها.
1 / 13
كما قال تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ [العنكبوت:٢١] .
هذه قاعدة أهل السنة والجماعة بالنسبة للأسماء:
أولا: يؤمنون بأنها أسماء تسمى الله بها فيدعون الله بها.
ثانيًا: يؤمنون بما تضمنه الاسم من الصفة، لأن جميع أسماء الله مشتقة، والمشتق كما هو معروف يكون دالا على المعنى الذي اشتق منه.
ثالثًا: يؤمنون بما تضمنه الاسم من الأثر إذا كان الاسم متعديًا كالعليم، والرحيم، والسميع، والبصير.
أما إذا كان الاسم مشتقًا من مصدر لازم فإنه لا يتعدى مسماه مثل الحياة فالله تعالى من أسمائه "الحي"، و"الحي" دل على صفة الحياة، والحياة وصف للحي نفسه لا يتعدي إلى غيره.
ومثل "العظيم" فهذا الاسم والعظمة هي الوصف، والعظمة وصف للعظيم نفسه لا تتعدي إلى غيره.
1 / 14
فعلى هذا تكون الأسماء على قسمين: متعدي ولازم.
والمتعدي لا يتم الإيمان به إلا بالأمور الثلاثة:
الإيمان بالاسم، ثم بالصفة ثم بالأثر.
وأما اللازم فإنه لا يتم الإيمان إلا بإثبات أمرين:
أحدهما: الاسم. والثاني: الصفة.
أما موقف أهل السنة والجماعة في الصفات فهو: إثبات كل صفة وصف الله بها نفسه، أو وصفه بها رسوله محمد، ﷺ، لكن إثباتًا بلا تكييف ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، سواء كانت هذه الصفة من الصفات الذاتية أم من الصفات الفعلية.
فإذا قال قائل: فرقوا لنا بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية.
قلنا: الصفات الذاتية هي التي تكون ملازمة لذات الخالق أي انه متصف بها أزلًا وأبدًا.
والصفات الفعلية هي التي تتعلق بمشيئة فيفعلها الله تبعًا لحكمته – ﷾.
1 / 15
مثال الأول: صفة الحياة صفة ذاتية، لأن الله لم يزل ولا يزال حيًا، كما قال الله تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِر﴾ [الحديد: ٣] وفسرها النبي، ﷺ، بقوله: "أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء" ١.
وقال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ [الفرقان: ٥٨] .
كذلك السمع، والبصر، والقدرة كل هذه من الصفات الذاتية، ولا حاجة إلى التعداد لأننا عرفناها بالضابط: "كل صفة لم يزل الله ولا يزال متصفًا بها فإنها من الصفات الذاتية" لملازمتها للذات.
وكل صفة تتعلق بمشيئة يفعلها الله حيث اقتضتها حكمته فإنها من الصفات الفعلية.
مثال الثاني: استوائه على العرش، ونزوله إلى السماء الدنيا.
فاستواء الله على العرش من الصفات الفعلية لأنه متعلق بمشيئته.
_________
١ أخرجه مسلم رقم ٢٧١٣.
1 / 16
كما قال تعالى: ﴿إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: ٥٤] . فجعل الفعل معطوفًا على ما قبله ب"ثم" الدالة على الترتيب.
ثم النزول إلى السماء الدنيا وصفه به أعلم الخلق به رسول الله، ﷺ، حي قال: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: "من يدعوني فأستجب له. من يسألنى فأعطيه. من يستغفرني فأغفرله" ١.
وهذا النزول من الصفات الفعلية لأنه متعلق بمشيئة الله تعالى.
فأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك، ولكنهم في هذا الإيمان يتحاشون التمثيل، أو التكييف، أي أنهم لا يمكن أن يقع في نفوسهم أن نزوله كنزول المخلوقين، أو استوائه على العرش كاستوائهم، أو إتيانه للفصل بين عبادة كإتيانهم لأنهم يؤمنون بأن الله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] ويعلمون بمقتضى العقل مابين الخالق والمخلوق من التباين العظيم في الذات، والصفات، والأفعال، ولا يمكن أن يقع في نفوسهم كيف
_________
١ أخرجه البخاري رقم ١١٤٥ ومسلم ٧٥٨.
1 / 17
ينزل؟ أو كيف استوى على العرش؟ أو كيف يأتي للفصل بين عباده يوم القيامة؟ أي أنهم لا يكيفون صفاته مع إيمانهم بأن لها كيفية لكنها غير معلومة لنا، وحينئذٍ لا يمكن أبدًا أن يتصوروا الكيفية، ولا يمكن أن ينطقوا بها بألسنتهم أو يعتقدوها في قلوبهم.
يقول تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ [الاسراء:٣٦] .
ويقول: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [لأعراف:٣٣] .
ولأن الله أجل وأعظم من أن تحيط به الأفكار قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه:١١٠] .
وأنت متى تخيلت أي كيفي فعلى أي صورة تتخيلها؟!
إن حاولت ذلك فإنك في الحقيقة ضال، ولا يمكن أن تصل إلى حقيقة لأن هذا أمر لا يمكن الإحاطة به، وليس من شأن العبد أن يتكلم فيه أو أن يسأل عنه.
1 / 18
ولهذا قال الإمام مالك – ﵀ – فيما اشتهر عنه بين أهل العلم حين سأله رجل فقال: يا أبا عبد الله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥] كيف استوى؟
فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء – يعني العرق وصار ينزف عرقًا – لأنه سؤال عظيم. ثم قال تلك الكلمة المشهورة:"الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان واجب، والسؤال عنه بدعة"
وروى عنه أنه قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
فإذًا نحن نعلم معاني صفات الله، ولكننا لا نعلم الكيفية، ولا يحل لنا أن نسأل عن الكيفية ولا يحل لنا أن نكيف، كما أنه لا يحل لنا أن نمثل أو نشبه لأن الله تعالى يقول في القرآن: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] .
من أثبت له مثيلًا في صفاته فقد كذب القرآن، وظن بربه ظن السوء وقد تنقص ربه حيث شبهه وهو الكامل من كل وجه بالناقص.
1 / 19
وقد قيل:
ألم تر أن السيف ينقص قدره ... إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
وأنا أقول: هذا على سبيل التوضيح للمعنى وإلا ففرق عظيم بين الخالق والمخلوق، فرق لا يوجد مثله بين المخلوقات بعضها مع بعض.
المهم أيها الأخوة أنه يجب علينا أن نؤمن بكل ما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله، ﷺ، سواء كانت تلك الصفة ذاتية أم فعلية، ولكن بدون تكييف، وبدون تمثيل.
التكييف ممتنع، لأنه قول على الله بغير علم، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الاسراء:٣٦] .
والتمثيل ممتنع، لأنه تكذيب لله في قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] .
وقول بما لا يليق بالله تعالى من تشبيهه بالمخلوقين.
1 / 20
العنصر الثاني: في نصوص الأسماء والصفات:
المعترك بين أهل السنة وأهل البدعة في هذه النصوص، معترك يتبين به الفرق الشاسع بين أهل السنة وأهل البدعة، فأهل السنة يثبتون النصوص على حقيقتها وظاهرها اللائق بالله من غير تحريف ولا تعطيل.
هذه الطريق التي مشى عليها أهل السنة والجماعة.
واخترنا كلمة "تحريف" على كلمة "تأويل" لأن التحريف معناه باطل بكل حال ذم الله تعالى من سلكه في قوله: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [النساء: ٤٦] .
أما التأويل ففيه ما هو صحيح مقبول، وفيه ما هو فاسد مردود، والفاسد المردود هو بمعنى التحريف، ولهذا اختار شيخ الإسلام ابن تيمية – ﵀ – في العقيدة الواسطية وهي خلاصة عقيدة أهل السنة والجماعة اختار التحريف بدل التأويل وإن كان يوجد في كثير من كتب العقائد التعبير "بالتأويل".لكنهم يريدون بالتأويل ما هو بمعنى التحريف أي التأويل الذي لا دليل عليه، بل الدليل نقيضه وهذا في الحقيقة تحريف.
1 / 21
فأهل السنة والجماعة يقولون: نحن نؤمن بهذه الآيات، والأحاديث ولا نحرفها، لأن تحريفها قول على الله بغير علم من وجهين:
يتبين ذلك في قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر:٢٢] .
قال أهل السنة والجماعة: جاء ربك أي هو نفسه يجيء ﷾، لكنه مجيء يليق بجلاله وعظمته لا يشبه مجيء المخلوقين، ولا يمكن أن نكيفه، وعلينا أن نضيف الفعل إلى الله كما أضافه الله إلى نفسه. فنقول: إن الله تعالى يجيء يوم القيامة مجيئًا حقيقيًا يجيء هو نفسه، وقال أهل التحريف معناه: وجاء أمر ربك.
وهذا جناية على النص من وجهين:
الوجه الأول: نفي ظاهره فأين لهم العلم من أن الله تعالى لم يرد ظاهره.
هل عندهم علم من أن الله لم يرد ظاهره ما أضافه لنفسه؟! والله تعالى يقول عن القرآن إنه نزله ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء:١٩٥] .
1 / 22
فعلينا أن نأخذ بدلالة هذا اللفظ حسب مقتضى هذا اللسان العربي المبين.
فمن أين لنا أن يكون الله تعالى لم يرد ظاهر اللفظ؟! فالقول بنفي ظاهر النص قول على الله بغير علم.
الوجه الثاني: إثبات معنى لم يدل إلى ظاهر اللفظ، فهل عنده علم أن الله تعالى أراد المعنى الذي صرف ظاهر اللفظ إليه؟! هل عنده علم أن الله أراد مجيء أمره؟! قد يكون المراد جاء شيء آخر ينسب إلى الله غير الأمر.
فإذا كل محرف أي كل من صرف الكلام عن ظاهره بدون دليل من الشرع فإنه قائل على الله بغير علم من وجهين:
الأول: نفيه ظاهر الكلام.
الثاني: إثباته خلاف ذلك الظاهر.
لهذا كان أهل السنة والجماعة يتبرأون من التحريف، ويرون أنه جناية على النصوص، وأنه لا يمكن أن يخاطبنا الله تعالى بشيء ويريد خلاف ظاهره بدون أن يبين لنا.
1 / 23
وقد أنزل الله الكتاب تبيانًا لكل شيء والنبي، ﷺ، بين للناس ما أنزل إليهم من ربهم بإذن ربهم.
أما التمثيل فمن الواضح أن القول به تكذيب للقرآن، لأن الله تعالى يقول: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] .
ولهذا كان عقيدة أهل السنة والجماعة، بل طريقة أهل السنة والجماعة في نصوص الصفات من الآيات، والأحاديث، وهو إثباتها على حقيقتها وظاهرها اللائق بالله، بدون تحريف وبدون تعطيل.
وقد حكى إجماع أهل السنة على ذلك ابن عبد البر في كتابه "التمهيد".
ونقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية – ﵀ – وكذلك نقل عن القاضي أبي يعلى أنه قال: "أجمع أهل السنة على تحريم التشاغل بتأويل آيات النصوص وأحاديثها، وأن الواجب إبقاؤها على ظاهرها".
1 / 24