ففي يوم من أيام شهر فبراير (شباط) سنة 1883، جاء شفيق منزل الباشا وعلى وجهه أمارات الانقباض، فعلمت فدوى بمجيئه، فبعثت إلى والدها أن يأتي به إلى قاعة دار الحريم، فجاءا، فلما رأت فدوى شفيقا على تلك الحال بادرته بالسؤال عن السبب، فتبسم يريد إخفاء ما يخامر ضميره، فلحظت منه ذلك، فسألته عن سبب اضطرابه فقال: ليس ما يوجب الاضطراب يا عزيزتي.
فقالت (وهي تصلح طرف اليشمك): يظهر على وجهك من الاضطراب ما لا يخفى علي.
فقال مبتسما: أليس عارا على رجال الجهادية أن يضطربوا من المسير إلى الحرب؟
فقالت: وما هذا الأسلوب في خطابك؛ ألعلك ذاهب إلى الحرب؟
فقال: وعلام إذن نتقلد هذه العلامات وهذا السلاح. وأشار إلى السيف.
فرجفت تلك المسكينة وتلعثم لسانها، والتفتت إلى والدها وقد اغرورقت عيناها بالدموع قائلة: اسأله يا والدي عما يقصد بهذا؛ فإني لا أستطيع كلاما.
فقال شفيق وقد ضحك مستهزئا وامتلأت عيناه بالدموع: ليس لنا فخر يا عزيزتي إلا بالحرب. نعم، إني ذاهب إلى حرب.
قالت: وإلى أين؟
قال: إلى الأقطار السودانية.
فصاحت بالرغم عنها تندب سوء بختها: أأنت ذاهب؟ وشرعت في البكاء، فأخذ يخفف عنها ويهون عليها، ولكن عبثا كان يسعى في تخفيض اضطرابها وقد كادت تغيب عن الوجود.
Bilinmeyen sayfa