فما أتمت فدوى قراءة الكتاب إلا خارت قواها، واكفهر لون وجهها، فالتفتت إلى دليلة وقالت لها: لقد تمادى هذا الذميم تماديا ليس وراءه حد ولا نهاية، وأراك متممة لمبادئه السفلة؛ فاخرجي من هذا البيت ولا تعودي البتة عمرك كله.
فخرجت دليلة وهي تقول: يا ابنتي، ستندمين على كل هذه الأعمال.
أما فدوى فوقعت في حيرة مما قرأته من أمر الدبوس والزر، ولم تجد تفسيرا لحل تلك الرموز، إلا أنه عرف ذلك من شفيق نفسه؛ لأن ذلك محفوظ بينهما. ولما كانت تفتكر في ذلك كان يخامر فؤادها الشك في إخلاص شفيق، لكن عواطف الحب لا تصبر أن تبرئه من هذه التهمة، وتجله عن هذه الدنايا، ولكن هذه التهمة التي مست كرامة حبيبها ما كانت لتزول من بالها باليسير من الوقت، فلما رأت بخيتا أطلعته على الحكاية، فقال: لا تصدقي ما ذكره أو يذكره هذا الخائن، فإنه كاذب مخادع، فشفيق أرفع وأشرف من أن يقابل بهذا الوغد الذميم.
الفصل الخامس والثلاثون
معدات الزفاف
وبعد بضعة أيام، جاء والد فدوى، فأتى عزيز للسلام عليه، فزاد الباشا في إكرامه وتبجيله، فلما بلغ فدوى ذلك خافت سوء العقبى.
وبعد يومين من مجيء الباشا، اختلى بفدوى وفاتحها في مسألتها وأمر خطبتها لعزيز، وأطنب في مدح صفاته ومروءته، وأنه قد نجاه من الموت في الإسكندرية، إلى أن قال لها: قد سبق مني القول له أن يكون لك بعلا.
فقالت: أمر والدي لا أقدر أن أرفضه، إلا أنني أطلب إليك الإمهال في هذه المسألة.
فقال: وما الفائدة من الإمهال وقد عرفت هذا الشاب معرفة جيدة، وهو الذي أنقذني من الموت على يد أحد أصحابه؟ وفوق ذلك فهو رجل ذو ثروة واسعة، فعلام الإمهال؟
فقالت: إن البلاد الآن في خطر، والأفكار مضطربة، فهلا تمهلت في الأمر ريثما تهدأ الأحوال.
Bilinmeyen sayfa