فقال بخيت: قد دلنا لباسك على مقامك، ولكن رجال الحرب لا يصقلون شعورهم، ولا يتطيبون تطيب المخدرات، ولا يتعرضون المارة وهم حامية البلاد ودعامة الأمن، وليس فزاعة لتخويف أبناء السبيل. وايم الله، لولا احترام كسوة العسكرية التي عليك لأذقتك ما لم تذقه عمرك.
قال عزيز وهو ينتفض من الغضب والخجل: ليس من مقامي مخاطبة العبيد، وإنما أنا أخاطب سيدتك.
قال بخيت: احفظ مقامك وسر، واكفنا شر هذا اليوم.
قال عزيز: قل لسيدتك: ألعل شفيقا الذي لا يزال غرا من تلامذة المدارس أولى بالمحادثة من ضابط جهادي؟
قال بخيت وقد اشتد غضبه وغاب عن الصواب: اخسأ يا ذميم، وسر في طريقك قبل أن تذوق الوبال. قال ذلك وأمر السائق فعاد إلى البيت، وعزيز قد أذهله الفشل، وأخذه الجمود؛ لحبوط مسعاه، فلما عاد إلى صوابه لم يجزم بنفور فدوى منه؛ لأنها لم تشافهه ببنت شفة، فحمل ذلك على حذرها من بخيت؛ لئلا يطلع والدها على مكالمتها إياه.
أما فدوى فعنفت بخيتا لإطالة الكلام معه إلى هذا المقدار، فقال: يا سيدتي، إنه مؤمل - ولا أخجل أن أقول - بما يقصر عن نيله، ولا يراه في الحلم، ويخال له أن لباس الجهادية يزيده اعتبارا في عيون الناس، ولم يفطن أن المرء بأصغريه لا ببرديه، ولكن مهلا يا سيدتي، سأريه ما لم يره عمره، ولولا حرمة وجودك الآن لأذقته الهوان.
فقالت: ألا تعلم أن للجهادية هذه الأيام شأنا عظيما، ولهم الأمر والنهي، فإذا أرادوا أمرا لا يخالفهم فيه مخالف، فأخشى إذا اتصل الأمر بوالدي أن يلومنا على ذلك؛ فالإعراض أولى بنا.
قال بخيت: لا ريب أن نيل الجهادية ما طلبوه يوم حادثة عابدين يعد فوزا تاما، ولكن عرابي أخذ بعد سفره بآلايه إلى رأس الوادي يبث مبادئه في مشايخ عربان الشرقية وغيرهم، ويحثهم على الاتحاد والتحالف. وهذا ما أوجب تحذر حكومتي فرنسا وإنكلترا من هذا التظاهر. وقد علمت أنهما بعثتا إلى الجناب العالي تتبرعان بالمساعدة في كل ما يئول إلى تأييد سلطة سموه.
فقالت فدوى: وما الموجب الذي أوجب مداخلة هاتين الدولتين في مصالح البلاد؟
قال بخيت: لأن لهما على هذه الديار دينا، فيحافظان عليها محافظة على حقوقهما.
Bilinmeyen sayfa