قال: رغبة في خدمة الوطن.
قال عرابي: والله لقد أعجبني حبك للوطن المصري وأنت مغربي الأصل على ما أسمع، قال عزيز إن جدي - رحمه الله - جاء من بلاد المغرب للخدمة في جيش محمد علي باشا، فأقام في مصر واتخذها وطنا له، وأنا أعد نفسي وطنيا، فقال عرابي: بورك فيك، ولكن يطلب منك أن تتعهد بالمساعدة المالية للجهادية عند الاقتضاء خدمة لمصلحة البلاد.
فندم عزيز على إقدامه، ولكنه لم يعد يستطيع الإحجام، فلم يسعه إلا الإجابة رغما عنه، وحذرا من نقمة عرابي عليه، فقال: أنا وما أملك تحت أمر سعادتكم.
فشكره عرابي وأطنب بشهامته وقال له: إن مثلك يستحق التشرف بخدمة العسكرية. ثم أمر فكتب له كتاب إلى ناظر الجهادية يوصيه به.
فأخذ الكتاب وأتى الناظر، فوعده بإنجاز طلبه، وبعد مدة ألبسوه الحلة العسكرية بالشريطة الصفراء القصبية على الكمين؛ وهي علامة رتبة الملازم، وصار من ذلك الحين يتدرب في الحركات العسكرية.
الفصل الثالث والعشرون
التعرض في الطريق
لقد كانت فدوى - والله أعلم بحالها بعد فراق الحبيب - من اشتغال البال، وتباريح الهوى، فلا ترتاح إلا إلى ذكر الحبيب، أو استطلاع أحواله، فكانت تجتمع أحيانا بوالدته سرا، وهي لا تقدر أن تكشف لها قلبها وما يطويه من الحب لشفيق؛ مراعاة للحياء والعادة، غير أن والدة شفيق كانت تقبل بكليتها على مقابلة فدوى، والاحتفاء بها؛ حتى إنها أحبتها محبتها لشفيق. وقد اجتمع قلبهما على حب طاهر مقدس، فكانت تحدثها عن شفيق ونجاحه، وما ذكرت الجرائد الوطنية عنه، فيقضيان مدة في الأحاديث عنه.
ففي أحد الأيام، خرجت فدوى بعربتها إلى شارع العباسية لترويح النفس، وما ترويح النفس إلا أن تمر ببيت الحبيب، وترمق الحي وآله؛ للاستئناس برؤيته، وما كان استئناسها إلا بقول الشاعر:
تلفت نحو الحي حتى وجدتني
Bilinmeyen sayfa