فابتدرته بالسؤال عن القرينة الثالثة.
فقال: إن القرينة الثالثة هي هذا الكتاب الصغير، وفتح يده. فحالما شاهدت فدوى خط شفيق شهقت وارتدت إليها قوتها، وهمت إلى الورقة فاختطفتها وقلبها يخفق وفرائصها ترتعد، وأراد بخيت منعها فلم يستطع، فقرأت تلك الورقة وعيناها تكادان تطيران من اللهفة، ولم تتم القراءة حتى امتلأت عيناها بدموع الفرح والحزن، وصاحت ببخيت: ويلك! هل تظن أنه لا يزال حيا؟ قال: الأرجح، يا سيدتي، أنه حي، بإذن الله؛ لأن الذي أنقذه من مذبحة هيكس باشا لا يتخلى عنه في غيرها.
فظهر على وجهها علامات الارتياح، وطاب خاطرها، وبهتت مدة تتأمل بكتاب شفيق وتعيد قراءته ثانية وثالثة ورابعة وهي لا ترفع نظرها منه، فتجددت آمالها وقالت لبخيت: ما العمل الآن؟ وما الرأي؟
قال: الرأي أن ننتظر الفرج من عند الله؛ فإنه على كل شيء قدير.
قالت: وماذا نعمل بهذا الثقيل الذي قد سلطه الله على أفكار والدي حتى صمم على تبليغه مرامه، ولكن ... فابتدرها بخيت قائلا: قد قلت لك، يا مولاتي، إنه غير بالغ مسمارا من نعلك، ولسوف ترين من بخيت ما يسرك.
قالت: افعل ما بدا لك، ولكنني لا أرى إلا أن والدي مائل إلى موافقته في قصده.
فضحك بخيت ضحكة اغتصابية كأنه تذكر أمرا أغضبه وقال: بل قد صمم وتم اتفاقهما، ولكنه غير بالغ شيئا طالما كنت حيا ولو أتى بمنومي العالم. ثم انتبه وعض أنامله كأنه فرط منه لفظ في غير أوانه.
فقالت له فدوى: وما معنى هذا الكلام؟ ومن هم المنومون؟ فأحب كتمان ذلك، فألحت عليه حتى خاف غضبها إذا لم يخبرها، فقال لها: إن في الأطباء اليوم فئة يستخدمون التنويم المغناطيسي.
قالت: نعم، أسمع بهم، وما بعد ذلك؟
قال: ومن خواص ذلك التنويم استهواء النائم في كل ما يريده المنوم، فإذا حببه أو بغضه بشخص في حال النوم يفيق وهو على ما أراد منومه. وقد علمت من ثقة أن ذلك الخائن قد بعث إلى بلاد أوروبا يستقدم طبيبا ينومك ويستهويك حتى تحبيه.
Bilinmeyen sayfa