فقال الباشا: إلي به حالا.
قال: ولكن، يا سيدي، لا يمكننا أن ندعوه إلا بعد الظهر؛ لأنه يطبب الفقراء في بعض المستشفيات مجانا.
قال الباشا: ولكنا ندعوه من المستشفى؛ إذ لا بد من أنه يفضل المريض الذي ينقده الدرهم.
فتبسم الرجل قائلا: لا يا سيدي، إنه بالضد من ذلك يفضل تطبيب الفقراء على الأغنياء، وهذه خلة قد اشتهر بها.
فقال الباشا: يا للعجب! إني لم أسمع بمثل هذه الشهامة قط.
قال: وأزيدك عنه أنه يطبب الفقراء ويساعدهم في الحصول على الدواء وسائر الحاجيات، وكم من عائلات تنال منه الصدقات شهريا مقادير معينة!
فقال الباشا: فإذا كان لا يمكننا أن ندعوه قبل الظهر، فابعث إليه بمن يستدعيه بعد الظهر، قال: سمعا وطاعة.
فلما كانت الساعة الثالثة وقفت عربة أمام باب الفندق، فنزل منها شيخ بلباس إفرنجي في نحو السبعين من العمر يمشي على عصا، لكن من غير تحدب ولا خمول، سريع الحركة، قصير القامة، خفيف الجسم، طويل اللحية، خفيفها، وعلى عينيه النظارات، فاستقبله صاحب الفندق وأخبر الباشا أن الطبيب قد حضر، فخرج الباشا لاستقباله، فسار به إلى غرفة الاستراحة، فآنس الباشا به فوق ما سمع عنه من اللطف والدعة، فأثنى عليه ثناء جميلا إلى أن قال: إني وددت لو أكون مريضا فأتمتع بتطبيبك. إن حديثك لأشهى من الترياق، فلم يجب الحكيم عن هذا المدح فرارا من مدح آخر.
فبعد أن تحادثا قليلا قال الباشا: قد دعوتك يا حضرة الحكيم لأستشيرك في أمر، وقد جرأتني أخلاقك الشريفة أن أطلعك على سر لم أطلع عليه أحدا في هذه المدينة.
فقال الحكيم: قل ما بدا لك.
Bilinmeyen sayfa