Arkanda Bıraktığın Şeyler: John Ravenscroft'un Seçme Öyküleri
الأشياء التي تركتها وراءك: مختارات قصصية لجون ريفنسكروفت
Türler
ظهرت بادرات التجديد عبر أعمال تعتمد التجريب في محاولة التعبير عن أزمة الإنسان الروحية في العصر الصناعي الحديث، عن نوازعه النفسية وأعماقه الخبيئة ومزاجه القلق. وتجلى خط التأزم الروحي والأخلاقي في بطل كافكا الذي يعيش صراعا ضاغطا في مواجهة العالم المادي المميكن البيروقراطي الذي أحال البطل إلى صرصار في رواية «المسخ». وتزامن ذلك مع تجريب مارسيل بروست وفرجينيا وولف في تقنية الكتابة بوصفها حفرا في الذاكرة مختلطة برؤى تصنعها أحلام اليقظة عبر تفتيت الزمن والأحداث وانتثار وتشظي الوقائع إلى دقائق صغيرة، فيما عرف بتيار الوعي الذي حاول رسم الرؤى والمشاعر والذكريات التي تفيض بها عقول الشخوص وقد برعت فيه وولف مع إضافة تقنية الرمز لتؤكد هشاشة العلاقات الإنسانية في عالم انهارت قيمه الاجتماعية، كما نلمح في العديد من أعمالها مثل «صوب المنارة، وبين فصول العرض». كما أثرت الحركة الوجودية بشكل كبير على الأدب في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، فظهرت أعمال تكرس عبثية الحياة وتشوشها ولا جدواها كما في أعمال سارتر وكامو.
تبنى الفن بعدئذ نهج هدم المسلمات القائمة في تصوراتنا عن الأشياء، إذ لا شيء محددا يمكن أن نطلق عليه واقعا إلا عبر رؤيتنا له من منظورات متباينة تبعا للظرف والعين الراصدة وزوايا النظر. وقد ترتب على ذلك تطور في الأدوات الفنية فيما يتعلق بالبنية السردية للنص، فأصبح السارد يعتمد العبارات المبتسرة الحادة المتشظية محاولا الوصول إلى شيء من الحيادية في رصد العالم، متخلصا من النزعة الذاتية التي تخالط عادة الأعمال الأدبية. حاول بعض المبدعين تنحية النوازع البشرية من حب وكراهية وانفعالات وثورية تاركا للقارئ حرية بناء رؤاه الخاصة. وظل التجريب في الأدب معنيا طوال الوقت بالبحث عن أشكال جديدة تناسب العصر. وقد ترافق مع هذا التوجه بروز تيارات عالمية في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين في فن السرد الذي غدا يمتلك القدرة العالية على الإيحاء رغم التصاقه الشديد بالواقع، والذي قد يجمع بين الوثائقية والانغماس المفرط في التفاصيل الصغيرة التافهة حد الملل، ثم المرور العابر على الأحداث الكبرى مثلما نجد في رواية «العطر» الشهيرة لزوسكيند.
ما الذي فجر هذا التغير تحديدا؟ هل هموم الإنسان ذاته (كموضوع)، أم إن الذي تغير هو رؤية المبدع (كفاعل) لموضوعه وطرائق توسله الجماليات الفنية الجديدة لبناء هيكله الدرامي؟ أم إن الثورة الصناعية واشتعال الحروب الكونية، ودخول الحرب الكيماوية (تلك التي أبرزت نزعة الإنسان الوحشية التدميرية) ضمن تقنية الحرب العالمية الأولى وتبدل خريطة العالم كان لها انعكاسها المنطقي على الفن باعتباره انعكاسا لمجريات الحياة؟
القرن العشرون يعكس سمات التناقض الشديدة في الإنسان. إذا ما تأملنا المنجزات الصناعية والتكنولوجية الكبرى سيما الثورة النووية ثم الرقمية التي أنتجتها عقول لامعة من العلماء من جهة، والتي تزامنت مع، وربما أدت إلى، النزعات السيادية التخريبية الكبرى التي تجلت في الحروب ومحاولة الاستئثار بالهيمنة على العالم من جهة أخرى، تزامنا مع العديد من النظريات الوضعية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أنتجتها مجمل الفلسفات الحديثة على تناقضها، ثم المناداة بسقوط مجمل السلطات الفكرية والدينية، لاكتشفنا كم هو قرن ثري غرائبي مشحون بالمفارقات. وكان بديهيا أن يتأثر الفن بوجه عام بكل تلك الالتباسات والهزات التي خلخلت ثوابت الإنسان التي كانت زرعتها، إلى حد بعيد، العقائد الدينية.
إلى أي مدى انزاحت طرائق تناول الكاتب لهموم الإنسان سياسيا واجتماعيا ووجوديا منذ الكلاسيكية كما في «الحرب والسلام» لتولستوي أو حتى «الدون الهادئ» لشولوخوف، رغم انزياحها قليلا عن الواقعية الاشتراكية بمعناها المثالي بالمفهوم الأدبي النقدي، وحتى الآن؟
إلى أي مدى تبنى المبدعون مبدأ الفن للفن الذي بدأ التنظير له إدجار آلان بو، وإن اكتفى بالتنظير ولم يتجل ذلك كثيرا في سرده وشعره، عوضا عن مبدأ الفن ذي الرسالة المحمل بأثقال القضايا وهموم المجتمع والوطن؟ وكيف يحاول كتاب اليوم عمل معادلة محسوبة تجمع بين المبدأين الواقفين على طرفي النقيض؛ بحيث لا تطغى الأيديولوجيا على الفن، أو يحلق الفن منفصلا عن الحياة والأرض؟ هل من الممكن حقا الوقوف على أرض سواء بين الفن والرسالة؟
ربما عبر هذه المجموعة ومقارنتها مع معيننا المدخر من قراءاتنا المتراكمة يمكننا أن نقف على إجابة للسؤال التالي: كيف عبر قلم المبدع عن محنة الإنسان عبر الزمن؟ هل تغيرت رؤية المبدع للوجود؟ أم إن الذي تغير هو شكل التعبير عن تلك الرؤية؟ هل تغير «البطل» المروي عنه من الفارس إلى «المهمش» المطحون الذي لم يكن ليغري الكتاب القدامى بتبنيه كموضوع؟ هل تباينت أزمات الإنسان منذ بداية القرن الماضي وحتى نهايته؟ خلال فترة خاض خلالها حربين كونيتين، وتغيرت ملامح الخارطة؟ فترة صنع فيها الإنسان وعاش تحولات سياسية واجتماعية وتكنولوجية وثقافية وفلسفية وفكرية كبرى، قرن من الزمان نشأت خلاله مدارس وانهدمت أخرى، كيف تبدل الإنسان وكيف تبدلت همومه وأحلامه؟
والأهم من ذلك كيف تبدلت العين الراصدة له: عين المبدع؟
فاطمة ناعوت
مدينة الرحاب
Bilinmeyen sayfa