ويعد امرؤ القيس أفحل شعراء الجاهلية وإمامهم ويقولون إنه كان أول من ابتدأ في شعره بذكر طلول محبوبته وباليقين في الأوصاف حتى إنه بلغ في ذلك مبلغًا عظيمًا وانه طبع في كل قصيدة من قصائده صورًا كثيرة من حياة البدو أنشدها على نسق واحد بديع مقبول فإن تشبيهات واستعاراته حسنة جدًا ولم يصل أحد إلى ما وصل إليه امرؤ القيس في المديح والهجو وأحسن صنعة في شعره هو وصفه جواده، فليس له في ذلك مثيل، ولذلك ضرب المثل بامرئ القيس إذا ركب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب وهو أحد الأربعة الذين وقع الاتفاق على أنهم أشعر شعراء العرب: امرؤ القيس والنابغة وزهير والأعشى واختلفوا في أيهم أشعر وأحسن ديباجة شعر والأكثرون على أنه امرؤ القيس.
قال لبيد: أشعر الناس ذو القروح. وقال الفرزدق: كان الشعر جملًا فنحر فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه. وقال جرير: اتخذ الخبيث الشعر نعلين.
وقال رسول الله ﷺ في امرئ القيس: إنه يقدم بلواء الشعر إلى النار. وقال علي بن أبي طالب: رأيت امرأ القيس أحسن الشعراء نادرة وأسبقهم بادرة وأنه لم يقل لرغبة ولا لرهبة.
وقد أجاد امرؤ القيس في الغزل والوصف ووصف الخيل والصيد وتشبيه النساء بالظباء والمها إلى غير ذلك مما ابتكره من معان واهتدى إليه من أغراض. وله أبيات وقصائد غير صحيحة النسبة إليه وينكر بعض الرواة أبياته في معلقته:
وقربة قوم قد جعلت عصامها ... على كاهل مني ذلول مرحل
إلى آخر هذه الأبيات.
آراء النقاد في شعره
أقبل قوم من أهل اليمن يريدون النبي ﷺ فضلوا الطريق ووقعوا على غيرهما ومكثوا ثلاثًا لا يجدون الماء، ثم أقبل راكب فسمع بعضهم ينشد:
ولما رأت أن الشريعة همها ... وأن البياض من فرائصها دامي
تيممت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظل عرمضها طامي
فقال: من يقول هذا؟ قيل امرؤ القيس. قال: والله ما كذب هذا عارض عندكم. وأشار لهم إليه فوصلوه فإذا ماء عذب وإذا عليه العرمض والظل يفيء عليه فشربوا منه وحملوا ولما أتوا النبي قالوا يا رسول الله أحيانا الله ﷿ ببيتين من شعر امرئ القيس وأنشدوهما. فقال ﷺ: "ذلك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها متسي في الآخرة خامل فيها يجيء يوم القيامة معه لواء الشعر إلى النار".
وسأل العباس بن عبد المطلب عمر بن الخطاب عن الشعراء، فقال امرؤ القيس سابقهم خسف لهم عين الشعر فافتقر من معان عور أصح بصر.
وقال علي بن أبي طالب: "رأيت امرأ القيس أحسن الشعراء نادرة وأسبقهم بادرة وأنه لم يقل لرغبة ولا رهبة".
ومر لبيد بالكوفة على مجلس وهو يتوكأ على محجن له فسألوه عن أشعر العرب فقال: الملك الضليل ذو القروح.
وسئل جرير رأيه في امرئ القيس فقال: "اتخذ الخبيث الشعر نعلين"، وهذا رأي يمثل اقتدار امرئ القيس على الشعر وشدة تمكنه منه.
وقيل للفرزدق من أشعر الناس يا أبا فراس؟ فقال: ذو القروح. قيل حين يقول ماذا؟ قال: حين يقول:
وقاهم جدهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب
وقال ابن يحيى: سمعت من لا أحصى من الرواة يقولون: "أحسن الناس ابتداء في الجاهلية امرؤ القيس حيث يقول: "ألا عم صباحًا أيها الطلل البالي"؛ وحيث يقول: "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل"؛ وفي الإسلام القطامى حيث يقول: "إنا محيوك فاسلم أيها الطلل"؛ ومن المحدثين بشار حيث يقول:
أبى طلل بالجزع أن يتكلما ... وماذا عليه لو أجاب متيما
وقال بشار: لم أزل منذ سمعت قول امرئ القيس في تشبيهه بشيئين في بيت واحد حيث يقول:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي
أعمل نفسي في تشبيه شيئين بشيئين في بيت واحد حتى قلت:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
وكان أبو عبيد الله بن محمد بن صفوان الجمحي يقول: أنسب بيت قالته العرب قول امرئ القيس:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتل
1 / 7