الفصل السادس
اعلم أن المشهور عن قدماء الكرامية إطلاق لفظ الجسم على الله تعالى إلا أنهم يقولون لا نريد به كونه تعالى مؤلفا من الأجزاء ومركبا من الأبعاض بل نريد به كونه تعالى غنيا عن المحل قائما بالنفس وعلى هذا التقدير فإنه يصير النزاع في أنه تعالى جسم أو لا نزاعا لفظيا هذا حاصل ما قيل في هذا الباب إلا أنا نقول كل ما كان مختصا بحيز أو جهة يمكن أن يشار إليه بالحس بذلك المشار إليه أما أن لا يبقى منه شيء في جوانبه الست وإما أن يبقى فإن لم يبق منه شيء في جوانبه الست فهذا يكون كالجوهر الفرد وكالنقطة التي لا تتجزأ ويكون في غاية الصغر والحقارة ولا أظن أن عاقلا يرضى أن يقول إن إله العالم كذلك وأما إن بقي شيء في جوانبه الست أو في أحد هذه الجوانب فهذا يقتضي كونه مؤلفا مركبا من الجزءين أو أكثر وأقصى ما في الباب أن يقول قائل إن تلك الأجزاء لا تقبل التفرق والإنحلال إلا أن هذا لا يمنع من كونه في نفسه مركبا مؤلفا كما أن الفلسفي يقول الفلك جسم ألا أنه لا يقبل الخرق والالتآم فإن ذلك لا يمنعه من إعتقاد كونه جسما طويلا عريضا عميقا فثبت أن هؤلاء الكرامية لما اعتقدوا كونه تعالى مختصا بالحيز والجهة ومشارا إليه بحسب الحس واعتقدوا أنه تعالى ليس في الصغر والحقارة مثل الجوهر الفرد والنقطة التي لا تتجزأ أوجب أن يكونوا قد اعتقدوا أنه تعالى ممتد في الجوانب أو في بعض الجوانب ومن قال ذلك فقط اعتقد كونه مركبا مؤلفا فكان امتناعه عن إطلاق لفظ المؤلف والمركب امتناعا عن مجرد هذا اللفظ مع كونه معتقدا لمعناه فثبت أنهم إنما أطلقوا لفظ الجسم لأجل أنهم اعتقدوا كونه تعالى طويلا عريضا عميقا ممتدا في الجهات فثبت أن امتناعهم عن هذا الكلام لمحض التقية والخوف وإلا فهم يعتقدون كونه تعالى مركبا مؤلفا فهذا تمام الكلام في القسم الأول من هذا الكتاب وهو القسم المشتمل على الوجوه العقلية وبالله التوفيق
Sayfa 65