الشبهة الثالثة للكرامية في إثبات كونه تعالى في الجهة قالوا ثبت أنه تعالى تجوز رؤيته والرؤية تقتضي مواجهة المرئي أو شيئا هو في حكم مقابلته وذلك يقتضي كونه تعالى مخصوصا بجهة والجواب اعلم أن المعتزلة والكرامية توافقتا في أن كل مرئي لا بد وأن يكون في جهة إلا أن المعتزلة قالوا لكنه ليس في الجهة فوجب أن لا يكون مرئيا والكرامية قالوا لكنه مرئي وجب أن يكون في الجهة وأصحابنا رحمهم الله نازعوا في هذه المقدمة وقالوا لا نسلم أن كل مرئي فإنه مختص بالجهة بل لا نزاع في أن الأمر في الشاهد كذلك لكن لم قلتم أن ما كان كذلك في الشاهد وجب أن يكون في الغائب كذلك وتقريره أن هذه المقدمة إما أن تكون مقدمة بديهية أو إستدلالية فإن كانت بديهية لم يكن في إثبات كونه تعالى مختصا بالجهة حاجة إلى هذا الدليل وذلك لأنه ثبت في الشاهد أن كل قائم بالنفس فهو مختص بالجهة وثبت أن الباري تعالى قائم بالنفس فوجب القطع بأنه مختص بالجهة لأن العلم ضروري حاصل بأنه كل ما ثبت في الشاهد وجب أن يكون في الغائب كذلك فإذا كان هذا الوجه حاصلا في إثبات كونه تعالى في الجهة كان كونه تعالى في الجهة كان إثبات كونه تعالى في الجهة بكونه مرئيا ثم إثبات أن كل ما كان مرئيا فهو مختص بالجهة تطويل من غير فائدة ومن غير مزيد شرح وبيان وأما أن قولنا أن كل مرئي فهو مختص بالجهة ليست مقدمة بديهية بل هي مقدمة إستدلالية فحينئذ ما لم يذكروا على صحتها دليلا لا تصير هذه المقدمة يقينية وأيضا إنا كما لا نعقل مرئيا في الشاهد إلا إذا كان مقابلا أو في حكم المقابل للرائي فكذلك لا نعقل مرئيا إلا إذا كان صغيرا أو كبيرا أو ممتدا في الجهات أو مؤتلفا من الأجزاء وهم يقولون أنه تعالى يرى لا صغيرا ولا كبيرا ولا ممتدا في الجهات والجوانب والأحياز فإذا جاز لكن أن تحكموا بأن الغائب مخالف للشاهد في هذا الباب فلم لا يجوز أيضا أن المرئي في الشاهد وإن وجب كونه مقابلا للرائي إلا أن المرئي في الغائب لا يجوز أن يكون كذلك
الشبهة الرابعة تمسكوا برفع الأيدي إلى السماء قالوا وهذا شيء يفعله أرباب النحل فدل على أنه تقرر في جميع عقول الخلق كون الإله في جهة فوق
الجواب أن هذا معارض بما تقرر في جميع عقول الخلق أنهم عند تعظيم خالق العالم يضعون جباهم على الأرض ولما لم يدل هذا على كون خالق العالم في الأرض لم يدل ما ذكروه على أنه في السماء وأيضا فالخلق إنما يقدمون على رفع الأيدي إلى السماء لوجوه أخرى اعتقادهم أن خالق العالم في السماء
الأول أن أعظم الأشياء نفعا للخلق ظهور الأنوار وأنه إنما تظهر من جانب السموات
والثاني أن مبنى حياة الخلق على استنشاق النفس وليس ذلك الإستنشاق إلا من الهواء والهواء ليس إلا موجودا فوق الأرض فلهذا السبب كان فوق الأرض أشرف مما تحت الأرض
الثالث أن نزول الغيث من جهة الفوق ولما كانت هذه الأشياء التي هي منافع الخلق إنما تنزل من جانب السموات ولا جرم كان ذلك الجانب عندهم أشرف وتعلق الخاطر بالأشرف أقوى من تعلقه بالأخس وهذا هو السبب في رفع الأيدي إلى السماء وأيضا أنه تعالى جعل العرش قبلة لدعائنا كما جعل الكعبة قبلة لصلاتنا وأيضا أنه تعالى جعل الملائكة وسائط في مصالح هذا العالم قال تعالى
ﵟفالمدبرات أمراﵞ
وقال تعالى
ﵟفالمقسمات أمراﵞ
وأجمعوا على أن جبريل عليه السلام ملك الوحي والتنزيل والنبوة وميكائيل ملك الأرزاق وملك الموت ملك الوفاة وكذا القول في سائر الأمور وإذا كان الأمركذلك لم يبعد أن يكون الغرض من رفع الأيدي إلى السماء رفع الأيدي إلى الملائكة وبالله التوفيق
Sayfa 64