أما المقدمة الأولى فهي أن نقول قولنا إن كل موجودين في الشاهد لا بد وأن يكون أحدهما محايثا للآخر أو مباينا عنه بجهة حكم لا بد له من علة يحتاج إلى دليل والدليل عليه هو أن المعدومات لا يصح فيها هذا الحكم وهذه الموجودات يصح فيها هذا الحكم فلولا إمتياز ما صح فيه هذا الحكم عما لا يصح فيه الحكم بأمر من الأمور لما كان هذا الإمتياز واقعا
وأما المقدمة الثانية وهي في بيان أن هذا الحكم لا يمكن تعليله بخصوص كونه جوهرا ولا بخصوص كونه عرضا فالدليل عليه أن المقتضى لهذا الحكم لو كان هو كونه جوهرا لصدق على الجوهر أنه منقسم إلى ما يكون محايثا لغيره وإلى ما يكون مباينا عنه ومعلوم أن ذلك محال لأن الجوهر يمنع أن يكون محايثا لغيره وبهذا الطريق تبين أن المقتضى لهذا الحكم ليس كونه عرضا لامتناع أن يكون العرض مباينا لغيره بالجهة
المقدمة الثالثة في بيان أن هذا الحكم غير معلل بالحدوث ويدل عليه وجوه
الأول أن الحدوث عبارة عن وجود سبقه العدم والعدم غير داخل في العلة وإذا سقط العدم عن درجة الإعتبار لم يبق إلا الوجود
والثاني وهو الذي عول عليه ابن الهيصم في المناظرة التي زعم أنها دارت بينه وبين ابن فورك رحمه الله تعالى لو كان هذا الحكم معللا بالحديث لكان الجاهل بكون السماء محدثة يجب أن يكون جاهلا بأن السماء بالنسبة إلى سائر الموجودات التي في هذا العالم إما أن تكون محايثة لها أو مباينة عنها بالجهة لأن المقتضي للحكم إذا كان أمرا معينا فالجاهل بذلك المقتضى يجب أن يكون جاهلا بذلك الحكم ألا ترى أن الوجود لما كان هو المستدعى للتقسيم إلى القديم والمحدث لا جرم كان إعتقاد أنه غير موجود مانعا من التقسيم بالقدم والحدوث ولما كان التقسيم إلى الأسود والأبيض معلقا بكونه ملونا كان إعتقاد أن الشيء غير ملون مانعا من إعتقاد التقسيم إلى الأسود والأبيض ولما رأينا أن الذي يعتقد قدم السموات والأرضين لا يمنعه ذلك من إعتقاد أن السموات والأرضين إما أن تكون محايثة وإما أن تكون مباينة بالجهة علما أن هذا الحكم غير معلل بالحدوث
Sayfa 55