البرهان السابع أنه تعالى لو كان مختصا بالجهة والحيز لكان عظيما لأنه ليس في العقلاء من يقول إنه مختص بجهة ومع ذلك فإنه في الحقارة مثل النقطة التي لا تنقسم ومثل الجزء الذي لا يتجزأ بل كل من قال مختص الجهة والحيز قال إنه عظيم في الذات وإذا كان كذلك فنقول الجانب منه يحاذي يمين العرش إما أن يكون هو الجانب الذي منه يحاذي يسار العرش أو غيره والأول باطل لأن إن عقل ذلك فلم لا يعقل أن يقال إن يمين العرش عين يسار العرش حتى يقال العرش على عظمته مثل الجوهر الفرد والجزء الذي لا يتجزأ وذلك لا يقوله عاقل والثاني أيضا باطل لأن على هذا التقدير يكون ذات الله تعالى مركبا من الأجزاء ثم تلك الأجزاء إما تكون متماثلة الماهية أو مختلفة الماهية والأول محال لأن على هذا التقدير يكون بعض تلك الأجزاء المتماثلة متباعدة وبعضها متلاقية والمثلان صح على كل واحد منهما ما يصح على الأجزاء فعلى هذا يلزم القطع بأنه يصح على المتلاقيين أن يصيرا متباعدين وعلى المتباعدين أن يصيرا متلاقيين وذلك يقتضي جواز الاجتماع والافتراق على ذات الله تعالى وهو محال
وأما القسم الثاني وهو أن يقال إن تلك الأجزاء مختلفة في الماهية فنقول كل جسم مركب من أجزاء مختلفة في الماهية فلا بد وأن ينتهي تحليل تركيبه إلى أجزاء يكون كل واحد منها مبرأ عن التركيب لأن التركيب عبارة عن اجتماع الوحدات فلولا حصول الوحدات لما عقل اجتماعها إذا ثبت هذا فنقول إن كل واحد من تلك الأجزاء البسيطة لا بد وأن يماس كل واحد منها بيمينه شيئا ويساره شيئا آخر لكن يمينه مثل يساره وإلا لكان هو في نفسه مركبا وقد فرضناه غير مركب هذا خلف وإذا ثبت أن يمينه مثل يساره وثبت أن المثلين لا بد وأن يشتركا في جمع اللوازم لزم القطع بأن ممسوس يمينه يصح أن يصير ممسوس يساره وبالعكس ومتى صح ذلك فقد صح التفرق والانحلال على تلك الأجزاء فحينئذ يعود الأمر إلى جواز الاجتماع والافتراق على ذات الله تعالى محال فثبت أن القول بكونه في جهة من الجهات يفضي إلى هذه المحالات فيكون القول به محالا وبالله التوفيق
البرهان الثامن لو كان علو الباري تعالى على العالم بالحيز والجهة لكان علو تلك الجهة من علو الباري تعالى وذلك لأن بتقدير أن يحصل ذات الله تعالى في يمين العالم أو يساره لم يكن موصوفا بالعلو على العالم أما تلك الجهة التي في جهة العلو فلا يمكن فرض وجودها خاليا عن هذا العلو فثبت أن تلك الجهة عالية عن العالم لذاتها وثبت أن الحاصل في تلك الجهة يكون عاليا لا لذاته لكن تبعا لكونه حاصلا في تلك الجهة العالية على العالم وإذا كان كذلك فحينئذ يلزم أن يكون الباري تعالى ناقصا لذاته مستكملا بغيره وذلك محال فثبت أنه يمتنع أن يكون علوه على العالم بالجهة والحيز وذلك هو المطلوب
Sayfa 53