البرهان السادس لو كان تعالى مختصا بشيء من الأحياز والجهات لكان مساويا للمتحيزات هذا محال فذلك محال بيان الملازمة أنه تعالى لو كان مختصا بحيز لكان معنى كونه شاغلا لذلك الحيز كونه بحيث يمنع غيره من أن يكون بحيث هو ولو كان كذلك لكان متحيزا وقد بينا في الفصل المتقدم أن المتحيزات بأسرها متماثلة في تمام الماهية فثبت أنه تعالى لو كان متحيزا لكان مثلا لسائر المتحيزات وإنما قلنا إن ذلك محال لأن المثلين يجب تساويهما في جميع اللوازم فيلزم إما قدم الكل وإما حدوث الكل وذلك محال فإن قيل حصول الشيء في الحيز وكونه مانعا لغيره عن أن يحصل بحيث هو حكم من أحكام الذات ولا يلزم الاستواء في الأحكام واللوازم الاستواء في الماهية والجواب عنه من وجهين
الوجه الأول
الأول أن المتحيز له أحكام ثلاثة أحدها أنه حاصل في الحيز شاغل له
والثاني كونه مانعا لغيره من أن يحصل بحيث هو
والثالث كونه بحال لو ضم إليه مثال له حجم كبير ومقدار عظيم ولا شك أن كل ما يحصل في حيز فقد حصل له هذه الأمور الثلاثة إلا أن الذات الموصوف بهذه الأحكام الثلاثة لا بد وأن يكون في نفسه الحجمية والمقدار في نفسه وهذا المعنى معقول مشترك بين كل الأحجام ثم إنا دللنا على أن هذا المفهوم المشترك يمتنع أن يكون صفة لشيء آخر بل لا بد وأن يكون ذاتا وإذا كان كذلك فالمتحيزات في ذواتها متماثلة والاختلاف إنما وقع في الصفات وحينئذ يحصل التقريب المذكور
والوجه الثاني أن السؤال الذي ذكرتم إن صح فحينئذ لا يمكنكم القطع بتماثل الجواهر لاحتمال ان يقال الجواهر وإن اشتركت في الحصول في الحيز إلا أن هذا الاشتراك في حكم من الأحكام والاشتراك في الحكم لا يقتضي الاشتراك في الماهية وإذا لم يثبت كون الجواهر متماثلة فحينئذ لا يبعد في العقل وجود جواهر مختصة بأحيازها على سبيل الوجوب بحيث يمتنع خروجها عن تلك الأحياز وحينئذ لا يطرد دليل حدوث الأجسام في تلك الأشياء وعلى هذا التقدير لا يمكنكم القطع بحدوث كل الأجسام والله أعلم
Sayfa 52