الثاني أنه لما كان متناهيا من جميع الجوانب فحينئذ يفرض فوقه أحياز خالية وجهات فارغة فلا يكون الله تعالى فوق جميع الأشياء بل تكون تلك الأحياز أشد فوقية من الله تعالى وأيضا فهو تعالى قادر على خلق الجسم في الحيز الفارغ فلو فرض حيز خال لكان قادرا على أن يخلق فيه جسما وعلى هذا التقدير يكون ذلك الجسم فوق الله تعالى وذلك عند الخصم محال فثبت أنه تعالى لو كان في جهة لم يخل الأمر عن أحد هذه الأقسام الثلاثة وثبت أن كل واحد منها باطل محال فكان القول بأن الله تعالى في الحيز والجهة محال فإن قيل ألستم تقولون إنه تعالى غير متناه في ذاته فيلزمكم جميع ما ألزمتموه علينا قلنا الشيء الذي يقال له إنه غير متناه على وجهين
أحدهما أنه غير مختص بحيز وجهة ومتى كان كذلك امتنع أن يكون له طرف ونهاية وحد
والثاني أنه مختص بجهة وحيز إلا أنه مع ذلك ليس لذاته مقطع وحد فنحن إذا قلنا إنه لا نهاية لذات الله تعالى عنينا به التفسير الأول فإن كان مرادكم ذلك فقد ارتفع الخلاف بيننا وإن كان مرادكم هذا الوجه الثاني فحينئذ يتوجه عليكم ما ذكرناه من الدليل ولا ينقلب ذلك علينا لأنا نقول أنه تعالى غير متناه بهذا التفسير حتى يلزمنا ذلك الإلزام فظهر الفرق والله أعلم
البرهان الرابع على أنه يمتنع أن يحصل في الجهة والحيز هو أنه لو حصل في شيء من الجهات والأحياز لكان إما أن يحصل مع وجوب أنه يحصل فيه أو لا مع وجوب أن يحصل فيه والقسمان باطلان فكان القول بأنه تعالى حاصل في الجهة محالا وإنما قلنا إنه يمتنع أن يحصل فيه مع الوجوب لوجوه
الأول أن ذاته مساو لذوات سائر الأجسام في كونه حاصلا في الحيز ممتدا في الجهة وإذا ثبت التساوي من هذا الوجه ثبت التساوي في تمام الذات على ما بيناه في البرهان الأول في نفي كونه تعالى جسما وإذا ثبت التساوي مطلقا فكل ما صح على أحد المتساويين وجب أنه يصح على الآخر ولما لم يجب في سائر الذوات حصولها في ذلك الحيز وجب أن لا يجب في تلك الذات حصوله في ذلك الحيز وهو المطلوب
الثاني أنه لو وجب حصوله في تلك الجهة وامتنع حصوله في سائر الجهات لكانت تلك الجهة مخالفة في الماهية لسائر الجهات فحينئذ تكون الجهات شيئا موجودا فإذا كان الله سبحانه وتعالى واجب الحصول في الجهة أزلا وأبدا التزموا قديما آخر مع الله تعالى في الأزل وذلك محال
Sayfa 49