البرهان الثالث في بيان أنه يمتنع أن يكون تعالى مختصا بالجهة والحيز هو أنه لو كان مختصا بحيز وجهة لكان لا يخلو إما أن يقال إنه غير متناه من جميع الجوانب أو يقال إنه غير متناه من بعض الجوانب ومتناه من سائر الجوانب أو يقال إنه متناه من كل الجوانب والأقسام الثلاثة باطلة فالقول بكونه مختصا بجهة وحيز باطل أما قولنا إنه يمتنع أن يكون غير متناه من جميع الجوانب فيدل عليه وجوه
الأول أن وجود بعد لا نهاية له محال والدليل عليه أن فرض بعد غير متناه يفضي إلى المحال فوجب أن يكون محالا وإنما قلنا إنه يفضي إلى المحال لأنا إذا فرضنا بعدا غير متناه وفرضنا بعدا آخر متناهيا موازيا له ثم زال الخط المتناهي الموازي من الموازاة إلى المسامتة فنقول هذا يقتضي أن يحصل في الخط الأول الذي هو غير متناه نقطة هي أول نقطة المسامتة وذلك الخط المتناهي ما كان مسامتا للخط غير المتناهي ثم صار مسامتا له فكانت هذه المسامتة في أول أوان حدوثها لا بد وأن تكون مع نقطة معينة فتكون تلك النقطة هي أول نقط المسامتة لكن كون ذلك غير متناه يمنع من ذلك لأن المسامتة مع النقطة الفوقانية يحصل قبل المسامتة مع النقطة التحتانية فإذا كان الخط غير متناه فلا نقطة فيها إلا وفوقها نقطة أخرى وذلك يمنع حصول المسامتة في المرة الأولى مع نقطة معينة فثبت أن هذا يقتضي أن يحصل في خط غير المتناهي نقطة هي أول نقط المسامتة وأن لا يحصل وهذا المحال إنما لزم من فرضنا أن ذلك الخط غير متناه فوجب أن يكون ذلك محالا فثبت أن القول بوجود بعد غير متناه محال
الوجه الثاني هو أنه إذا كان القول بوجود بعد متناه ليس محالا فعند هذا لا يمكن إقامة الدليل على أن العالم متناه بكليته وذلك باطل بالإجماع
الوجه الثالث أنه تعالى لو كان غير متناه من جميع الجوانب وجب أن يخلو شيء من الجهات والأحياز عن ذاته فحينئذ يلزم أن يكون العالم مخالطا لأجزاء ذاته وأن تكون القاذورات والنجاسات كذلك وهذا لا يقوله عاقل
أما القسم الثاني وهو أن يقال إنه غير متناه من بعض الجوانب ومتناه من سائر الجوانب فهو أيضا باطل لوجهين
Sayfa 47