الثالث لو كان الباري تعالى أزلا وأبدا مختصا بالحيز والجهة لكان الحيز والجهة موجودين في الأزل فيلزم إثبات قديم غير الله تعالى وذلك محال بإجماع المسلمين فثبت بهذه الوجوه أنه لو كان في الحيز والجهة يلزم هذه المحذورات فيلزم امتناع كونه تعالى في الحيز والجهة فإن قيل لا معنى لكونه تعالى مختصا بالحيز والجهة إلا كونه تعالى مباينا عن العالم منفردا عنه ممتازا عنه وكونه تعالى كذلك لا يقتضي أمر آخر سوى ذات الله تعالى فبطل قولكم لو كان تعالى في الجهة لكان مفتقرا إلى الغير والذي يدل على صحة ما ذكرناه أن العالم لا نزاع في أنه مختص بالحيز والجهة وكونه مختصا بالحيز والجهة لا معنى له إلا كون البعض منفردا عن البعض ممتازا عنه فإذا عقلنا هذا المعنى ههنا فلم لا يجوز مثله في كون الباري تعالى مختصا بالجهة والحيز الجواب أما قوله الحيز والجهة ليس أمرا موجودا فجوابه أنا بينا بالبراهين القاطعة أنها أشياء موجودة وبعد قيام البراهين على صحته لا يبقى في صحته شك وأما قوله المراد من كونه مختصا بالحيز والجهة كونه تعالى منفردا عن العالم أو ممتازا عنه أو مباينا عنه قلنا هذه الألفاظ كلها مجملة فإن الانفراد والامتياز والمباينة قد تذكر ويراد بها المخالفة في الحقيقة والماهية وذلك مما لا نزاع فيه ولكنه لا يقتضي الجهة والدليل على ذلك هو أن حقيقة ذات الله تعالى مخالفة لحقيقة الحيز والجهة وهذه المخالفة والمباينة ليست بالجهة فإن امتياز ذات الله تعالى عن الجهة لا تكون بجهة أخرى وإلالزم التسلسل وقد تذكر هذه الألفاظ ويراد بها الامتياز في الجهة وهو كون الشيء بحيث يصح أن يشار إليه بأنه ههنا أو هناك وهذا هو مراد الخصم من قوله إنه مباين عن العالم أو منفرد عنه وممتاز عنه إلا أنا بينا بالبراهين القاطعة أن هذا يقتضي كون ذلك الحيز أمرا موجودا ويقتضي أن المتحيز محتاج إلى الحيز قوله الأجسام حاصلة في الأحياز فنقول غاية ما في الباب أن يقال الأجسام تحتاج إلى شيء آخر وهذا غير ممتنع أما كونه تعالى محتاجا في وجوده إلى شيء آخر فممتنع فظهر الفرق وبالله التوفيق
Sayfa 46