في إقامة البراهين على أنه تعالى ليس مختصا بحيز وجهة بمعنى أنه يصح أن يشار إليه بالحس بأنه ههنا أو هناك وذلك أنه لم يخل إما أن يكون منقسما أو غير منقسم فإن كان منقسما كان مركبا وقد تقدم إبطاله وإن لم يكن منقسما كان في الصغر والحقارة كالجزء الذي لا يتجزاء وذلك باطل باتفاق كل العقلاء وأيضا فلأن من ينفي الجوهر الفرد يقول إن كل ما كان مشارا إليه بحسب الحس بأنه ههنا أو هناك فإنه لا بد وأن يتميز أحد جانبيه عن الآخر وذلك يوجب كونه منقسا فثبت أن القول بأنه مشار إليه بحسب الحس يفضي إلى هذين القسمين الباطلين فوجب أن يكون القول به باطلا فإن قيل لم لا يجوز أن يقال أنه تعالى واحد منزه عن التأليف والتركيب ومع كونه كذلك فإنه يكون عظيما والعظيم يجب أن يكون مركبا منقسما وذلك ينافي كونه أحدا قلنا سلمنا أن العظيم يجب أن يكون مركبا منقسما وذلك ينافي كونه أحدا قلنا سلمنا أن العظيم يجب أن يكون منقسما في الشاهد فلم قلتم أنه يجب أن يكون في الغائب كذلك فإن قياس الغائب على الشاهد من غير جامع باطل وأيضا لم لا يجوز أن يكون غير منقسم ويكون في غاية الصغر وهو يقتضي أنه حقير وذلك على الله تعالى محال قلنا الذي لا يمكن أن يشار إليه البتة ولا يمكن أن يحس به يكون كالعدم فيكون أشد حقارة وإذا جاز هذا فلم لا يجوز ذلك والجواب على الأول أن نقول إنه إذا كان عظيما فلا بد وأن يكون منقسما وليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد بل هذا بناء على البرهان القطعي وذلك لأنا إذا أشرنا إلى نقطة لا تنقسم فإما أن يحصل فوقها شيء آخر أو لا يحصل فإن حصل فوقها شيء آخر كان ذلك الفوقاني مغايرا له إذ لو جاز أن يقال إن هذا المشار إليه عينه لا غيره جاز أن يقال هذا الجزء عين ذلك الجزء فيفيضي إلى تجويز أن الجبل شيء واحد وجزء لا يتجزأ مع كونه جبلا وذلك شك في البديهيات فثبت أنه لا بد من التزام التركيب والانقسام وإما أن لا يحصل فوقها شيء آخر ولا على يمنيها ولا على يسارها ولا من تحتها فحينئذ يكون نقطة غير منقسمة وجزء لا يتجزأ وذلك باتفاق العقلاء باطل فثبت أن هذا ليس من باب قياس الشاهد على الغائب بل هو مبني على التقسيم الدائر بين النفي والإثبات واعلم أنه الحنابلة القائلين بالتركيب والتأليف أسعد حالا من هؤلاء الكرامية وذلك لأنهم اعترفوا بكونه مركبا من الأجزاء والأبعاض أما هؤلاء الكرامية فإنهم زعموا أنه مشار إليه بحسب الحس وزعموا أنه غير متناه ثم زعموا أنه مع ذلك واحد لا يقبل القسمة فلا جرم صار قولهم قولا على خلاف بديهة العقل أما قولهم الذي لا يحس به ولا يشار إليه أشد حقارة من الجزء الذي لا يتجزأ قلنا كونه موصوفا بالحقارة إنما يلزم لو كان ذا حيز ومقدار حتى يقال إنه أصغر من غيره أما إذا كان منزها عن الحيز والمقدار فلم يحصل بينه وبين غيره مناسبة في الحيز والمقدار فلم يلزم وصفه بالحقارة
البرهان الثاني في بيان أنه يمتنع أن يكون مختصا بالحيز والجهة أنه لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان محتاجا في وجوده إلى ذلك الحيز وتلك الجهة وهذا محال فكونه في الحيز والجهة محال بيان الملازمة أن الحيز والجهة أمر موجود والدليل عليه وجوه
Sayfa 44