البرهان الأول أنه تعالى لو كان متحيزا لكان مماثلا لسائر المتحيزات في تمام الماهية وهذا ممتنع فكونه متحيزا ممتنع وإنما قلنا أنه تعالى لو كان متحيزا لكان مماثلا لسائر المتحيزات في تمام الماهية لأنه لو كان متحيزا لكان مساويا لسائر المتحيزات في كونه متحيزا ثم بعد هذا لا يخلو إما أن يقال إنه مخالف غيره من الأجسام في ماهيته المخصوصة وإما أن لا يخالفه في الحقيقة والقسم الأول باطل فتعين الثاني وحينئذ يحصل منه أنه تعالى لو كان متحيزا لكان مثلا لسائر المتحيزات فيفتقر ههنا إلى بيان أنه يمتنع أن يكون مساويا لسائر المتحيزات في عموم المتحيزية ومخالفا لها في ماهيته المخصوصة فنقول الدليل على أن ذلك ممتنع هو أن بتقدير أن يكون مساويا لسائرها في المتحيزية ومخالفا لها في الخصوصية كان ما به الإشتراك مغايرا لا محالة لما به الإمتياز فحينئذ يكون عموم المتحيزية مغايرا لخصوص ذاته المخصوصة وحينئذ نقول إما أن يكون الذات هي المتحيزية ويكون تلك الخصوصية صفة لتلك الذات وإما أن يقال المتحيزية صفة وتلك الخصوصية هي الذات أما القسم الأول فإنه يقتضي حصول المقصود لأنه إذا كان مجرد المتحيزية هو الذات وثبت أن مجرد المتحيزية أمر مشترك فيه بينه وبين سائر المتحيزات فحينئذ يحصل منه أن بتقدير أن يكون تعالى متحيزا كانت ذاته مماثلة لذوات سائر المتحيزات وليس المطلوب إلا ذلك وأما القسم الثاني وهو أن يقال الذات هي تلك الخصوصية والصفة هي المتحيزية فنقول هذا محال وذلك لأن تلك الخصوصية من حيث أنها هي هي قطع النظر عن المتحيزية إما أن يكون لها إختصاص بالحيز وإما أن لا يكون كذلك والأول محال لأن كل ما كان حاصلا في حيز وجهة على سبيل الإستقلال كان متحيزا فلو كانت تلك الخصوصية التي فرضناها خالية عن التحيز حاصلة في الحيز لكان الخالي عن التحيز متحيزا وذلك محال وأما القسم الثاني وهو أن يقال إن تلك الخصوصية غير مختصة بشيء من الأحياز والجهات فنقول أنه يمتنع أن تكون المتحيزية صفة قائمة بها لأن تلك الخصوصية غير مختصة بشيء من الأحياز والجهات والمتحيزية أمر لا يعقل إلا أن يكون حاصلا في الجهات والشيء الذي يجب أن يكون حاصلا في الجهات يمتنع أن يكون حاصلا في الشيء الذي يمتنع حصوله في الجهة وإذا لم تكن المتحيزية صفة للشيء كان نفس الذات وحينئذ يلزم أن تكون الأشياء المتساوية في المتحيزية متساوية في تمام الذات فثبت بما ذكرنا أن المتحيزات يجب أن تكون كلها متساوية في تمام الماهية وهذا برهان قاطع في تقرير هذه المقدمة وإنما قلنا إنه يمتنع أن يكون ذات الله تعالى مساويا لذوات الأجسام في تمام الماهية لوجوه
الأول أن من حكم المتماثلين الاستواء في جميع اللوازم فيلزم من قدم ذات الله تعالى قدم سائر الأجسام أو حدوث من سائر الأجسام حدوث ذات الله تعالى وذلك محال
الثاني أن المثلين يجب إستواؤهما في جميع اللوازم فكما صح على سائر الأجسام خلوها عن صفة العلم والقدرة والحياة وجب أن يصح على ذاته الخلو عن هذه الصفات فحينئذ يكون إتصاف ذاته بحياته وعلمه وقدرته من الجائزات وإذا كان الأمر كذلك امتنع كون تلك الذات موصوفا بالحياة والعلم والقدرة إلا بإيجاد موجد وتخصيص مخصص وذلك يقتضي إحتياجه إلى الإله فحينئذ كل ما كان جسما كان محتاجا إلى الإله وهذا يقتضي أنا لإله يمتنع أن يكون جسما
الثالث أنه لما كان ذاته تعالى مساويا لذوات سائر المتحيزات فكما صح في سائر المتحيزات كونها متحركة تارة وساكنة تارة أخرى وجب أن تكون ذاته أيضا كذلك فعلى هذا التقدير يلزم أن يكون ذاته تعالى قابلا للحركة والسكون وكل ما كان كذلك وجب القول بكونه محدثا لما ثبت في تقرير هذه الدلائل في مسألة حدوث الأجسام ولما كان محدثا وحدوثه محال فكونه جسما محال
Sayfa 36