فهذه الدلائل العشرة دالة على أن كونه سبحانه وتعالى منزها عن الحيز والجهة ليس أمرا يدفعه صريح العقل وذلك هو تمام المطلوب وبالله التوفيق ونختم هذا الباب بما روي عن أرسطاليس أنه كتب في أول كتابه في الإلهيات من أراد أن يشرع في المعارف الإلهية فليستحدث لنفسه فطرة أخرى قال الشيخ رضي الله عنه وهذا الكلام موافق للوحي والنبوة فأنه ذكر مراتب تكون الجسد في قوله تعالى
ﵟولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طينﵞ
فلما آل الأمر إلى تعلق الروح بالبدن قال
ﵟثم أنشأناه خلقا آخرﵞ
وذلك كالتنبيه على أن كيفية تعلق الروح بالبدن ليس مثل إنقلاب النطفة من حال إلى حال بل هذا نوع آخر مخالف لتلك الأنواع المتقدمة فلهذا السبب قال
ﵟثم أنشأناه خلقا آخرﵞ
فكذلك الإنسان إذا تأمل في أحوال الأجرام السفلية والعلوية وتأمل في صفاتها فذلك له قانون فإذا أراد أن ينتقل منها إلى معرفة الربوبية وجب أن يستحدث لنفسه فطرة أخرى وعقلا آخر بخلاف العقل الذي به اهتدى إلى معرفة الجسمانيات وهذا آخر الكلام في هذه المقدمة وبالله التوفيق
المقدمة الثانية في أنه ليس كل موجود يجب أن يكون له نظير وشبيه
إنه ليس كل موجود يجب أن يكون له نظير وشبيه وإنه ليس يلزم من نفي النظير والشبيه نفي ذلك الشيء ويدل عليه وجوه
الحجة الأولى إن بديهية العقل لا تستبعد وجود موصوف بصفات مخصومة بحيث يكون كل ما سواه مخالفا له في تلك الخصوصية وإذا لم يكن هذا مدفوعا في بداية العقول علمنا أنه لا يلزم من عدم نظير الشيء عدم ذلك الشيء
الحجة الثانية هي أن وجود الشيء إما أن يتوقف على وجود ما شابهه أو لا يتوقف والأول باطل لأن الشيئين لو كانا متشابهين وجب استواؤهما في جميع اللوازم فيلزم من توقف وجود هذا على وجود الثاني توقف وجود الثاني على وجود الأول بل توقف كل واحد منهما على نفسه وذلك محال في بداية العقول فثبت أنه لا يتوقف وجود الشيء على وجود نظير له فلا يلزم من نفي النظير نفيه
Sayfa 22