Bilimsel Düşünmenin Temelleri
أسس التفكير العلمي
Türler
فإذا دخلنا ساحة العلوم، ألفيناها صنوفا مختلفة: فهنالك علوم الرياضة بفروعها، كما أن هنالك علوم الطبيعة بأنواعها، وإلى جانب هذه وتلك مجموعة ثالثة يحارون في تسميتها، فأحيانا يطلقون عليها علوما اجتماعية، وأحيانا أخرى يؤثرون لها اسم العلوم الإنسانية؛ فربما كان أول سؤال يفرض نفسه علينا عند رؤية هذه الصنوف المختلفة من العلوم، هو: هل تشترك هذه كلها في نمط فكري واحد هو الذي نريد له أن يسمى بالتفكير العلمي؟ وإذا كانت أنماط الفكر مختلفة باختلاف هذه الصنوف - ففي أي شيء تتفق بحيث جاز لنا أن ندرجها جميعا في مجال واحد؟
الحق أن الجواب عن هذه الأسئلة لم يكن على مدى العصور جوابا واحدا؛ فلقد لبث الناس قرونا طويلة، وهم على ظن بأن منهج التفكير العلمي واحد لا يتعدد، فإذا رأينا هذا المنهج يؤدي بنا أحيانا إلى نتائج يقينية (كما هي الحال في العلوم الرياضية) وغير يقينية أحيانا أخرى (كما هي الحال في العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية) وجب على فلاسفة العلم في هذه الحالة أن يحللوا طريقة التفكير الرياضي المؤدية إلى اليقين، ما مقوماتها؟ لكي نتوسع في تطبيقها بحيث نستخدمها في كل موضوع ندعي أنه من العلم؛ وكان مثل هذا التحليل هو الذي أنشأ به الفيلسوف اليوناني أرسطو علم المنطق كما وضعه، وكما دام له البقاء ليكون هو منهج التفكير العلمي الذي لا منهج سواه، حتى سلخ التاريخ من شوطه نحو عشرين قرنا؛ أي منذ أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد، حتى ما يقرب من القرن السادس عشر الميلادي، مع استثناءات على الطريق، كالتي حدثت على أيدي نفر من علماء العرب.
كانت الفكرة الراسخة طوال تلك القرون العشرين، هي أن للتفكير العلمي منهاجا واحدا، كائنا ما كانت مادة العلم، لا فرق في ذلك بين علم يبحث في الهندسة وثان يبحث في الكمياء وثالث يبحث في طرائق السلوك البشري، ففي كل هذه الحالات جميعا - لا بد أن يكون بين أيدينا بادئ ذي بدء - مجموعة من المسلمات التي نقبلها كما نقبل الأساس الذي يقام عليه البناء، ثم تأتي بعد ذلك عملية التفكير العلمي، وهي أن نستنبط من تلك المسلمات ما يجوز لنا استنباطه، وما دامت المسلمات الأولى مقطوعا بصحتها؛ فالنتائج التي نستنبطها منها تكون مقطوعا بصحتها كذلك.
وفي إطار هذا المنهج الوحيد، لو تقدم صاحب فكرة إلى الناس بفكرته، وأراد الناس التثبت من صوابها - طالبوه بأن يرد فكرته تلك إلى الأصول التي استخرجها منها، شريطة أن تجئ تلك الأصول من المسلمات التي يضعها هؤلاء الناس من أنفسهم موضع التسليم؛ ومهما تكثر الخطوات التي يرتد بها المحقق من الفكرة المزعومة إلى أصولها الأولى، فلا بد أن تكون الرابطة وثيقة بين كل خطوة والخطوة السابقة عليها، إلى أن يبلغ المحقق نقطة الابتداء من المسلمات؛ وليس علما ما يقوله قائل بغير إسناد من هذا القبيل.
لكن مثل هذا السير يقتضي من السائر أن ينتقل من الجملة التي صيغت فيها الفكرة المراد تحقيقها، إلى جملة ثانية كانت أصلا لها، وهذه إلى جملة ثالثة، وهذه إلى جملة رابعة، فكأن طريق العلم هو التنقل بين جمل في صفحات الكتب، وكأنه لا طبيعة هناك تحيط بالإنسان ويريد العلم بظواهرها؛ ومثل هذا السير الذي يظل يشتق جملة من جملة، قريب مما يحدث في مجال التفكير الرياضي؛ لأن بناء العلم الرياضي قائم على مسلمات نفرضها لأنفسنا، ثم نستخرج منها ما جاز لنا أن نستخرجه؛ بحيث يكون البرهان الرياضي هو دائما رد النتيجة المراد البرهنة عليها إلى الأصل الذي استخرجناها منه. ويبقى السؤال: أيكون مثل هذا السير هو نفسه طريقة العلوم الطبيعية؟ كان الجواب بالإيجاب حتى عصر النهضة الأوروبية، مع استثناءات قليلة ظهرت في جماعة من العلماء العرب؛ وهي قليلة لأنها ليست هي التي تميز الطابع العام للمناخ الفكري في مجموعه؛ فمن جهة هنالك علماء الرياضة، وهم بطبيعة علمهم لا بد أن يسلكوا الطريق الذي يبدأ بالمسلمات ثم يخرج منها النتائج؛ ومن جهة أخرى كانت الكثرة الغالبة من أصحاب التفكير العلمي من رجال الفقه ورجال علوم اللغة، ومن علماء الكلام ومن أصحاب المذاهب الفلسفية، وكل هؤلاء - بطبيعة ميادينهم الخاصة - لا بد أن ينتهجوا الطريق نفسه في التفكير، وهو التفكير الذي يبدأ بما ليس هو موضوعا لجدل، لينصرف جهدهم في استخلاص النتائج فقط دون إمكان الشك في الأصول التي انتزعت منها تلك النتائج.
لكن الأمر قد اختلف من أساسه، منذ عصر النهضة الأوروبية التي كانت هي المدخل إلى ما نسميه بالعصر الحديث؛ فها هنا بدأت علوم الطبيعة تتخذ لنفسها مكانا لم يكن لها منذ بدأ التاريخ، نقول ذلك دون أن نتجاهل أقطابا في تلك العلوم جاءوا قبل عصر النهضة الأوروبية، فمن علماء الإسكندرية القديمة كان «أرشميدس» صاحب قانون الأجسام الطافية، ومن علماء العرب كان «جابر بن حيان» منشئ علم الكيمياء؛ لكن هؤلاء جميعا لم يكونوا من الكثرة، ولا كان لمنهجهم من السيطرة، بحيث تكون لهم الغلبة فيصبحون هم طابع العصر، كما كان لعلماء الطبيعة في عصر النهضة، ولمنهاجهم القائم على دراسة الطبيعة في ظواهرها، لا دراسة الطبيعة كما وردت أوصافها في الكتب، أقول: كان لهم ولمنهاجهم السيادة الغالبة فطبعوا العصر بطباعهم، وأمكن المؤرخين بعد ذلك أن يقولوا: هنا ولد علم جديد ومنهج علمي جديد؛ وكان موضع الجدة هو أن استبدل العلماء بقراءة الصفحات قراءة الطبيعة نفسها، وأصبحت الأسناد التي يستندون إليها فيما يقررونه عن الكائنات والظواهر، ليست هي أن يرتدوا إلى نص في كتاب؛ بل هي أن يرجعوا إلى ما يمكن مشاهدته في الظواهر الطبيعية كما تدركها حواسهم.
ثم زادت هذه التفرقة بين طريقة التفكير الرياضي الخالص وطريقة التفكير في ظواهر الطبيعة، وضوحا على وضوح، على ضوء ما انتهت إليه التحليلات المنطقية للحقائق العلمية منذ منتصف القرن الماضي (التاسع عشر)؛ فمنذ ذلك الحين تبينت فروق حاسمة بين الوحدة الفكرية في البناء الرياضي والوحدة الفكرية في بناء العلوم الطبيعية، مما يجعل لكل من البنائين منهجا لا يصلح للآخر؛ وبالطبع لا ينفي هذا الاختلاف بينهما أن يكون كل منهما معتمدا على الآخر في سياق بحث واحد.
فبينما وحدة التفكير الرياضي «تحليلية» في طريقة بنائها؛ فإن وحدة التفكير في العلوم الطبيعية «تركيبية» في طريقة بنائها، والمقصود بالبنية التحليلية في العلوم الرياضية، أنها مستندة في صحتها على قانون الهوية؛ أي إن المعادلة الرياضية - مثلا لا تذكر في شطرها الآخر إلا ما كانت ذكرته في شطرها الأول، مع اختلاف الرموز المستخدمة في كل من الشطرين؛ أي إن الشطر الآخر من المعادلة الرياضية هو هو الشطر الأول بعد أن استبدل ثوبا بثوب؛ إن قولنا 3 + 2 = 5 معناه أن «3 + 2» هو نفسه «5» برغم اختلاف الرموز الدالة على الحقيقة الواحدة في الحالتين؛ فإذا سأل سائل وقال: ما الذي أدرانا أن هذه معادلة صحيحة؛ لم يكن جوابنا هو أن نطابق له بينها وبين أي شيء من كائنات الطبيعة الخارجية، بل إن جوابنا في هذه الحالة لينحصر في أن نراجع معه الطريقة التي حللنا بها أحد الشطرين تحليلا يضع عناصره بلا زيادة ولا نقصان في الشطر الآخر؛ وإذن فصدق الجملة الرياضية في طريقة تكوينها، غير مستند إلى أي شاهد من خارجها.
وأما وحدة التفكير في العلوم الطبيعية فشأنها شأن آخر؛ لأنني في هذه الحالة لا أحلل جزءا من الجملة بالجزء الآخر، بل أضيف إلى الشيء الذي أتحدث عنه معلومات لم تكن لتستنبط منه إذا أخذناه بمعناه المعروف لنا؛ فإذا قلت عن الضوء إن سرعته كذا ميلا في الثانية، كان هذا الجانب الذي أضيفه جديدا، ما كنت لأصل إليه لو أخذت أحلل مفهوم الضوء في ذاته كما عرفته في خبرتي المباشرة، أو إذا قلت إن متوسط الدخل لكل مصري هو ما يقرب من مائة جنيه مصري في العام، فها هنا أيضا ترى أن الخبر الذي أرويه عن متوسط الدخل لم يكن ليستنبط نظريا فقط من مجرد تحليلي للعناصر التي يتركب منها مفهومي للمصري وطريقة تكوينه؛ ولذلك فلو سأل سائل هذه المرة قائلا: ما الذي أدرانا أن تلك هي سرعة الضوء حقا، أو أن هذا هو متوسط دخل المصري؟ لم يكن جوابنا كالذي كان في حالة المعادلة الرياضية، بل إن السند هنا هو أن نخرج مع السائل إلى الحقيقة الخارجية لنراجع الحقيقة المزعومة عليها، فإن طابقتها كانت الحقيقة المزعومة صحيحة، وإلا فهي ليست بحقيقة كما زعمنا لها.
تانكم - إذن - مجموعتان من العلوم، تختلفان موضوعا ومنهجا؛ وللتفكير العلمي في إحداهما أسس غير الأسس المطلوبة للتفكير العلمي في الأخرى، وتبقى أمامنا مجموعة ثالثة هي ما قد يطلق عليه العلوم الإنسانية أو العلوم الاجتماعية، كعلوم الاقتصاد والاجتماع والنفس والسياسة وغيرها، وهذه تثير إشكالا بين فلاسفة العلم إلى يومنا هذا، فمنهم من يريد لها منهجا خاصا بها؛ أي أسسا للتفكير العلمي تخالف أسس الرياضة وأسس العلوم الطبيعية معا؛ ومنهم من يرى إدراجها مع مجموعة العلوم الطبيعية؛ لأنها تبحث في الإنسان من حيث هو ظاهرة طبيعية كغيرها من الظواهر، فإذا كانت له جوانب أخرى يتميز بها، فليست هي التي نقصد إليها بالدراسة العلمية، ولعلنا نعود إلى تفصيل ذلك في موضع آخر. (3) وقفة عند التفكير الرياضي
Bilinmeyen sayfa