فقالت في دهشة : وكيف ذلك؟
قلت: سأسرق حمامة مقدسة وأفر بها إلى مصر؟
قالت ضاحكة: كما صنع أخ لك من قبل!
قلت: إني أتكلم جادا وسترين كيف أفر بهذه الحمامة؟
قالت: أإلى القاهرة الحمراء أيضا! أليس كذلك أيها الشاعر؟
قلت: القاهرة الخضراء يا صديقتي وسأفرد لهذه الحمامة عشا في خميلة على ضفاف النيل. فضحكت متممة: وجنة من جنات فرعون! قلت: نعم جنة فيها من كل فاكهة زوجان.
وكأنما أدركت السيدة ما ترمي إليه دعابتي هذه فتمايلت من سكر الصبا وسحر الليلة، وسرت إلى جانبها والرجل يتعثر في خطاه حتى وصلنا أول الميدان فاستندت إلى ذراعي وهي تقول: أرجو أن تسرع أيها الصديق قبل أن يأوي الحمام إلى أوكاره ولا تنس موعدنا غدا. فحييتهما وافترقنا، كل في طريقه إلى مأواه.
الفصل العاشر
في ميدان إسدرا
هذه روما الخالدة تتأهب لاستقبال البعثة المنشوكية، وكأنما غمرتها موجة من مباهج أيامها الخالية، فحيثما سرت أعلام خافقة، وثريات متألقة، وقد ازدحمت أرصفة الشوارع والطرقات بالغادين والرائحين وهم يتطلعون إلى النوافذ الموشحة بأوراق الشجر وضفائر الورد، أو إلى الفترينات المرصعة بألوان الثياب الزاهية، والقطع الفنية الخلابة؛ وكنت في طريقي إلى شارع الناسونالي وأنا أجتاز ميدان فينسيا محتشد الخواطر، مفعم النفس بالأثر الفني الرائع الذي أقيم إلى جانبه للجندي المجهول، ذلك البناء الرخامي ذو الدرج العريض العالي، يشرف عليه تمثال عمانويل الثاني وهو ممتط صهوة جواده، وتحته أربعة من الجند الأحياء مسمرين في أماكنهم حول إكليل كبير من الورد اليانع، حتى لتخالهم جزءا من هذا الأثر الرائع، أو بعض تماثيله يستكمل بها رونقه، ويستتم بها الفكرة التي رفع من أجلها لذلك الجندي الباسل.
Bilinmeyen sayfa