Articles from Dorar.net
مقالات موقع الدرر السنية
Yayıncı
موقع الدرر السنية dorar.net
Türler
إلا أن القائمين بتكليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يثيبهم الله تعالى النجاة من هذا السخط العام وذلك في حال أدائهم لهذا الواجب كما أمروا به وصبرهم على ما يلاقون من تقصير أقوامهم وتخذيلهم إياهم عمَّا يقومون به من موعظة ﴿وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٥ - ١٦٤]
ثالثًا: مبدأ التواصي أقرته سورتا البلد والعصر، قال تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [البلد:١٧] وقال سبحانه ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: ١ - ٣]
والتواصي تكليف أعم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصفته: أن يُثَبِّتَ المؤمنون العاملون بالصالحات والمتراحمون بينهم بعضهم بعضًا على هذه الخصال ويتعاهدون أحوالهم فيما بينهم فيما يُشبه أن يكون عملية مراجعة وتحديث لقوة هذه الخصال في نفس الأمة، وهو ما عبَّر عنه القرآن بالنفع في قوله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ الذاريات٥٥فالتذكير هو الأسلوب الأمثل للتواصي المؤدي إلى النفع، والنفع كما لا يخفى كلمة جامعة يدخل فيها كل ما هو ضد الضُر، أي أن كل ما يكسب المؤمنين زيادة تنأى بهم عمَّا يُلحق الضر بدينهم، من التثبيت عليه وزيادة المنعة في الاستمساك به وبما يصنعه الدين في النفوس من قيم وأخلاق.
ونجد أن التواصي جاء في القرآن مختصا بالحق والصبر والمرحمة، ذاك أن الحق هو الدين بعقائده وشرائعه وما يؤدي إليها وما يحفظها، والصبر أهم الأدوات للمحافظة على هذا الحق الذي يتعارض كثيرًا مع أهواء النفوس التي تميل بشكل طَبعي إلى الإغراق في اتباع الملذات، فلم يكن من سبيل للتمسك بالحق سوى الصبر.
أما المرحمة فهي ضمانة مهمة لتماسك المجتمع المسلم وتضامنه حيث إن الرحمة صفة محركة للمخلوق تدفعه إلى فعل شيء من أجل حفظ إخوانه من الضرر، ومن الضرر ما هو ظاهر يدركه المؤمن وغيره، ومن الضرر ما ليس بظاهر بل هو خفي جدًا لا يدركه حق إدراكه سوى المؤمين.
وهذا الضرر الخفي الذي يقتصر إدراكه على المؤمنين، هو الضرر الناتج عن عدم التبصر في عواقب التفريط في أوامر الله تعالى أو التهاون في كل ما من شأنه أن يؤدي إلى شيء من هذا التفريط أو التهاون حالًا أو مآلا.
الناتج من هذا أن التواصي شعيرة ربانية جاءت لتقوية الممانعة المجتمعية التي يجري الحديث حولها.
الرابع: من شواهد مناداة الإسلام بالممانعة المجتمعية: عقيدة الولاء والبراء، وقد يتشنج البعض لدى تسميتها عقيدةً، لكن أحدًا لا يستطيع أن ينكر أنها من الظهور بحيث يحتاج تأويلها إلى غير هذين المعنيين -مودة المؤمنين ومباغضة الكافرين- إلى تعسف تأويل كامل القرآن أو أكثره.
ومباغضة الكافر لما ينطوي عليه قلبه من عقيدة أهل النار تسوق القلوب المؤمنة إلى مجافاة ما يأتي به من قِيَم، ولا شك أنها طريقة ممتازة لحفظ الهيئة المجتمعية للمسلمين من الاختراق، سواء أكان ذلك اختراقا قِيَمِيًَا أو عسكريًا.
1 / 193