70

En Ucuz Geceler

أرخص ليالي

Türler

وإذا راجع أخماسه وأسداسه واقتنع أو استطاع بوسيلة ما أن يضحك على نفسه ويقتنع، فإنه يسأل نفسه مرة أخرى وفي سؤاله شك مرتجف: وحكاية الطاجن المشروخ هذا، ترى هل وصلتها هي الأخرى؟ وهل إن كانت وصلتها قد أسقطته من عينها؟ تلك أسئلة كانت تدور بخلده، وإنما كان يتهيها بعينيه الحائرتين ترمقان نبوية في شك وفي لهفة وهما تقولان مرة أخرى: آه يا نبوية يا قتلاني. •••

اليوم يوم العيد.

وعبد اللطيف قد اطمأن على نفسه بعد أن اختطف نظرة إلى هندامه في مرآة الدولاب القديم الذي دخل به، ورأى شاربه الرفيع متهدلا حول فمه كما يحب أن يراه، ورأى وجهه الأصفر النحيل قد اجتز منه الأوسطى عبد السميع شعيرات ذقنه، فبدا ناعما رغم ما به من حفر قديمة، بل بدأت خيوط من حمرة باهتة صنعتها الموسى تتبعثر في وجهه كما يحمر شفق يوم مغبر حين يظهر القمر.

اليوم يوم العيد، اليوم الذي تناسى عبد اللطيف ضعفه، وتناسى وعاءه المشروخ، وتناسى زحمة الحياة بين النجارين التي دفعته إلى نصب المرجيحة في العيد، وأن يقف بجوارها هكذا حليق الذقن مرتديا ثوبه الأبيض الجديد الذي اشتراه من ثلاث سنوات، واحتفظ به للمناسبات. تناسى هذا كله، ولم يعد يذكر إلا الملاليم التي تعمر جيبه، وإلا المرجيحة التي نصبها جودة، ثم لم يكسب من ورائها شيئا. كان جودة عملاقا قويا؛ ولهذا لم يفز بنصيب من ثروة الصغار، فقد كانوا يخافونه، ولا يطمئنون أبدا إلى يده الضخمة حين تدفع المرجيحة، فتقذف بها إلى كبد السماء؛ ولهذا كانوا يستريحون لعبد اللطيف، ولعبته القديمة، ويده النحيلة التي لن تعلقهم أبدا بين الأرض والسماء.

وأسعد هذا عبد اللطيف، أسعده أن يرى نفسه قد انتصر ولو ساعات قليلة كل عام، أسعده أن يتجمع الأطفال حوله، وأن يتعلقوا بجلبابه، وأن يصرخوا منادين: والنبي يا عم عبد اللطيف، وأن يحجزوا أماكنهم قبل حلول دورهم بأدوار، وأن يشخط هو فرحا ويصرخ منتشيا. وكان أول ما فكر فيه حين سرت النسوة في جثته أن يغني، يغني بأعلى صوته حتى يصل غناؤه إلى أسماع جودة، يغني ويرد الصغار عليه، ويحمسهم هو ويطيل في أشواطهم حتى يرفعوا عقيرتهم أكثر وأكثر لينفجر جودة.

وكان الأطفال دائما مع المنتصر، وكذلك كانوا يتجمعون حول عبد اللطيف وحول قطع الأخشاب الأربع التي تمسك بمرجيحته العتيقة.

وكان هذا التجمع الكثير من أطفال معظمهم يشاهد العيد، ويحضر إلى المراجيح لأول مرة في حياته. كان هذا السبب في الصرخة المدوية التي انبثقت من راكبي المرجيحة، وفي الصدمة القوية التي سبقت الصرخة، وفي سالم ابن العمدة، وقد تكوم على الأرض لا حراك به، والدم يندفع في غزارة من جرح عميق في رأسه بعد أن صرعه مقدم المرجيحة، وهو واقف يشاهد هبوطها وصعودها في سذاجة وبلاهة. - مات، مات يا ولاد، ابن العمدة مات، يا خرابك يا عبد اللطيف.

وكان يكفي لخراب عبد اللطيف أن يشتم ابن العمدة، أو لا يقف إجلالا للعمدة. فما بالك وقد جرح سالم جرحا لم يقتله، وإنما سالت له دماؤه في كثرة.

وحين جروه إلى المركز وسألوه كثيرا قبل أن يلقوا به في الحجز المظلم، كان هو قد شبع من كل إحساس، حتى استوى فوق غيبوبة من شعوره فلم يعد يهمه أن ذبحوه أو خنقوه. وماذا يأخذون منه هو الراقد فوق بلاط السجن، وقد ساب على نفسه، واصفر جلده وراح في دنيا غير دنيانا؟!

ولم يمكث عبد اللطيف في السجن كثيرا؛ لأنه مات، ويحكون أنه قال قبل أن يذهب: البركة فيك يا محمد، يا ابني.

Bilinmeyen sayfa