فقال وهو مسترسل بنفس صوته الذي كان يجذبني إليه بقوة وعنف: المجرمين ورئيسهم، العصابة كلهم، أولاد الكلب.
ثم توقف لحظة، وحدق بعينيه السوداوين الواسعتين، وكأنه يخترق سقف الحجرة إلى ما وراءها من سماء: كده يا فاروق، تقتلني؟!
وتلقف الواقفون كلماته، وسرت الهمهمة من داخل الحجرة إلى الخارج، إلى الشارع، إلى البلد كله، إلى التاريخ.
وأحسست بنفسي أنفعل وكأن نارا قد شبت في، كنا أيامها تحت حكم فاروق، وكانت هناك أحكام عرفية، وكان الظلام والسخط يخيم على مصر، ويعشش في قلوب الناس.
وكان لا يحمل إلي إلا ضحايا العربات وعجلاتها، وصرعى الترام، وعتاة المتشاجرين، وكان ذلك أول جريح أراه مضروبا بالرصاص.
ولم أعد أتمالك نفسي.
تناسيت أني طبيب، وتناسيت ما علي من واجب، ولم أعد أفكر إلا كمصري يختنق بالظلم، ثم يرى الظالم صرع أخاه.
وغمغم الرجل المسجى أمامي.
وعدت أنظر إليه وأدقق النظر.
كان وجهه يصفر ويصفر، وكانت تقاطيعه المفتولة تتراخى تحت وابل من نقط العرق الصغيرة، وهي تتجمع فوق جبهته، وعلى وجنتيه كقطرات الندى تتجمع على زهرة تذبل، وتلمست جسده فوجدته باردا، لم تكن برودة الثلج، إنما كانت برودة ممر طويل في نهايته الفناء والضياع.
Bilinmeyen sayfa