قال البعض: إن السبب هو نصف فدان القطن الذي اقتلعت شجيراته في الليل من أرض البرنس.
وقال آخرون: إنه النقب الذي حدث في اصطبل الإبعادية المجاورة.
ورد بعض ثالث، وكاد يقسم أن السبب هو الحريق الذي اجتاح الساقيتين القبليتين في وقت واحد.
يختلف الناس دائما أبدا على السبب، ولكنهم يذكرون تماما عصر الجمعة الذي جاءوا فيه، وتمشت مع مجيئهم الهمهمات تزحف في القرية، وتقول: الهجانة وصلوا.
كان الرجال يزومون بها، ثم تتشعب أصواتهم مملوءة بالخوف والتشاؤم تارة، وتارة تحفل بغبطة ساهمة، فإن جديدا سيحدث في القرية، وما أقل ما يحدث في القرية من جديد.
وكان الصغار يتلقون الكلمة من أفواه آبائهم، وترتعش أجسادهم بالخوف من الغرباء الذين لم يسمعوا عنهم أو يروهم، ثم تنبسط وجوههم بالفرح؛ لأنهم سيرونهم.
وأصبح لا حديث للنساء إلا عن العبيد الطوال السمر ذوي الأرجل الرفيعة الجافة والكرابيج المسقية بالزيت.
ولم يرهم أحد حين دخلوا القرية، ولا حين تسربوا إلى دوار العمدة، وكأنهم وصلوه من جوف الأرض، ولكنهم ما إن استقروا في الدوار، حتى حفل الشارع الذي بجواره بأناس يتبصصون على القادمين، ويتسمعون ما يجد من الأخبار، وحينئذ تميل الرءوس على الرءوس، وتجري الإشاعات رائحة غادية مخترقة البلدة من أقصاها إلى أقصاها.
ومن غير أن يلف مناد أو ينبه خفير، سرت الأوامر تحملها آذان إلى أفواه، وأفواه إلى آذان.
وعرف الناس في غمضة عين أن الويل لمن يخطي عتبة داره بعد المغرب، وعليهم إرجاع المواشي قبل حجة الشمس، وعليهم بعد هذا ألا يوقدوا نارا، أو يشعلوا مصابيح، ثم ليتعشوا ويصلوا ويناموا في الظلام، والويل لمن لا يعجبه الحال.
Bilinmeyen sayfa