والمعرفة . فعلم العباد طرق عبادته ، وفتح لهم سبيلا الى المعارف لكي يخففوا من نقائصهم قدر الامكان ، ويسعوا لنيل الكمالات الممكنة ، ويهتدوا باشعة نور العبودية للوصول الى عالم كرامة الحق ، والى الروح والريحان وجنات النعيم ، بل الى رضوان الله الاكبر .
اذا ، ففتح باب العبادة والعبودية من النعم الكبرى التي تدين لها الكائنات كافة ، دون ان تستطيع الوفاء بحق الشكر ، بل ان كل شكر هو فتح باب كرامة لا تقدر على شكره ايضا . فاذا علم الانسان مشربه هذا ، واطلع قلبه عليه ، اعترف بتقصيره . وحتى لو انه تقدم الى اعتاب الله جل جلاله بعبادة الجن والانس والملائكة المقربين ، لكان مع ذلك خائفا ومقصرا . وكذلك ان عباد الله العارفين واولياءه المختصين به الذين فتح لهم بابا من سر القدر ، واستنارت قلوبهم بنور المعرفة ، لإرتجفت قلوبهم من الخوف ، ونفوسهم من الخشية ، بحيث لو اتجهت اليهم الكمالات كلها ، واعطوا مفاتيح المعارف كلها ، واترعت قلوبهم بالتجليات ، لما قل من خوفهم قدر ذرة ، ولا من خشيتهم قدر شعرة ، كما يقول احدهم : الناس تخاف النهاية وانا اخاف البداية . سبحان الله ولا حول ولا قوة الا بالله ، اعوذ بالله تعالى . يعلم الله يجب ان يتقطع قلب الانسان من هذا الكلام ، ويذوب خوفا ، ويهيم على وجهه في البراري فإلى اي حد يكون الانسان غافلا ؟
ثم انه قد سبق منا في شرح احد الاحاديث السابقة وقلنا بأننا في كل عباداتنا وطاعاتنا انما نريد مصالحنا الخاصة ، ودافعنا اليها هو حب النفس . وما الزهد في الدنيا في الحقيقة الا من اجل الآخرة . وهو اشبه بالزهد في الدنيا من اجل الدنيا عند الاحرار . فلو ذهبنا بعبادة الثقلين الى محضر قدسه الربوبي ، لما كان استحقاقنا سوى البعد عن ساحته المقدسة . لقد دعانا الحق تبارك وتعالى الى مقام قربه وانسه . قال : «وخلقتك لاجلي» وجعل غاية الخلق معرفته ، وهدانا الى طرق المعارف والعبودية ، ولكننا مع هذا لم نشغل انفسنا الا بتعمير البطن والفرج ، ولا هم لنا سوى الانانية وحب الذات .
فيا ايها الانسان المسكين ، الذي لم تجن من عبادتك ومناسكك الا البعد عن ساحة الله المقدسة ، والاستحقاق للعتاب والعقاب ، علام اعتمادك ؟ ولماذا لا يقلقك ولا يزعجك الخوف من شدة بأس الحق ؟ أعندك متكأ تتكئ عليه ؟ أتثق بعملك وتطمئن اليه ؟ اذا كان الامر كذلك فالويل لك من معرفتك بحالك وحال مالك الملوك ! واذا كان اعتمادك على فضل الحق وسعة رحمته وشمول عناية ذاته المقدس ، لكان ذلك في محله جدا . لقد اعتمدت على امر وثيق ، ولجأت الى اوثق ملجأ .
الهي ، وربي ! ان ايدينا عن كل شيء قاصرة ، ونحن عارفون بأننا ناقصون وتافهون ، ولا نملك ما يليق بأعتاب قدسك . كلنا نقص وعيب . ظاهرنا وباطننا ملوث بالمهالك والموبقات .
Sayfa 218