من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون» (1) » .
ترى ما قرة العين هذه التي يدخرها الله ويخفيها حتى لا يعلم احد عنها شيئا ، وما يمكن ان تكون ؟ فلو كانت من قبيل «انهار جارية» و«قصور عالية» ومن نعم الجنة المختلفة ، لذكرها الله ، مثلما بين ما للاعمال الاخرى واطلع الملائكة عليها .
ولكن يبدوا انها ليست من ذلك السنخ ، وانها اعظم من ان ينوه بها لاحد ، وخصوصا لاحد من اهل هذه الدنيا . انه لا تقارن نعم ذلك العالم بالنعم هنا ، ولا تظنن ان الفردوس والجنان تشبه بساتين الدنيا ، او ربما اوسع وابهى . هناك دار كرامة الله ودار ضيافته . فكل هذه الدنيا لا شيء ازاء شعرة واحدة من الحور العين في الجنة . بل ليست شيئا ازاء خيط من خيوط الحلل الفردوسية التي اعدت لاهل الجنة . ومع كل هذا الوصف ، لم يجعلها الله ثواب من يؤدي صلاة الليل ، وانما ذكرها من باب التعظيم له . ولكن هيهات ! نحن الضعفاء في الايمان لسنا من اصحاب اليقين ، والا لما كنا نستمر في غفلتنا ، ونعانق النوم حتى الصباح . لو ان يقظة الليل تكشف للانسان حقيقة الصلاة وسرها ، لانس بذكر الله والتفكر في الله ، ولجعل الليالي مركوبه للعروج الى قربه تعالى ، ولما كان ثمة ثواب له الا جمال الحق الجميل وحده .
الويل لنا نحن الغافلين الذين لا نستيقظ من النوم حتى آخر العمر . نبقى في سكر الطبيعة غارقين ، بل نزداد كل يوم سكرا وغفلة ، ولا نفهم شيئا سوى الحالة الحيوانية من مأكل ومشرب ومنكح ، ومهما فعلنا ، وان كان من سنخ العبادات ، فانما نفعله في سبيل البطن والفرج . اتحسب ان صلاة خليل الرحمن كانت مثل صلاتنا ؟ الخليل لم يطلب حاجة حتى من جبرئيل ، ونحن نطلب حاجاتنا من الشيطان نفسه ظنا منا بانه يقضي الحاجات ! ولكن علينا ان لا نيأس . فلعلك بعد مدة من سهر الليالي والإستئناس بذلك والاعتياد عليه ، يلبسك الله بلطفه الخفي خلعة الرحمة . كما ان عليك الا تغفل عن سر العبادة بصورة عامة ، ولا تقصر همك على التجويد في القراءة وتصحيح الظاهر فقط . ولئن لم تقدر ان تكون خالصا لله تعالى ، فاسع ، على الاقل ، من اجل قرة العين التي يخفيها الله عز وجل ، وتذكر الفقير ، العاصي ، الحيواني السيرة الذي اكتفى من كل المراتب ، بالحيوانية . واذا وجدت في نفسك الرغبة ، فقل بخلوص نية :
«اللهم ارزقني التجافي عن دار الغرور ، والانابة الى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل حلول الفوت» (2) .
Sayfa 199