Dört Mektup
أربع رسائل لقدماء فلاسفة اليونان وابن العبري
Türler
وإذا مال الإنسان إلى الشهوات الجسمية واللذات وانهمك فيها؛ صار مؤثرا في سيرته كسيرة البهائم، وغلب أخس جزئيه على أفضلهما وأشرفهما أعني البدن على النفس، وإذا ارفص (رفض) اللذات الجسمانية كان متألها سالكا السبيل التي يرتضيها الله جل وعز، وهي اللائقة بالإنسان من طريق ما هو إنسان، وكان قد غلب جزءه الأشرف على الأدنى أعني النفس على البدن. ومن أجل أن الإنسان مصنوع من الاستقصات الأربعة
1
وجب اضطرارا أن تلحقه بالأعراض التي تلحق الاستقصات أعني التغير والسيلان. وهذه الأشياء إنما تلحق الجسم وحده، فإن التغير يناله في كيفياته أعني في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وسائر الكيفيات. والسيلان يناله فيما يتحلل منه؛ وذلك أن جسم الحيوان يتحلل دائما بالحركة وبالحرارة الطبيعية وبالهواء، فيحتاج لذلك إلى أن يحلف (يخلف) عليه مكان ما يتحلل منه وإلا انحل وفسد. والذي يتحلل منه أشياء صلبة وأشياء رطبة وروح، ولذلك احتاج إلى ما يخلف عليه مكان ما يتحلل منه، ويكون من أشياء يابسة وأشياء رطبة وروح وهي الطعام والشراب والنفس، وهذه الثلثة هي الاستقصات الأربعة؛ لأن كل شيء (99) من الأشياء يغتذي ويزيد بما يشاكله، ويعالج ويصلح ما فسد منه بما يضادده (يضاده). فإن الإفراط في الحرارة يرد إلى الاعتدال بالبرودة وإلى البرودة بالحرارة وإلى الرطوبة باليبوسة وإلى اليبوسة بالرطوبة وبالجملة كل ضد بضده.
ولأن الله تبارك وتعالى خلق حس اللمس في الإنسان قويا، جعله به يفضل على سائر الحيوان، وجعل الحلد (الجلد) منه الذي به يحس ملتقاه من خارج رقيقا لطيفا معرى من الشعر المتكاثف، ومن الصوف والريش ومن الوبر والقشور والأصداف التي توجد في الحيوان، فلعدم هذه الأشياء يحتاج الإنسان مع الغذاء إلى اللباس ولهذه الأشياء بأعيانها التي لها احتياج إلى اللباس والغذاء، وبسبب الصيانة أيضا والتحصين احتاج إلى المساكن، فالإنسان مضطر إلى الغذاء لما يستفرغ من بدنه ومضطر إلى اللباس؛ لأن بدنه معرى من جنة توقيه ومن كل ما يدفع المضار الواردة عليه، فهو يحتاج إلى المنزل ليصونه من الحر والبرد ويحوطه من الآفات. ويحتاج إلى العلاج ليغير الكيفيات التي به ولما يناله من تفرق الاتصال.
وكذلك احتاج إلى الصنائع والعلوم التي بها يعلم هذه الأشياء، ولأن الإنسان الواحد ليس يمكنه أن يعمل الأشياء (100) كلها احتاج بعض الناس إلى بعض، ولحاجة بعضهم إلى بعض اجتمع الكثير منهم في موضوع واحد، وعاون بعضهم بعضا في المعاملات والأخذ والعطاء، واتخذوا المدن لينال بعضهم من بعض المنافع من قرب؛ لأن الله جل وعز خلق الإنسان بالطبع يميل إلى الاجتماع والأنس، إذ ليس يكتفي الواحد من الناس بنفسه في الأشياء كلها. ولما اجتمع الناس في المدن وتعاملوا وكانت مذاهبهم في التناصف والتظالم مختلفة، وضع الله جل وعز سننا وفرائض يرجعون إليها ويقفون عندها ونصب لهم حكاما يحفظون السنن، ويأخذونهم باستعمالها لتنتظم أمورهم ويجتمع شملهم، ويزول عنهم التظالم والبعد عما يبدد شملهم ويفسد أحوالهم. •••
ولما كان الشر يدخل على الإنسان؛ إما في نفسه وإما في أهل مدينته وإما من أهل مدينة أخرى، جعل الله جل وعز له ما ينحفظ به من وقوع الشر، وما ينفعه ويداويه إذا وقع في شر. فلما كان الإنسان محتاجا إلى الغذاء للسبب الذي قدمنا ذكره، وإلى التناسل خلق الله عز وجل فيه شهوة هذين، وقرن بهما لذة قوية عجيبة ليضطره إلى استعمالها. وخلق فيه القوة المميزة ليفدد (ليفرز) بها ما يحتاج إليه من هذين، فيستعمله (101) ولا يتبع شهوته في طلب اللذات فيخرج عن حد الإنسانية ويصير في عداد البهائم.
وخلق فيه قوة ثالثة وهي قوة الغضب؛ لتستعين بها القوة المميزة على ضبط الشهوة وقهرها. فبين أن (في) الإنسان شيئا هو بمنزلة الرئيس، وهذه القوة المميزة التي تضع الأمور مواضعها، وبها وحدها يستحق الإنسان أن يسمى عاقلا مميزا، وصار يفضل سائر ما في العالم من الحيوان. وفيه أيضا شيء ما من صبط (ضبط) وهو القوة الغضبية والشهوانية، فإن الإنسان إذا كان على الحال المحمودة، فإنه يضبط نفسه بعقله عن اتباع لذاته، ويمتنع من أن يغضب إلا في وقت يوجب الغضب، ولا يستعمل منه إلا بمقدار ما تدعو الحاجة.
فالشر يدخل على الإنسان من نفسه إذا قهرت القوة الشهوانية منه القوة المميزة، ولم تقدر المميزة على ضبطها، ومن صار إلى هذه الحال لم يكن بينه وبين البهائم فرق وكان إنسانا بالاسم فقط لا بالحقيقة، ووجب تجنبه والحذر منه أو تقويمه وإصلاحه، ويتهيأ للإنسان أن ينحفظ من وقوعه في الشر متى تأمل نفسه فضل تأمل، وعلم أنه مركب من شيئين: من نفس ناطقة عاقلة مميزة مؤثرة للخير، محبة للفضائل، مائلة إلى التقى والنسك، مشتهية للنظر في العلوم (102) واستنباط الصنائع، ومن بدن أرضي متحلل فاسد شديد التغير والاستحالة، مطالب بالانهماك في الشهوات والتلذذ للأسباب التي وصفنا. وعلم أن البدن آلة للنفس، وإنه إنما هو إنسان من جهة النفس لا من جهة البدن، فمال إلى أشرف جزأيه وغلبه على أبخسهما وجعله المدبر له والآمر والناهي عليه، كما خلقه الله عز وجل ولم يطلق لبدنه من اللذات التي يطالب بها إلا ما يحتاج إليه لقوامه فقط، فإنه متى فكر في هذه الأشياء وعرف فضلها منعه ذلك من الوقوع فيما يؤثمه ويجعله شريرا. فإما طريق إصلاح الإنسان لنفسه ومداراتها واستنقاذها مما وقعت فيه من الشرور، فيكون بمفارقة الأفعال الرديئة ومجانبتها والتوبة، واستعمال ضد الحال التي كان عليها.
فأما الشرور التي تدخل على بعض أهل المدينة من بعض، فتحفظ بالتمسك بالشرائع والسنن التي وضعت لهم وترك محالفه (مخالفة) شيء منها وإصلاحها ومداواتها، وتكون بالتأديب والعقوبة التي توجبها الشرائع على من خالفها وتعداها.
وأما الشرور التي تنال أهل المدينة من أهل مدينة غيرها، فإن التحفظ منها بالتحصين بالأسوار والخنادق والحراس، ودفعها إذا وقعت (103) يكون بالمحاربة والقتال. فقد تبين فضل الملوك وأن الناس يضطرون إلى تدبير وسياسة وأمر ونهي، وأن المتوليين (المتولين) لذلك منهم ينبغي أن يكونوا أفضلهم. فإن من نهى عن شيء وأمر بشيء، فالواجب لن يظهر استعمال ذلك في نفسه أولا ثم في غيره.
Bilinmeyen sayfa