Şam ve İsrail'in Sükûneti: Tarih ve Tevrat Tarihinde
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Türler
إضافة إلى ما لاحظناه سابقا من تجاهل الأحداث الجارية على الساحة السورية، خارج العلاقات الثنائية بين دمشق وإسرائيل، وعدم الإشارة إلى ملك دمشق بالاسم هدد عدر، بل بالاسم بنهدد، فإن الرواية التوراتية ترسم للملك آخاب صورة مختلفة تماما عن صورته التاريخية. ففي رواية سفر الملوك الأول 20 نجد آخاب ملكا مستضعفا قليل الحيلة والعدة والجند والمركبات القتالية، على عكس ما رأيناه في النص الآشوري عندما قدم إلى حلف قرقرة ثاني قوة ضاربة بعد دمشق. وهو بعد أن يعلن خضوعه لملك آرام يعود فيقوى عليه بمعونة الرب، الذي أراد أن يظهر له ولأهل إسرائيل أنه الإله الحق، ويتغلب آخاب على بنهدد مرتين، ولكنه يخسر المعركة الثالثة ويخسر حياته أيضا؛ لأن الرب قد غضب عليه لإطلاقه بنهدد في الوقت الذي توجب عليه فيه قتله. أما عن ملك آرام، فإنه رغم ظهوره في النص التوراتي رئيسا لتحالف الملوك السوريين الذين يرتفع عددهم هنا إلى اثنين وثلاثين، يقف عاجزا أمام الفئة القليلة الإسرائيلية، ولا يستطيع التغلب على ملك إسرائيل إلا بعد خذلان الرب له والتخلي عنه. فأي الصورتين هي الأقرب للحقيقة التاريخية؟ لماذا لم يظهر الجانب القوي في سيرة آخاب التوراتية، وهو الذي تظهر لنا آثار مدينة السامرة وآثار مدنه الأخرى مدى قوته وغناه واتساع نفوذه؟ لماذا غيرت الرواية التوراتية اسم ملك دمشق، وما علاقة هدد عدر النصوص الآشورية ببنهدد النص التوراتي؟ لماذا لم تذكر الرواية التوراتية شيئا عن حلف قرقرة ومشاركة آخاب في هذا الحلف؟
لقد لاحظ المؤرخون منذ وقت مبكر اختلاف الروايتين الآشورية والتوراتية فيما يتعلق بملك دمشق وملك إسرائيل، وطبيعة العلاقات بين المملكتين خلال عصر هدد عدر وآخاب. وقد قدم بعض المؤرخين حلا لهذا التناقض بأن وضعوا حروب دمشق وإسرائيل في مطلع عهد آخاب لا قبل وفاته، وهذا ما يترك حوالي عشرين سنة تقريبا بين صورة آخاب الملك الضعيف في بداية حكمه، وصورته كملك قوي وحليف لدمشق في أواخر فترة حكمه (Kraeling, 1910 - Morgentren, 1940) . ولكن هذا الحل، على ضعفه، لا يحل مسألة اسم ملك دمشق، الذي حوله النص التوراتي من هدد عدر إلى بنهدد. وفي المقابل، فإن البعض الآخر من المؤرخين يرى أن مشكلة التناقض مبالغ فيها، وأنه من الممكن لأحداث الحروب المذكورة في الإصحاحين 20 و22 من سفر الملوك الأول أن تكون قد جرت في نهاية حكم آخاب (Unger, 1957) . وهناك فريق ثالث أخذ يرى أن روايات الملوك الأول 20 و22 لم تكتب أصلا عن الملك آخاب، وأنها تنتمي إلى سيرة أحد ورثة الملك ياهو، الذي أزاج أسرة عمري عن الحكم، وأسس لأسرة حاكمة جديدة في السامرة، وقعت بعد موته تحت سيطرة ملك دمشق حزائيل، الذي خلف هدد عدر (Miller, 1964 - Jespen, 1940 - Whitley, 1952) . ومما يدعم وجهة نظر هؤلاء أن اسم آخاب في أخبار المعارك الثلاث لم يرد إلا مرات قليلة، بينما استعيض عنه بلقب «ملك إسرائيل» في معظم المواضع ، ومن دون ذكر الاسم. ففي الإصحاح 20 ورد اسم آخاب في ثلاثة مواضع فقط، أما في المواضع العشرة الباقية فقد اكتفى المحرر باستعمال صيغة «ملك إسرائيل» دون ذكر الاسم. وفي الإصحاح 22 يرد اسم آخاب مرة واحدة فقط، وفي ستة مواضع أخرى يستعمل المحرر تعبير «الملك»، وفي خمسة عشر موضعا يستعمل صيغة «ملك إسرائيل».
8
ونحن إذ نقف إلى جانب أصحاب الرأي الأخير فإننا نضيف إليه ما يلي: إن الأخبار التي ساقها المحرر التوراتي في الإصحاحين 20 و22 من سفر الملوك الأول، كانت تدور حول ملك مجهول الاسم لإسرائيل، وقد تم حشر اسم آخاب حشرا في هذه الأخبار ثم نسبت إليه. والسبب في ذلك عدم وجود أخبار موثقة بين يدي المحرر عن تلك الفترة الحافلة من أواسط القرن التاسع قبل الميلاد، وعن تاريخ العلاقات الآشورية السورية، والآرامية الفلسطينية، خلال عصر آخاب. ولا أدل على ذلك من جهلهم بوجود الملك الكبير هدد عدر المعاصر لآخاب، وبحروبه الخمسة ضد آشور، وبالنظام السياسي الإقليمي الذي فرضه وشمل إسرائيل من جملة ما شمل من الدويلات الآرامية والكنعانية. ويبدو أن محرري التوراة قد وصلهم علم ملك كبير في المنطقة اسمه هدد عدر، ولكنهم لم يستطيعوا وضعه في الإطار التاريخي والجغرافي الصحيح، فجعلوه ملكا على صوبة في عصر الملك داود، وصنعوا منه خصما لداود تحت اسم هدد عزر. وبذلك نستطيع أن نفهم الأساس التاريخي لدعوى امتداد سلطة ملك صوبة إلى الفرات، والتي تستند أساسا إلى الأخبار اللاحقة عن سلطة هدد عدر ملك دمشق. ولما بقي عرش دمشق شاغرا (بالنسبة إليهم) في عهد الملك آخاب، جعلوا عليه ملكا اسمه بنهدد، واستلهموا بعض الأخبار اللاحقة عن بنهدد بن حزائيل ملك دمشق فيما بعد، وصاغوا منها قصصا ملأت تلك الفترة المجهولة لديهم تماما. وهذا التحليل الذي أقدمه هنا يخرج البحث في هذه المسألة من الحلقة المفرغة التي دار بها حتى الآن، ويضعه على أرضية منطقية لا غبار عليها.
ويمكن أن نضيف إلى ما قدمناه أعلاه أن محرري التوراة، إلى جانب جهلهم بالأحداث الجارية من حول إسرائيل، وفي داخلها، في عهد آخاب، فإن اهتمامهم الرئيسي في النصف الثاني من سفر الملوك الأول الذي يتضمن أخبار أسرة عمري كان منصبا على أخبار النبي إيليا والنبي أليشع من بعده، وتبشيرهما في مملكة السامرة والعجائب التي صنعاها. أي إن المحور الرئيسي للرواية هنا كان يدور حول فترة من التاريخ الديني بالدرجة الأولى، أما الخبر التاريخي فكان ثانويا ويأتي في سياق أخبار هذا النبي أو ذاك كعنصر مساعد في القصة الدينية التي تجري في جو ميثولوجي صرف؛ فالنبي إيليا يعتزل عند نهر كريت حيث كانت الغربان تعوله وتأتي إليه بالطعام. وبعد أن جف النهر ذهب إلى بلدة صرفة وأقام في بيت امرأة أرملة، وطيلة مدة إقامته عندها لم يفرغ من بيتها الدقيق والزيت حتى انتهت أيام الجفاف في الأرض، وعندما مات ابن الأرملة صلى إيليا فعادت الحياة إلى الصبي. وعندما أرسل الملك وراءه ضابطا وخمسين رجلا للقبض عليه أتت نار من السماء والتهمتهم جميعا. وعندما أراد عبور الأردن مع النبي أليشع ضرب الماء بردائه فانشق الماء ومشى النبيان على اليابسة. ثم جاءت بعد ذلك مركبة نارية من السماء فحملت إيليا إلى السماء وترك رداءه خلفه لأليشع ... إلخ. وفي خضم هذا الجو الميثولوجي فإن أي خبر عن ملك يمكن أن يعزى لملك آخر في سياق القص الأسطوري الذي يجعل التاريخ آخر هم من همومه.
وخلاصة الأمر، فإن الملك آخاب قد توفي عام 853ق.م. أي بعد عام واحد من معركة قرقرة التي كان فيها شريكا لدمشق، ومن غير المحتمل على الإطلاق أن تكون المملكتان قد دخلتا في حرب ضروس بينهما بعد قرقرة مباشرة، ولا يوجد في الواقع أي مبرر لهذه الحرب، لأن حلف دمشق قد بقي قائما بين المتحالفين أنفسهم حتى وفاة هدد عدر بعد عشر سنوات تقريبا من معركة قرقرة. ورغم أن إسرائيل لم تذكر في النصوص الآشورية اللاحقة كعضو في الحلف، إلا أن مسار الأحداث يشير إلى أنها بقيت على السياسة المرسومة من قبل دمشق رغم عدم مشاركتها العسكرية . وكل هذا يعني أن النص التوراتي، إضافة إلى عدم تقديمه معلومات موثوقة عن مملكة إسرائيل في عهد آخاب، فإنه لا يقدم لنا معلومات عن مملكة دمشق أيضا خلال أواسط القرن التاسع قبل الميلاد، ويجب عدم اللجوء إليه في إعادة بناء تاريخ دمشق خلال هذه الحقبة.
سوريا السياسية في القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد.
توفي هدد عدر في ظروف غامضة، في وقت ما بين عام 845ق.م. وهو العام الذي جرت فيه آخر حرب بينه وبين شلمنصر الثالث، وبين عام 841ق.م. وهو العام الذي ظهر فيه ذكر خليفته حزائيل لأول مرة في السجلات الآشورية. وعن وفاة هدد عدر لدينا وثيقة آشورية مختصرة تنتقل مباشرة من معركة قرقرة إلى موت هدد عدر في مدينته دون التعرض لبقية الحروب السورية الآشورية التي جرت بين هذين الحدثين. نقرأ في النص الآشوري ما يلي: «لقد هزمت هدد عدر ملك إميريشو مع اثني عشر أميرا من حلفائه، وجندلت 29000 من محاربيه الأقوياء، ودفعت بمن تبقى من قواته إلى نهر العاصي فتفرقوا في كل اتجاه يطلبون أرواحهم. هدد عدر مات (أو انتهى) واغتصب العرش مكانه حزائيل ابن لا أحد. فدعا الجيوش الكثيرة وثار في وجهي، فقاتلته وهزمته وغنمت كل مركباته. أما هو فقد هرب طالبا حياته، فتعقبته إلى دمشق مقره الملكي، حيث قطعت أشجار بساتينه.»
9
لا يعطينا هذا النص المقتضب فكرة عن كيفية موت هدد عدر ولا عن كيفية اغتصاب حزائيل (الذي يدعوه النص ابن لا أحد دلالة على نسبه العامي) السلطة. ويبدو أن فترة من الفوضى والاضطرابات أعقبت موت هدد عدر انتهت باستلام القائد العسكري حزائيل للسلطة، والسير على خطى هدد عدر في مقارعة آشور. ورغم أن نص شلمنصر هنا لا يوضح هوية الجيوش التي دعاها حزائيل إلى جانبه، بل يكتفي بالقول بأنه «قد دعا الجيوش الكثيرة»، فإن من الواضح أن ملك دمشق الجديد قد استمر سيدا لمناطق غربي الفرات، وأنه كان قادرا في أي وقت على دعوة الحلفاء السابقين أو غيرهم، وأن هؤلاء كانوا جاهزين لتلبية النداء . ورغم أن شلمنصر الثالث قد تعقب في هذه الحملة، ولأول مرة، ملك دمشق وحاصره في عاصتمه، إلا أن كل ما استطاع الملك الآشوري تحقيقه هو أن قطع أشجار غوطة دمشق والرضا من الغنيمة بالإياب.
Bilinmeyen sayfa