المقدمة
مرثاه1
آراء أناتول فرانس
المقدمة
مرثاه1
آراء أناتول فرانس
آراء أناتول فرانس
آراء أناتول فرانس
جمع وترجمة
عمر فاخوري
Bilinmeyen sayfa
المقدمة
جاءني كتاب من أحد الأصدقاء فيه هذه الكلمات العسجدية: «وأنت إنسان عين الفضل والكمال، مجمع أشعة الحكمة، بل قطب دائرة العلوم على الإجمال.» فخفت لأول وهلة من نفسي، ثم خجلت، وهل في عالم الأدب يا ترى - شرقا وغربا - من يستحق هذا الإطراء؟!
ثم جاءني كتاب من صاحبة مجلة «مينرفا» ومعه «ملازم» هذا الكتيب، تسألني مقدمة تليق به، فذكرت إذ ذاك كتاب صديقي الآخر، وقلت: قد كتبها بارك الله فيه، فإن ما جادت به قريحته لا يليق بغير واحد من كتاب العالم في القرن العشرين، وهو أناتول فرانس.
ومع ذلك، فإن «إنسان عين الفضل والكمال» كبيرة، حتى على الكاتب الإفرنسي الشهير، و«مجمع أشعة الحكمة» صفة من الصفات الإلهية، و«قطب دائرة العلوم على الإجمال» لا تنطبق إلا على محرر أو لجنة تحرير دائرة المعارف، ولكنها في كنهها؛ أي فيما يتغذى ويتجلى به الأدب الممتاز هي من محاسن أناتول فرانس أو بالحري هي سيماء محاسنه، ففي الصفة الأولى - ولك أن تصرف النظر عن «العين وإنسانها» - الفضل والكمال، الفضل الجم في عطفه الإنساني، والكمال أو ما يدنو منه في الفن.
إن أناتول فرانس لمثل الآلهة الذين يكثر من ذكرهم عظيم التساهل، رءوف رحيم، فهو قلما يقف منددا مهددا، أو مرشدا منذرا، بل يروي لك من الحوادث، ويبدي من الآراء، ويداعب ويتفلسف دون أن يدعك تشعر بسعة علمه، أو بكروية نبوغه، أو بما في الاثنين من سلطان.
أجل، إن نبوغ هذا الإفرنسي كروي لا يحده غير ما يحد الأرض ويصلها مع ذلك بلا نهاية الأكوان، وإن عطفه لمثل نبوغه هذا؛ يحيط بما للقوى العقلية والنفسية من الآثار والأصول، وذاك يشمل الضعف البشري في مظاهره كلها، وهو من هذا القبيل مثل ذاك الذي صلب في قديم الزمان، يمر بالخطيئة - خطيئة القلب وخطيئة الحواس - مر الكريم، بل مر المسيح.
أما الصفة الثانية، فهي تنطبق عليه أيضا إن لم يكن بالكمية فبالكيفية، ففي صفحاته تنعكس أشعة للحكمة من مطالع أنوارها القريبة والبعيدة، القديمة والحديثة، من بلاد الإغريق والرومان، ومن بلاد فلتير ورنان، ومن مصادر العلم والعرفان في كل زمان.
إن في حكمة هذا الإفرنسي الكبير أشعة من ال «أكروبول»، وأشعة من جبل «برناس»، وأشعة من جبال الجليل، كما أن فيها أشعة من فلتير ولافونتين ورنان؛ وهي متنوعة الألوان، فيها الأصفر والأحمر والأبيض والأزرق - أي السخرية والحماسة والحب والأمل - على الدوام.
وإنه في رأيي أعظم الثلاثة الذين ورث روحهم الفكرية والفنية؛ لأن الشك عنده خيال لليقين، والتهكم تهكمه لا يدمي ولا يشين، ابتسم فلتير فهدم، وضحك لافونتين فأضحك وأدهش، وسخر رنان فأحزن، أما أناتول فرانس، ففي ابتسامه ما يؤنس دائما ويسر، ويدعو فوق ذلك إلى التفكير وإلى الأمل.
وهناك مزية أخرى يمتاز بها صاحب الآراء في هذا الكتيب الكبير على من تقدمه، وكلهم استرسلوا في بعض المواقف إلى التعصب، فكانوا متحاملين، قد غالى فلتير بمحاسن الطريقة المدرسية في الشعر مثلا، فتحامل من أجل ذلك على شكسبير، وغالى في أمر الخرافات والخزعبلات، فتحامل على النبي محمد، أما رنان فتعصبه للفنون الإغريقية، ولكل ما هو إغريقي في الأدب والفلسفة، حمله على الطعن بالشرقيين وخصوصا بالساميين، وليس فيما كتب أناتول فرانس، أو فيما قرأت له في الأقل، حتى في سيرة جان درك شيء من التعصب، أو ما يشف عن تعصب خفي.
Bilinmeyen sayfa
يجب أن أحافظ في هذه الكلمة على قاعدة التناسب، فلا أستوقف القارئ إلى حد الملل في الباب، وهو - ولا شك - يود أن يقرأ أناتول فرانس لا أن يقرأني، فأقف في النظر بنبوغه عند هذا الحد، إذن لأقول كلمة وجيزة في حياته ومؤلفاته.
لم يكن هذا الإفرنسي العظيم من خريجي الكليات العالية، ولكنه تلقن علومه من أساتذة في الحياة في ثلاث مدارس مهمة؛ أولها مدرسة أبيه، وقد كان كتبيا وثقة في التاريخ، فقد ولد أناتول
1
سنة 1844 في المكتبة، ودب ودرج بين الكتب والأوراق، ثم دخل في خدمة عبراني يتاجر بالتحف والآثار الفنية، فتشرب روح الفنون من الأمثال لا من الأقوال، وبعد ذلك دخل الجامعة الكبرى؛ جامعة الحياة، فطالع الكتب الحديثة والقديمة فيها، هام بما شاهده في شوارع المدينة، وبما شاهده في المتاحف الوطنية، هام بالصور الناطقة والصامتة، وبما تمثله، بما تظهره وتكنه من الأسرار ومن المسرات الأحزان، وقف مدهوشا معجبا أمام صفحات ملونة لا معنى ظاهر لها ولكنها جميلة، وصفحات سوداء معانيها مشوشة، وصفحات هامشها أحسن ما فيها، وصفحات كتبت بالدم، وأخرى بالدموع، وغيرها مما كتب ذاك الذي غلب خالقه، فكان بعدئذ مدحورا في هذه الكتب الحية الناطقة، درس أناتول فرانس الحياة بعد أن ساح وغاص وتغلغل في كتب أبيه.
ثم بدأ يكتب ما أوحي إليه بخصوصها، فألف ثم ألف حتى تجاوزت رواياته الثلاثين، وهناك مؤلفات عدة في النقد الأدبي والتاريخ، ولكنه لم يطبع له كتاب قبل أن بلغ الخامسة والثلاثين من سنه، فظهرت في سنة 1879 روايته الأولى وهي «جوكاستا والهر الجائع»، ثم بعد سنتين طبعت الرواية التي كللتها الأكاديمية الفرنسية، وهي التي تدعى «ذنب سلسفتر بنار»،
2
ولكن الأكاديمية لم تنتخبه عضوا فيها إلا بعد خمس عشرة سنة من ظهور هذه الرواية الممتازة في جمالها الرائع الهادي.
وقد كان انتخابه - ولا شك - من باب التعويض والموازنة؛ لأن الأكاديمية التي لا تخطئ لا تصيب، وإن أجمل كلمة قيلت فيها هي التي ستقرأ في الصفحة الأولى من هذا الكتاب، وقد أحسن المترجم الاختيار والتوازن فيه.
ولكن محاسن أناتول فرانس كلها لا تظهر في آرائه، بل في الروايات التي هي مسرح فنه، وعلمه، وخياله، وحكمته، هناك يتمثل لك التساهل بكليته، والتوازن والإنصاف في الأحكام، والحكمة التي لا تخلو قطعا من العطف الجميل، والعلم الخالي من التنطع، والسخرية الخالية من السم، وتلك الروح الخفيفة السامية - السامية - المقرونة بفكر ثاقب كالنور، جلي كالبلور، دقيق كالأثير، منور كالربيع، مثمر كالصيف.
إن أناتول فرانس قريب دائما من الأرض، حتى فيما تسامى من فكره وخياله، وقريب كذلك من السماء التي يبغيها للإنسان في هذا العالم، وإن كان من أركانها ركن أو ركنان للأوهام.
Bilinmeyen sayfa
الفريكة، لبنان في 27 نوفمبر سنة 1925
مرثاه1
من أي ناحية تأخذ هذه الذاتية الكبرى، ذات الوجوه المختلفة أجمل اختلاف وتنوع، في أجمل نظام وحدة وتوازن؛ أناتول فرانس؟ «سألت عن طريقي أولئك الذين ادعوا معرفة جغرافية المجهول جميعا - أعني رجال الدين والعلم والسحرة والفلاسفة - فلم يستطع واحد منهم إرشادي إلى السبيل الأقوم؛ لذلك اخترت هذا الطريق الذي تظله أغصان غضة مشتبكة، تحت السماء الضاحكة الضحيانة، تقودني عاطفة الجمال، فمن ذا الذي وفق إلى خير من هذا الدليل؟!»
وهكذا حشر فكره سير الأولين والآخرين، ومعارفهم وفنونهم، ودياناتهم وفلسفاتهم، فكان أوسع أدباء عصره اطلاعا، وأغزرهم مادة. ويقول العارفون: إنه كان يرصع أحاديثه بنادرة غريبة، أو بيت من الشعر منسي، أو صحيفة من صحف الأقدمين مطوية، وكان كالقناعة كنزا لا يفنى، بيد أننا - برغم هذا الحشر الحافل بمختلف الصور والآراء - لا نقف منه على صهريج مظلم موحش يخزن الماء الآسن، بل على ينبوع لا يفتأ سلسبيله يتفجر متجددا في صفاء وسخاء وضياء زهرات ذابلة، ولكنها في يده تندي وتحيا، ويحوم حولها طير ساجع، وإلا فمن أين لإنشائه سطوع الطيب والنور وموسيقى الأسحار. «إني لتأخذني الحيرة فيك يا لوسيان، إنك تضحك مما لا يجب الضحك منه، وليس يعلم قط أهازل أنت أم جاد؟»
كلمة قالتها عقيلة برجره لزوجها، والسيد برجره هذا وجه من وجوه الذاتية المعروفة بأناتول فرانس، ولعله هو؛ لأنه أحب أشخاص قصصه إلى نفسه، وأتمهم شبها به، هذه الحياة الإنسانية بما فيها من مناقضات وأوهام وشرور، وهؤلاء البشر كم عبدوا من آلهة، وشادوا من ممالك، واعتنقوا من مذاهب، فماذا بقي منها جميعا؟ بقي أنه قتلوا بعضهم بعضا، ما أكثر الحمقى والأشرار في الدنيا! أكانت لولا الرذيلة فضيلة؟ أقلت إنك على حق لولا باطلهم؟ ... لذلك أخذت السيد برجره الحيرة في أي موقف يقف من هذه الشئون، موقف الغاضب الذي يصب اللعنات، أم موقف النادب الذي يسكب الدموع؟ فضحك، بل ابتسم ابتساما لا يصدق فيه قول المعري: ضحكنا، وكان الضحك منا «سفاهة» ... «ليست السخرية التي أعنيها قاسية ولا موجعة، كما أنها لا تستهزئ بالحب ولا بالجمال، هي رفيقة سمحة تهدئ بضحكها ثورة الغضب، وتعلمنا أن نسخر من الأشرار والحمقى، الذين نبغضهم لولاها، والبغض ضعف يشيننا.»
بهذا يجيب أناتول فرانس في كتابه «حديقة أبيقور»، بالنيابة عن صديقه السيد برجره؛ ردا على سؤال زوجته: «أهازل أنت أم جاد؟»
برز أناتول فرانس إلى ميدان السياسة سنة بعثت قضية دريفوس التي شطرت فرنسة شطرين، فناضل بقلمه في الصحف السيارة، وبلسانه في المجامع العامة، ناصرا العدل والحق بجنب زولا وجوريس، وكان من قبل بعيدا عن ضوضاء الأحزاب في عزلة الحكيم، فدل يومئذ على أن وراء هذه الشكوكية الهازئة روحا شفيقا، لا يتردد في سبيل المثل العليا التي تقدس اسم الإنسان عن تضحية، تلك العزلة التي أفاضت على الناس روائع الفن البديع، وكان خصمه في ذلك الميدان التعصب بمظهريه الديني والقومي، فكسره شر كسرة، وانضم من بعد إلى الحزب الاشتراكي، ثم تقرب في النهاية من الشيوعيين، مظهرا إعجابه بلنين وبرجال الانقلاب الروسي.
كل ذلك لم يمنع شارل موراس - ألد خصومه السياسيين، وداعية الحزب الملكي الرجعي في فرنسة - من كتابة حكم بليغ يشرف كليهما على السواء، قال:
نحن منذ خمس وعشرين سنة نفر قليل، لا يريدون أن يقابلوا الحرب بمثلها؛ فهم صامتون صمت عناد، وسط الجوقة التي ترتفع أناشيدها ضد أناتول فرانس، اتقاء وإجلالا سكتنا، نعم، ربما، ولكنا سكتنا للعدل أولا؛ للعدل الفكري الذي أوحى إلى «بارس» الجليل مديحه لهذا الإمام؛ إذ أحزنه أن يناقضه، فقال: «كل ما تشاءون، ولكن أناتول فرانس حفظ اللغة الفرنسية، والأسلوب والذوق، والروح الفرنسي» ...
فيصل وأناتول فرانس ... إذا كان هذا الرسم الجميل رمزا، فماذا يعني الرمز، بل ماذا يودعه الآن فكري وأنا أنظر فيه؟
Bilinmeyen sayfa
ماذا؟ أتقول إنه رمز عن صلات الشرق بالغرب، لعله كذلك، الشرق والغرب اللذان قال كبلنغ الإنكليزي في شعر مشهور إنهما لن يجتمعا، والحق أنها معضلة يتخبط في حلها كثيرون؛ غاندي وطاغور مثلا.
نعم، ولكن الهند من الشرق، أما هذا القطر السعيد فليس من الشرق، وليس من الغرب، ألم يقولوا: إنه بالأكثر طريق من إلى، وبالأقل باب مفتوح تلجه البضاعة الأوروبية بأنواعها مادية ومعنوية؟ ثم أليس عندنا الفئة القائلة: «هذه المعضلة هينة، نحفظ أخلاقنا وعاداتنا، ونأخذ علمهم وصناعاتهم»؟ فأنت ترى أن المعضلة ليست بمعضلة، نظريا.
وبعد، فلا أريد أن أرى في هذا الرمز إلا الصفة الإنسانية العامة التي لمؤلفات أناتول فرانس، أجل لقد حفظ اللغة الفرنسية والذوق والأسلوب والروح الفرنسي، وهو في هذه الروضة الغناء - الخاصة - أحسن أزهارها طيبا، وأرقها حاشية، بل يكاد فرانس وفرنسة يكونان في عالم الأدب واحدا ... كل ذلك! لكن مؤلفات أناتول فرانس من جهة ثانية أجلى المرائي للطبع البشري، الذي لا ينحصر في قطر ولا يختص بجيل، وهذه الصفة الإنسانية - العامة - التي يتقبلها كل فكر، ويأنس بها كل روح عامل كبير في أفضلية أناتول فرانس على معاصريه من أئمة الأدب الفرنسي: لوتي وبارس مثلا، وهي التي جعلت الملايين من الخلق في أنحاء المعمورة، يشعرون إذ أتاهم نعيه بأن هذا النبأ لامس منهم صلة نسب بنوي.
آراء أناتول فرانس
ليس بدعا أن نقول: إن سوء الاختيار ضروري لوجود الأكاديمية الفرنسية، فلو كانت لا تؤدي في انتخاباتها قسط الضعف والخطأ، ولا تتظاهر أحيانا بأنها تأخذ أعضاءها اتفاقا، لجعلت ذاتها بغيضة إلى حد أنها لا تستطيع أن تعيش، ولكانت في الآداب الفرنسية كالمحكمة وسط المجرمين، لو كانت معصومة لأصبحت ممقوتة، ما أشد الإهانة على الذين تردهم لو كان من يقع عليه اختيارها هو الأفضل دائما! يجب على ابنة ريشيليم أن تتظاهر بشيء من الخفة؛ لئلا تحسب وقحة، إن ما ينجيها هو أن لها خواطر وأهواء براءتها في أنها غير عادلة، ولأنا نعهدها متقلبة، فهي قادرة على أن تصدنا دون أن تجرحنا، إن في بعض انتخاباتها ما يجرد الحسد من سلاحه، ثم إذا بها - وقد أيأستك من أمرها - تثبت أنها ذات حيلة، وأنها حرة بصيرة، حقا، ينبغي أن نحسب في شئون البشر كلها حساب المصادفة. ***
إن الأوساط يسودون في الأكادمية، وأين لا يسود الأوساط؟ أتراهم أضعف سلطانا في البرلمانات ومجالس التاج، حيث هم في غير موضعهم بلا جدال؟ ولكن هل يجب أن تكون رجلا نادر المثال؛ لتشتغل في معجم يريد أن يعين الاستعمال، ولا يستطيع إلا اتباعه؟! ***
يتمسك الشيوخ بأفكارهم أكثر مما يجب؛ لهذا كان سكان جزر فيجي يقتلون آباءهم إذا شاخوا، إنهم يمهدون سبيل النشوء على حين أننا نعوق سيره بتأليف الأكادميات. ***
في أعمال البشر كلها أحد عاملين: الجوع والحب، لقد علم الجوع المتوحشين أن يقتلوا، وأن يخوضوا غمار الحروب والغارات، أما الشعوب المتمدنة فهي ككلاب الصيد، تهيجهم غريزة فاسدة إلى الهدم بلا سبب أو جدوى، ويدعى جنون الحروب الحديثة مصلحة ملكية أو مبدأ قوميات، أو توازنا أوروبيا أو شرفا، ولعل هذا العامل الأخير أبعدها عن المعقول؛ إذ ما من أمة إلا احتملت كل المهانات التي قدر لجماعة من الناس أن تنزل بساحتهم، وعلى كل إن كانت لا تزال عند الشعوب بقية شرف، فأعجب الوسائل إلى صيانتها إشعال نار الحرب؛ أي ارتكاب كل الجرائم التي تعري الفرد من شرفه؛ الحرق والنهب والقتل وهتك الأعراض. أما الأعمال التي يوحي بها الحب، فهي عنيفة جنونية، فظيعة بقدر الأعمال التي يوحي بها الجوع حتى يحق القول: إن الإنسان وحش شرير. ***
إذا سموت يوما فوق طبيعتك، وبلغت إلى معرفة ذاتك، ومعرفة الذين حولك، أيقنت أن الناس لا يأتون عملا إلا مراعاة لرأي الناس، وهم بذلك أشد المجانين جنونا، يخشون أن يلاموا ويودون أن يمدحوا. ***
الأرواح لن ينفذ بعضها إلى بعض. ***
Bilinmeyen sayfa
لو كنا ندرك أشكال النفوس كما ندرك أشكال الهندسة، لما خالطنا عداء لعقل ضيق إلا بمقدار ما يعادي رياضي زاوية يعوزها خمس درجات أو ست؛ لتكون لها خصائص الزاوية القائمة. ***
آراؤنا في الحب كآرائنا فيما سواه؛ تقوم على عادات سالفة تكاد تمحي ذكراها. في دائرة الأخلاق تجد الأوامر والنواهي التي فقدت علة وجودها، والفروض والواجبات التي لا طائل تحتها، والإلزامات التي بلغت في الفظاعة غاية لا غاية بعدها، لكنها مبجلة محترمة؛ لأنها عريقة في القدم ، تكتنف منشأها الأسرار، لا تنال بجدل، أو اعتراض، أو تمحيص، بل إنك لا تخالفها إلا تعرضت لأشد اللوم والتقريع. إن الآداب الخاصة بعلاقات الجنسين قائمة على هذا المبدأ: متى أخذت المرأة أصبحت ملكا للرجل كجواده وسلاحه، والآن - وقد بطل هذا المبدأ - فلا يزال سببا لبعض الأمور العارية عن المنطق كالزواج مثلا: الزواج عقد بيع امرأة لرجل، يتضمن بنودا لتحديد الملكية، أدخلت منذ أخذ الوهن يطرأ على المالك. ***
في جميع الفنون لا يصور الفنان إلا نفسه: آثاره، أيا كان الثوب الذي يخلعه عليها، معاصرة له بالفكر. ماذا يعجبنا في الكوميديا الإلهية إن لم يكن نفس دانتي الكبيرة؟ ورخام ميكال آنج؟ ماذا يمثل من الخوارق إن لم يكن ميكال آنج بذاته؟ إذا كنت فنانا منحت بدائعك ما فيك من حياة، وإلا فأنت تقتطع ألاعيب كالتي يحبها الأطفال. ***
من الخرق أن يقتل رجل امرأة، والرجال القادرون على هذه المجزرة لا مراء في أنهم لا يطاقون أصلا، لو سلمنا بأنهم ليسوا مصابين بالجنون المطبق، فيجب أن يكونوا قليلي النعمة في عقولهم والليونة في أفهامهم، وأحسب أنهم يظلون ثقلاء قساة حتى في حجر السعادة؛ لأن أنفسهم لا تدرك تلك الفروق الدقيقة الفتانة، التي ما فقدت إلا كان وجه الحب أغبر داعيا إلى السأم. ***
لسنا نألو جهدا في محاولتنا أن ننفذ إلى المستقبل الذي لا ينفذ إليه، ونعمل لذلك بكل قوانا، وبكل ما أوتينا من الوسائل، نحسب أننا سنبلغ إليه بالتأمل حينا، وبالصلاة والوجد حينا. يسأل بعضنا وحي الآلهة، ولا يخاف البعض الآخر إتيان المحرمات، فيسأل عرافي كلدة أو يجرب طوالع بابل. يا للفضول الباطل الكفور! ماذا تجدي معرفة المستقبل ولا مفر من المستقبل؟! ***
لم يقل الأقدمون عن عبث: إن القدرة على اختراق حجب المستقبل شر موهبة ينالها المرء. لو جاز لنا أن نرى ما سيأتي، إذن لما بقي لنا إلا أن نموت، بل لربما سقطنا مصعوقين ألما أو رعبا، المستقبل يجب أن نشتغل به كما يشتغل النساجون، دون أن يروا الطراز الذي يوشون. ***
الحقيقة هي أن البشر لا ينظرون بعيدا إلى الأمام إلا وجلين، ويعتقد كثير منهم أن هذا الاستقصاء ليس باطلا فحسب، بل هو سيئ أيضا، والأقربون إلى الاعتقاد أن من المستطاع الاطلاع على شئون المستقبل هم الأشد خوفا من اكتشافها، لا ريب في أن وراء هذا الخوف دواعي بعيدة الغور، فإن النظم الأخلاقية والدينية أتت بكشوف عن أقدار البشر، وأكثر الناس - سواء اعترفوا أم كتموا أنفسهم - يخشون أن تتحقق هذه الكشوف القدسية فيجدوا باطل آمالهم، لقد ألفوا تصور أشد العادات والأخلاق اختلافا عن عاداتهم وأخلاقهم؛ لأنها عريقة في القدم، وهم يغبطون أنفسهم على تقدم الأخلاق، ولكن لما كان نظامهم الأخلاقي بالجملة قائما على عاداتهم، فهم لا يجرءون على الإقرار بأن النظام الأخلاقي الذي ما فتئ يتبدل بتبدل العادات قبل أن يصل إليهم سوف يتبدل من بعدهم أيضا، وأن رجال المستقبل قد يرون غير رأيهم فيما هو حلال وحرام، يخيفهم الإقرار بأنه ليست لهم إلا فضائل متحولة، وآلهة طاعنة في السن، وتراهم يخالون أنفسهم مخدوعين إذا توقعوا أن تتخذ البشرية حقوقا وواجبات وآلهة غير التي عرفوها، رغم تلك الفروض والحقوق المتقلبة المتبدلة التي عرضها الماضي لأنظارهم، وبالنهاية إنهم يخافون أن يعابوا في أعين معاصريهم إذا أثبتوا تلك «اللاأخلاقية» الشنعاء التي ستكون «أخلاقية» المستقبل، هذه أيضا موانع عن العمل لمعرفة المستقبل. ***
نحن نضع اللانهاية في الحب؛ ليس هذا ذنب النساء. ***
حب الرجال دنيء، لكنه قد يسمو إلى ذرى الآلام، فيوصل إلى الله. ***
إذا أحببت وأحببت، فاصنعي ما ترين أن تصنعي. ***
Bilinmeyen sayfa
ولكن لا تمزجي بالحب المصالح والشئون التي لا شأن للحب معها. ***
سيعفى عن ذنوب الحب، بل إن المرء لا يذنب متى أحب، ولكن الحب الشهواني يقوم بعناصر البغض والأثرة والغضب، بقدر ما يدخل فيه من عنصر الحب. ***
ما من حب حقيقي إلا فيه أثر من الشهوانية. ***
لا يحب المرء حقيقة إلا إذا أحب لغير علة. ***
إن ما يجعلك تشتهي وتحب لقوة لطيفة هائلة أكبر سلطانا من الجمال، يجد الرجل امرأة بين ألف ، فإذا أخذها لم يستطع قط أن يدعها، وهو يريدها أبدا ولن يزال. إن زهرة جسدها هي التي ترمي نداء الحب الذي لا برء منه، بل شيء آخر لا يمكن الإفصاح عنه هو روح جسدها. ***
يحب المرء؛ لأنه يحب ورغم كل شيء. ***
من العبث البقاء في هذه الدنيا متى أصبحت عاجزا عن أن تحب. ***
المرأة المحبة لا تخاف جهنم، ولا ترغب في الجنة. ***
هو الحب الذي يهب الأشياء جمالها. ***
لنا الحب في هذه الدنيا، ولكن ثمنه الموت، لو لم يكن حتما علينا أن نموت لما أمكن تصور الحب. ***
Bilinmeyen sayfa
الحياء خطيئة كبيرة نحو الحب. ***
لا يعطى الحب كما تعطى جائزة الفضيلة، ولن تقتل دناءة المرأة شعورك نحوها، بل إن دناءتها قد تحييه. ***
إن هذا الحيوان البشري مركب على أن لا يكون فاضلا عفيفا إلا بعيب فيه. ***
الجمال يحفظه الحب، وجسد النساء يتغذى بالقبل كما يتغذى النحل بالأزهار. ***
من شئون الحب ما تأتيه المرأة بغير مبالاة، لاهية عنه بغريزة المرأة، وبفعل العادة والروح التقليدي؛ لتجرب سلطانها ولتسر بمشاهدة آثاره. ***
نريد أن يحبنا الرجال، فإذا أحبونا عذبونا أو أسأمونا. ***
آه ليس هينا على المرأة أن تقول ما تحب وما لا تحب. ***
إني لتروعني السرعة التي قد يفسد بها الرجل الفاضل. ***
لا يحب النساء حبا حقا إلا أناني. ***
لا يعرف السعداء كثيرا من أمر الحياة، فإن الألم هو مربي الإنسانية الأكبر، علمها الفنون والآداب والشعر، وأوحى إليها بالبطولة وبالرحمة، وهو الذي يجعل للحياة قيمة؛ إذ يتيح لنا أن نقدم الحياة قربانا؛ الألم المحسن الذي يضع اللانهاية في الحب. ***
Bilinmeyen sayfa
أولى لك أن تكون المخدوع أحيانا، فقد علمتنا الحياة أن المرء لا يكون سعيدا إلا بقليل من الجهل. ***
أمن المستطاع أن تعزي محزونا دون كذب؟! ***
امرأة محجبة تمشي في سبيلها منذ وجدت الدنيا؛ يدعونها الملانخوليا. ***
سواء أعلم المرء أم لم يعلم فهو يتكلم، ليس يعلم كل شيء، ولكن كل شيء يقال. ***
كتبي يا كتبي! لا يقول أحد في كتابه شيئا مما يود أن يقول، وما كان لامرئ أن يعرب عن مكنونات نفسه، نعم أنا قادر كغيري على أن أحدث بقلمي، ولكن ما الكلام وما الكتابة؟ سخافة؛ أي سخافة! لو فكرت في هذه الإشارات التي تتألف منها المقاطع والكلمات والجمل لأشفقت، ماذا يبقى من الفكر الجميل تحت هذه الهيروغليفات الغريبة المألوفة معا؟ ماذا يصنع القارئ بالصفحة التي أكتبها؟ سلسلة من معان مغلوطة، ومن معان معكوسة، ومن «لا معاني» ليس المرء إذ يقرأ ويسمع إلا مترجما، وقد توجد ترجمات حسنة، ولكن لن توجد ترجمات أمينة. ماذا يهمني أن يعجبوا بمؤلفاتي إذا كانوا لا يعجبون إلا بما يضعونه فيها؟ إن كل قارئ يبدل برؤيانا رؤياه، وغاية ما في الأمر أنا نعطيه سوطا يهيج مخيلته. ***
لن تزالي يا حبيبتي لغزا في معناه المجهول ملذات الحياة وأهوال الموت، لا تخشي أن تعطيني نفسك، سأشتهيك أبدا، وسأجهلك أبدا. هل قدر لامرئ أن يملك المرأة التي يحب؟ وهل كانت القبل إلا جهودا يبذلها يأس ناعم؟ إني إذا ما ضممتك إلى صدري لا أفتأ أطلبك، لن أحوزك قط؛ لأني فيك أطلب المحال واللامتناهي. ***
ليس في هذه الحياة أجمل من الأهواء، لكنها خرقاء، والحب أجملها وأبعدها عن الصواب. ***
لا تنس أن الجمال من فضائل هذه الدنيا. ***
إن الأشياء الجميلة محببة إلى النفس؛ لأنها تزين الحياة، والشيء الجميل يوازي عملا من أعمال الخير، بل من أعمال الخير أن تؤلف باقة زهر جميلة. ***
ليس في الدنيا ما هو أكبر سلطانا من الجمال. ***
Bilinmeyen sayfa
لو خيرت بين الجمال والحقيقة لما ترددت بل اخترت الجمال، يقين أنه يحمل حقيقة أعلى وأبعد غورا من الحقيقة عينها، وأجرؤ على القول إنه لا حق في الدنيا إلا ما هو جميل، الجمال أسمى كشف عن الإلهي أذن لنا أن نعرفه. ***
أيسر عليك أن تعد بسعادة كبرى من أن تعطيها. ***
الرقص صلاة ... ***
أنا أفهم كل شيء، ولكن من الأشياء ما تعافه نفسي. ***
ما يبدو لنا أنه حسن فهو حسن، وما يبدو لنا أنه قبيح فهو قبيح. ليس الشر على الحقيقة إلا في بذل الجهد وعدم الرضى ، إذن فلا نجهد قوانا ولنكن راضين، لا نضرب الأشرار لئلا نصبح مثلهم، وإذا أسعدنا الحظ بأن نكون فقراء بالفعل، فلا نجعل أنفسنا أغنياء بالفكر، متعلقي القلوب بمتاع الدنيا مخافة أن نشقى أو نظلم الناس؛ لنصبر على الاضطهاد، ولتكن كئوس الحب التي تحيل ما يصب فيها من سم زعاف بلسما شافيا. ***
ليس الخير في الإنسان، ولا يدري الإنسان ما هو خير؛ لأنه لا يعرف طبيعته، ولا ما يراد به، قد يكون الشر فيما يراه خيرا، والضرر فيما يراه نفعا، هو عاجز عن اختيار ما يصلح له؛ لأنه لا يعلم ما هي حاجاته؛ كالطفل الصغير الذي يجلس في البرية، فيمتص حشيشة الحمرة غير عالم أنها سم لكن أمه تعلم؛ لذلك فالخير كله هو أن يعمل المرء بمشيئة الله. ***
يورث كل تبدل يطرأ وإن تمنيناه كثيرا حزنا وغما؛ لأن ما نتركه جزء منا، ينبغي أن نموت في حياة لندخل حياة أخرى. ***
لا أعتقد أن البشر أخيار بالفطرة، وأرى أنهم على الضد من ذلك، لا يخرجون من وحشيتهم الأولى إلا ببطء وجهد؛ لينظموا نظامي عدل غير أكيد وخير غير دائم، ولا يزال بعيدا الزمن الذي يصبحون فيه وادعين، يعطف بعضهم على بعض، ولا تقاتل أمة منهم أمة، بل تخبأ الصور التي تمثل الحروب؛ لأنها منافية للأخلاق الحسنة، يخجل منظرها الناظرين، وأرى أن ملكوت العنف سيدوم طويلا، وأن الشعوب لن يكف أحدها عن تمزيق الآخر لأسباب تافهة، وأن أبناء الشعب الواحد سيسلب بعضهم بعضا القوت الضروري بدلا من أن يتقاسموه قسمة عادلة، ولكني على يقين من أن البشر أقل وحشية وفظاظة، إذا كانوا أقل بؤسا وشقاء، وإن ترقى الصناعة سيؤدي في النهاية إلى تلطيف الطباع، لقد قال لي عالم نباتي: إن شجر البوت إذا نقل من أرض جرداء إلى أرض خصبة تبدل بشوكه زهرا. ***
لا أخشى القول إننا لا نفهم اليوم بيت شعر من الإلياذة والكوميديا الإلهية بالمعنى الذي أرادوه في الأصل. الحياة تبدل مستمر، وحياة أفكارنا الباقية بعد موتنا لا تخرج من سلطان هذا الناموس؛ ليست باقية إلا بشرط أن تبعد رويدا رويدا عما كانت إذا ولدتها نفوسنا، وسيعجب الناس منا ما هو غريب عنا. ***
إن الحقائق التي يهتدي إليها العقل عقيمة، والقلب وحده قادر على أن يجعل أحلامنا منتجة؛ إذ يفيض حياة على كل ما يحبه، بالعاطفة تبذر بذور الخير في الدنيا، ولم يؤت العقل هذه القدرة، إذا شئت أن تنفع الناس فاطرح العقل كما تطرح متاعا مربكا يعوق سيرك، وارتفع بأجنحة الحماسة، أما إذا تعقلت فلن تحلق في السماء. ***
Bilinmeyen sayfa
من الحسن أن يكون القلب ساذجا والفهم غير ساذج. ***
الاعتراف حاجة في النفس لا تغلب. ***
لا مراء في أن جسم المرأة أقل جمالا من جسم الرجل؛ لأنه يضم نفسا أقل حسنا من نفسه. النساء عابثات مخاصمات، منصرفات إلى السفاسف، عاجزات عن حمل الأفكار السامية، وعن إتيان الأعمال العظيمة، وكثيرا ما يعمي المرض بصائرهن.
ومع ذلك، فقد كان في رومة وأثينة عذارى وأمهات ترأسن عن جدارة الاحتفالات الدينية، ورفعن القرابين إلى المذابح، وفي الآلهة من اصطفوا العذارى لتلقي وحيهم، وكشف حجب المستقبل لأعين الناس، هذه «كاساندر» زينب رأسها بعصائب «أبوللون»، وتنبأت بهلاك أهل طروادة، وهذه «جوترنا» خلدها غرام إله؛ إذ عهد إليها بحراسة الينابيع في رومة. ***
ليقل لومبروزو ومودزلي ما شاءا، فقد يكون امرؤ مجرم دون أن يكون مجنونا أو عليلا. في الإجرام بدأت الإنسانية حيلتها، وكان الإجرام قبل التاريخ قاعدة لا مستثنى، ولا يزال كذلك في عصرنا عند جماعة المتوحشين، يمكن القول: إنه كان والفضيلة واحدا بالأصل، ولما ينفصل عنها في ظهراني زنوج أفريقية الوسطى، كان الملك «متزا» يقتل كل يوم ثلاث نسوة أو أربعا من حريمه، وأمر ذات يوم بقتل إحداهن لأنها أهدته زهرة، ثم اتصل الملك متزا بالإنكليز، فأظهر ذكاء نادرا واستعدادا عجيبا لفهم أفكار المتمدنين.
كيف لا نقر بهذا كله، وهذه الطبيعة نفسها تعلم الإجرام؟! يقتل الحيوانات بعضها بعضا؛ لافتراسها أو بعامل الغيرة المحنقة أو لغير علة، فمن الحيوان إذن مجرمون، إن ضراء النحل مخيف، وكثيرا ما تفترس الأرانب صغارها ، والذئاب يأكل بعضها بعضا خلافا لما في الأمثال، لقد شوهدت أورانغ أوتانغ أنثى تقتل عذولة لها، هذه جرائم، فإذا كانت العجماوات التي ترتكبها غير مسئولة عنها، فالطبيعة أحرى أن تتهم بها؛ إن الطبيعة جعلت الإنسان والحيوان في حالات من البؤس لا تطاق.
ولكن لله! ما أسمى هذا الجهد المنصور الذي يبذله الإنسان ليتحرر من قيود الإجرام العتيقة، وما أعظم صرح الآداب الذي يشيده حجرا حجرا، لقد نظم البشر العدل تدريجا، فأصبح العنف حالة استثنائية بعد أن كان في العصور السالفة قاعدة عامة، أصبح داء من الأدواء، وشيئا لا يمكن التوفيق بينه وبين الحياة كما عملها الإنسان بفضل صبره وشجاعته، لا يتسرب الإجرام إلى مجتمع إلا قرضه قرضا وأكله أكلا، كان المغذي الأول لأهل الكهوف، فأصبح اليوم سجان البؤساء الذين يطلبون العيش فيه.
القتل عادة في الحيوان ولا سيما في الإنسان، كان الرأي في الجماعات الإنسانية الأولى أنه عمل جليل، وما زال في آدابنا وأوضاعنا آثار من ذلك الإجلال الماضي. ***
بأي حق تسأل المرء أن يضحي حياته إذا سلبته الأمل في حياة أخرى؟ ***
وبالجملة فإن النقد لا قيمة له إلا قيمة الناقد، فكلما كان ذاتيا كان أبلغ في تشويق القارئ وإغرائه.
Bilinmeyen sayfa
إن النقد كالفلسفة، والتاريخ نوع من القصص تنتفع به العقول الراجحة المتطلعة إلى المعرفة، وكل قصة على الحقيقة سيرة يكتبها القصصي عن نفسه، وخير ناقد من يقص عليك حوادث روحه ووقائعها بين آيات الفن.
لا يوجد نقد موضوعي، وهؤلاء الذين يباهون بأنهم يضعون في فنهم شيئا غير أنفسهم، مغترون بأشد الآراء خطلا، فإن المرء لا يخرج من ذاته، وفي هذا العجز إحدى خصاصات بني الإنسان، أي شيء لا نعطيه كي نرى - ولو دقيقة واحدة - السماء والأرض بعيني ذبابة، أو كي نفهم الطبيعة بدماغ قرد خشن؟ لكن هذا محظور علينا، فليس أحدنا بقادر على أن يكون مثل «تريزياس» رجلا يذكر أنه كان امرأة. كلنا سجين كأنه من ذاته في سجن أبدي، وخير ما نصنع هو أن نقر مختارين بهذه الحالة الرهيبة ، وأن نحدث عن أنفسنا كلما أعيانا الصمت.
إن النقد هو آخر أنواع الأدب ظهورا، ولعله سيتمثلها ويحتويها جميعا؛ لأنه ملائم أحسن ملاءمة لهذا المجتمع الذي أدرك في المدينة شأوا بعيدا، فأصبح غنيا بالذكريات، قديم عهد بالتقليدات، وهو خير ما تمنحه الإنسانية المثقفة المهذبة المتطلعة، ولكن ينبغي ليكون نافعا أن يقوم بثقافة أوسع مما تقتضيه الأنواع الأدبية الأخرى، هذا النقد الذي أوجده سان أفرمون وبايل ومونتسكيو متصل بالفلسفة والتاريخ على السواء، لم ينم نموه إلا لأنه نشأ في عصر كانت حرية الفكر فيه مطلقة، فحل محل العلم الإلهي، وإذا بحثنا عن الإمام الأكبر في القرن التاسع عشر لم يذهب الفكر إلا إلى «سنت بوف» أولا وآخرا. ***
لو وفقنا إلى معرفة كل ما في الكون من أسرار، لأصابتنا سآمة لا شفاء منها. ***
إذا أعجبت جماعة من الناس بكتاب، فأبدى كل واحد سبب إعجابه، انقلب الاتفاق خلافا وشقاقا، فإن القراء يرضون في الكتاب الواحد عن أشياء متضادة لا يمكن أن توجد جميعا فيه. ***
من المؤلفات الممتعة التي لم تؤلف بعد كتاب في تاريخ التبدلات الطارئة على نقد إحدى الطرف الأدبية التي شغلت الأذهان كثيرا، كهملت والكوميديا الإلهية والإلياذة. ***
مما يلاحظ في فرنسة أن المبتلين بالصم يكثرون بين نقاد الموسيقى، كما أن المبتلين بالعمى يكثرون بين نقاد النحت والتصوير، ولعل هذا مما ييسر لهم الانصراف الكلي إلى مسائل الفن. ***
ماذا يهمك أن تعلم بم يؤمن المرء؟ فالمهم هو أن يؤمن، وماذا يهمك أن تعلم فيم يؤمل؟ فالمهم هو أن يؤمل. ***
من الحمق العظيم أن تحتقر خطرا يهددك. ***
لعل الفضول رأس الفضائل الإنسانية، نريد أن نعلم وإن يكن مقدرا علينا ألا نعلم شيئا، ولكننا على كل نعارض اللغز الكوني الذي يكتنفنا بتفكير مستمر وأبصار جريئة، وليس لكل أقيسة الجدليين أن تشفينا - لحسن الحظ - من هذا القلق الشديد الذي يثير نفوسنا أمام المجهول. ***
Bilinmeyen sayfa
إن الشهوات أقوى من الإرادات، فهي التي خلقت الدنيا ولا تزال تحملها. ***
في احتضار الآلهة مدعاة حزن لا ينتهي. ***
من فرج النفوس أن يبدل اسم المجهول زمنا بعد زمن. ***
ليس الآلهة بخالدين أكثر من الناس. ***
إذا كان الجمال ظلا، فليست الشهوة إلا برقا، فلماذا تزعم أن اشتهاء الجمال جنون؟ أليس معقولا أن ينضم ما يزول إلى ما لا يدوم، وأن يأكل الشعاع الخلب الظل الزاحف. ***
في الهموم تسلية عظيمة. ***
ليس التعليم إلا فنا يوقظ به التطلع في النفوس الفتية، ثم يكفى ويعطى حاجته، ولا يكون التطلع حيا صحيحا إلا في النفوس الهانئة الراضية، فإن المعارف التي تحشر في الأفهام عنوة وقسرا تسدها وتخنقها. يجب أن تؤكل المعرفة بشهية لتهضم. ***
مذ علمت أن الكائنات ليست إلا صورا متحولة في الوهم الكوني العظيم، أصبحت وبي ميل إلى الوداعة والحزن والرحمة. ***
يختلف كل مخلوق بشري باختلاف الناظر إليه، حتى إنه ليصح القول إن المرأة الواحدة لم يأخذها رجلان قط. ***
ينتج الخطأ عن ضعف في الخلق، أكثر مما ينتج عن ضعف في الإدراك. ***
Bilinmeyen sayfa
في الصبيات طموح فطري إلى قطف الأزهار والنجوم، ولكن النجوم لا تمكن أحدا من قطفها؛ هكذا يعلمن أن في الدنيا رغبات لن تكفى. ***
لا وجود للزمان والمكان، ولا وجود للمادة، إن ما نسميه بهذه الأسماء هو ما لا نعرفه؛ أعني الحاجز الذي تتحطم عليه حواسنا، نحن لا نعرف إلا وجودا واحدا هو الفكر؛ فالفكر يخلق العالم، ولو لم يزن الفكر نجم «سيريوس» ويسمه باسمه لما وجد «سيريوس». ***
ينمو روح النقد في حالات خاصة نادرة، دون أن يحدث أثرا بليغا في عقائد البشر؛ لأنها غير خاضعة لحكم العقل، قد تكون فاسدة، ولكن فسادها لا يجردها من السلطان الذي تخضع له النفوس، ومن الأقوال الشائعة أن فيها عزاء وسلوى، ولكن لو تدبرنا الأمر لعلمنا أن الناس في الأغلب يفيدون منها لذة أقل من الخوف الذي يمسهم. ***
أجل، إن الذرات الكيموية التي اجتمعت لتؤلف هذه المرأة تعرض على الأنظار مجموعة جميلة، لكن هذا لهو من الطبيعة، ولا تعلم الذرات ما هي صانعة، وستفترق ذات يوم بمثل عدم المبالاة الذي اجتمعت به، أين الذرات التي تألفت منها لاييس وكليوباطرة؟ أنا لا أعارض في أن من النساء بارعات الجمال، لكنهن جميعا خاضعات لضروب من التشويه ولحالات تعافها النفس، هذا ما يراه ذوو النظر، على حين أن عامة الناس لا يعيرونه التفاتا، إن النساء يوحين بالحب، وإن يكن من الخطل حبك إياهن. ***
أما ما نعلمه من أمر المرأة التي نحبها، ونوفق إلى حله من أحجيتها، وننفذ إليه من خفايا نفسها ... الحقيقة هي أن النصبة المتحركة والمرأة الحية في هذا الأمر سواء. ***
كل شيء يسخر منا؛ السماء والكواكب، والمطر والنسيم، والظل والنور، والمرأة. ***
أحسب أنه ليس في الدنيا ما يحكي سرعة نسيان المرأة، وأعني نسيانها ما كان في نظرها كل شيء، إن المرأة بما أوتيت من قدرة على أن تنسى وأن تحب؛ لقوة من قوى الطبيعة.
النظر إلى امرأة حسناء نعمة كبرى على الرجل الفاضل. ***
علمنا من أقدم الأزمنة أن آلهة النساء ليسوا من الشدة في شيء، بل إنهم متحلون بعفو غير متناه عن خطيئات القلب والحواس. ***
لقد بلغت السن التي يعوز المرأة فيها أن تكون معشوقة كي تظل جميلة. ***
Bilinmeyen sayfa
ليقل «لافونتين» ما شاء، فإن الأرنب يسبق السلحفاة دائما، كما أن النبوغ يفوز على حسن الإرادة. ***
ليس لبني آدم في حياتهم إلا همان اثنان: الجوع والحب. ***
الإنسان نبات تقتله العواصف إذ تقتلعه. ***
الإنسان في جوهره حيوان أحمق، وليست ترقياته العقلية إلا جهود قلقه الباطلة. ***
لو كنت خالق الرجل والمرأة لما خلقتهما على الصورة التي نعرفها؛ صورة ذوات الثدي العليا أو القرود، كما هما في الواقع، بل كنت أخلقهما على صورة الحشرات التي تعيش أولا في شكل الديدان، ثم تتحول إلى فراشات لا هم لها في آخر العمر إلا أن تحب وتكون جميلة ... ولكنت إذن أجعل الشبيبة في نهاية الحياة الإنسانية. إن لبعض الحشرات في آخر تحولاتها أجنحة، وليس لها معدة، ولا يعاد خلقها ثانية على هذه الصورة المطهرة إلا لتحب ساعة وتموت بعدها. ***
كيف السبيل إلى الاعتقاد بأن الأفكار الدينية تصلح الأخلاق، وهذا تاريخ الشعوب المسيحية نسيج من الحروب والمذابح والاضطهادات ، لا أخالك تطمع في أن يكون أحدنا أحسن تقوى من أبناء الأديرة، إذن فهذه طوائف الرهبان على اختلاف أنواعها؛ السود والبيض والكبوشيين وهلمجرا، سواء في أنها ارتكبت ضروب الجرائم الفظيعة، كان قضاة ديوان التفتيش وكهنة العصبة الكاثوليكية متورعين، وكانوا أيضا قساة الأكباد، ولست محدثا عن البابوات الذين لطخوا العالم بالدم؛ حتى ليشك المرء في أنهم كانوا يؤمنون بحياة أخرى، الحقيقة هي أن البشر حيوانات شريرة، وأنهم يظلون أشرارا أثناء افتكارهم بالعبور من هذه الدنيا إلى الآخرة. ***
النساء والأطباء وحدهم يعلمون أن الكذب ضروري فيه منافع للناس. ***
المصيبة أفضل معلم وخير صديق، فهي التي تهدينا إلى معنى الحياة. ***
رب رجل يقتحم الموت غير وجل، ولا يجرؤ على التفرد برأي في الآداب. ***
لم يأت زمن تبدلت الآداب والأفكار فيه طفرة، فإن أعظم التبدلات الطارئة على الحياة الاجتماعية تحصل دون أن يشعر بها أحد، ولا ترى إلا عن بعد، كذلك لا يعيرها الذين يجتازونها أقل التفات. ***
Bilinmeyen sayfa
لا يمكن تصور العالم إلا رمزا، وما فيه مجازات من القول يتهجاها الرجل العامي دون أن يفهم لها معنى. ***
في أعماق قلوبنا جميعا ميل إلى الأعاجيب، يحبها أحسننا تفكيرا دون أن يؤمن بها، وليس حبه أقل من حبنا إياها، أجل نحن مغرمون بالأعاجيب غرام اليائس، وإن كنا نعلم أنه لا وجود لها علم يقين، بل هذا وحده ما نعلمه علم يقين، فإن وجدت الأعاجيب لم تكن أعاجيب؛ لأن الشرط فيها ألا توجد؛ لو عاد الأموات لكان أمرا طبيعيا لا أمرا عجيبا أن يعود الأموات، ولو أمكن تحول البشر إلى حيوانات مثل «لوسيوس» في الأقاصيص القديمة، لكان هذا التحول طبيعيا، ولما أدهشنا بأشد من تحول الحشرات. لا سبيل إلى الخروج من الطبيعة، وفي هذا اليقين من موجبات اليأس ما فيه، إن الممكن لا يكفينا، فنحن نطلب المستحيل، ولكن المستحيل هو ما لا يتحقق أبدا. ***
هذه الدنيا تنغص علي رجائي في الآخرة، أخشى أن تشبه تلك هذه، وهو عيب كبير يؤخذ عليها. ***
هذا الكون كما كشف العلم عنه، يورث سأما قاتلا، فإن كل الشموس قطرات من النار، وكل السيارات قطرات من الوحل. ***
كلما أعجبنا بعظمة السماء ينبغي أن نعجب أيضا بصغرنا، فإن على حقارتنا تتوقف جلالة الكون، أليس الكون في ذاته صغيرا أو كبيرا؟ فلو كان يصغر فجأة حتى يصير كرأس الدبوس، لما استطعنا أن نفطن إلى ذلك، ثم إن نظرية الزمان متصلة بنظرية المكان، فلو جاز في هذا الافتراض أيضا أن تطفأ كل شموس المجرة والسديم بمثل السرعة التي تنطفئ بها شرارة السيكارة، إذن لما بدا لأجيال البشر جميعا أن الأعمال والأيام والمسرات والأحزان قد نقصت دقيقة واحدة. ***
في كل رأي باطل شر مستطير. يحسب بعضهم أن الحالمين أيقاظا لا يسيئون قط وهو حسبان خطأ، فإن أبعد التخيلات عن الإساءة في الظاهر قد تحدث في الحقيقة أسوأ فعل؛ لأنها تبعث في النفوس كراهة الواقع والاشمئزاز من الموجود. ***
إن أسطع الحقائق جعجعة لفظية باطلة عند الذين يكرهون على قبولها، أتريد إكراهي على قبول ما تفهم أنت وما لا أفهم أنا؟! إنك إذن جاعل في لا شيئا مفهوما، بل شيئا غير مفهوم. ***
الحقيقة كالشمس لا يراها إلا من كانت له عين النسر. ***
لا يصل المرء إلى أسمى الحقائق وأطهرها بحسن التفكير، بل بقوة الشعور، ولما كانت النساء أقوى شعورا من الرجال، فإن سموهن إلى اكتناه الحقائق الربانية أيسر فيهن موهبة النبوة، وهل كان تمثيل أبوللون السيتاري ويسوع الناصري في ثياب فضفاضة كالنساء عن عبث؟! ***
ليس موضوع الفن الحقيقة، ينبغي أن تطلب الحقيقة في العلوم؛ لأن موضوعها الحقيقة، ولا ينبغي أن تطلبها في الأدب الذي لا يصح أن يكون موضوعه شيئا غير الجمال. ***
Bilinmeyen sayfa
ليست الحقائق العلمية محببة إلى قلوب العامة، فإن الشعوب تحيا بالميثولوجيا، وتتناول من الأساطير كل مبادئ العرفان التي تحتاج إليها، وقليلة ما هي. إن بضع أكاذيب كافية لإسعاد ملايين من الناس، وبالجملة ليس للحقيقة سلطان على البشر، ولو كان لها سلطان لكان هذا مدعاة أسف؛ لأن الحقيقة مضادة لطبيعتهم بقدر ما هي مضادة لمصالحهم. ***
من الخطأ الفاحش الاعتقاد بأن الحقائق العلمية تختلف في جوهرها عن حقائق العوام، فإنها لا تختلف عنها إلا من حيث الاتساع والدقة، وهذا من الوجهة العملية فرق جسيم، ولكن لا ننس أن تحقيق العالم ينتهي عند ظاهر الحادثة دون أن ينفذ إلى جوهرها، أو يمسك بطرف من طبائع الأشياء. هذه العين وإن تكن مسلحة بالمجهر، لن تزال عين إنسان تبصر أكثر من العيون العزلاء، ولكنها لا تبصر بشكل آخر، وقد يكثر العالم من بيان صلات الإنسان بالطبيعة، ولكنه عاجز عن اكتناه جوهر هذه الصلات، وقد يرى العالم كيف تحدث بعض الحادثات التي تغيب عنا، ولكن يحظر عليه ما يحظر علينا من معرفة علة حدوثها.
إذا طلبت في العلم عبرة وموعظة كنت عرضة لأمر الخيبات. ***
إن رأي الجمهور لا يوازي تضحية رغبة واحدة من رغباتنا. ***
يحتاج أكثر الناس إلى شيء من الزينة ليبدو أنهم عظام. ***
كل شيء عكر في النفوس العكرة. ***
لا يمكن أن يكون الموت أكمل من الحياة. ***
كان وجه الموت قبيحا، ووقعه أليما، وما زال. إذا قال بعضهم: لا ينبغي الخوف منه؛ لأن المرء إذ يموت يصبح غير موجود ليس إلا؛ أجبناه: وهذا لا يمنع أن فكرة الساعة الأخيرة ملأى بالآلام والأهوال. ***
ليس للأموات إلا الحياة التي يعيرهم إياها الأحياء. ***
يحترم الناس الموت؛ لأنهم يرون - وهو الصواب - أنه إذا كان موت المرء يجل، فسيكون كل واحد موضع الإجلال مرة بالأقل. ***
Bilinmeyen sayfa
ما جيل من الناس بالقياس إلى أجيال الموتى التي لا تحصى؟ وما إرادتنا التي لا تعمر أكثر من يوم أمام إرادتهم التي مرت عليها قرون متطاولة؟ هل من سبيل إلى الثورة عليهم؟ بل نحن لم نؤت من الوقت ما يكفي لأن نعصيهم. ***
من الأمور المشاهدة أنه لا شيء أهون على الناس من الموت في سبيل ألفاظ لا معنى لها، وهذا ما عناه «أجاكس»؛ إذ قال «نقلا عن هوميروس»: «كنت في صباي أحسب أن العمل أقوى من القول، فإذا بي أعلم اليوم أن القول أقوى ...» قاله أجاكس بن أويلي. ***
أكثر ما يتنازع الناس فعلى ألفاظ، ومن أجل ألفاظ يقتلون ويقتلون بطيب خاطر. ***
الحركات الجميلة موسيقى العيون. ***
ما هو المثل الأعلى الذي لم يعرفه الإنسان ولم يعش به حينا من الدهر؟ لقد عبد آلهة غلاظ الأكباد، ودان بأديان كفر وزندقة، وما زال يدين بمثلها. هو هنا يؤمل آمالا أبدية، وهناك يعبد اليأس والموت والعدم، وهو حيث كان يعمل بنظام أخلاقي معين؛ إذ يستحيل أن يعيش بلا آداب تسوسه.
أما والآداب ضرورية لحياة المجتمع، فلا سبيل ولو اجتمعت نظريات العالم كلها إلى غلبتها والقضاء عليها، هل كف الإله «مولوخ» الأمهات الفينيقيات عن إرضاع صغارهن؟! ***
لم يعدم رأي في الآداب طائفة من الناس تؤيده وتدعو إليه، وإذا توافقت آراء عدة؛ فلأن أكثر الأخلاقيين كان همهم ألا يخالفوا شعور الجمهور وغريزة العامة، ولو أنهم أصغوا لصوت العقل وحده، لقادهم في سبل مختلفة إلى أغرب النتائج، كما هو مشاهد في بعض الفرق الدينية التي أغرت العزلة واضعيها بازدراء إجماع الناس الذي لم يبن على الروية. ***
ليس أفعل في النفوس من سحر الأشياء المحجوبة، ولا جمال بلا نقاب يصونه، فإن الإنسان لا يؤثر على المجهول شيئا، ولولا الأحلام لما نهض بعبء الحياة أحد. ليس في الحياة خير من هذا الشيء الذي لا نعرفه، ولكن يخيل لنا أنه فيها. إن الموجود أو الواقع يفيد في صنع الخيال أو المثل الأعلى - سواء بإجادة أم بغير إجادة - ولعل هذه أعظم فوائده. ***
إن المؤلفات التي يجمع الناس على الإعجاب بها، هي التي لا يعمل الروية فيها أحد؛ يأخذونها كما يؤخذ الحمل الثمين الذي ينالونه آخرين دون أن ينظروا فيه، أم حسبت أن في تقبلنا مؤلفات «الكلاسيك» من الإغريق واللاتين، بل من الفرنسيس أيضا، كثيرا من حرية الرأي؟ وهذا الذوق الذي يدفعنا إلى كتاب عصري، ويدفعنا عن كتاب آخر هل تحسبه حرا، أم هو مبني على ظروف لا شأن لمضمون الكتاب فيها، أهمها روح التقليد الذي ليس في عالمي الإنسان والحيوان، أعظم منه سلطانا؟ إن روح التقليد ضروري لنعيش دون أن نضل كثيرا؛ هو مسيطر على أعمالنا وعلى ذائقتنا الفنية، ولولاه لكانت الآراء الأدبية والأحكام الفنية أشد اختلافا مما هي. إذا نال كتاب بضعة أصوات لسبب من الأسباب، نال بعد ذلك بفعل التقليد أصواتا لا تحصى، فالأصوات الأولى وحدها كانت حرة، أما ما عداها فأصوات تابعة طائعة، وإذن لا معنى ولا قيمة ولا ميزة لها، ولكن عن كثرتها ينشأ المجد. كل شيء متوقف على بداية صغيرة، فالمؤلفات التي تلقاها الجمهور بعدم الرضى منذ ظهورها لن يكون لها في المستقبل حظ من القبول، والمؤلفات التي اشتهرت منذ البداية لن تزال مبجلة، رغم أنها قد تصبح غير مفهومة، وفي هذا دلالة على أن الإجماع منشؤه التقليد، يزول بزواله. ***
قد يحرم من تذوق اللذة مانحها. ***
Bilinmeyen sayfa
ينبغي أن يتولد الشعر من الحياة بلا كلفة، كما تخرج الشجرة والزهرة والثمرة من بطن الأرض تحت عين السماء. ***
إذا حسبنا أن كاتبا يسرق معاني لنا، فلننظر قبل أن ننادي بالويل إذا كانت هذه المعاني على الحقيقة لنا، لست أعني مؤلفا بعينه، ولكني لا أحب الضجيج الذي لا طائل تحته.
أما من كان كل همه الأدب والفن، فلا يعبأ بهذه الأمور قط، علما بأنه ليس لرجل أن يدعي التفكير في شيء لم يفكر فيه أحد قبله، وبأن المعاني مشاعة بين الناس، لا يصح لمفكر أن يقول: «هذا المعنى لي.» إلا كما كان يقول الأولاد المساكين الذين حدث عنهم بسكال: «هذا الكلب لي.» وبأنه لا قيمة للمعنى إلا بالصورة التي أفرغ فيها، وبأن وضع المعنى القديم في صورة جديدة هو جماع الفن، بل الإبداع الوحيد الذي أوتيه الإنسان. ***
امرأة بلا صدر فراش بلا مخدة. ***
لا عزيز إلا ما تخشى ضياعه. ***
نحن مدينون للذين حاربوا الأوهام والتقاليد، لكن الثناء عليهم أيسر من الاقتداء بهم، لا تفتأ التقاليد في حركة مستمرة، تجتمع وتتبدد كالغيوم، وهي بطبيعتها جليلة، ثم تبدو بغيضة، أما الذين لا يؤمنون بخرافة عصرهم، بل ينظرون محدقين فيما لا يجرؤ العامة على النظر فيه، فهم نفر قليل. ***
لا يجيد المرء الحديث عمن يحب إلا متى فقده، وما فن الشاعر إلا جمع الذكريات ومناداة الأخيلة. ***
كل الترقيات بطيئة مشكوك فيها، قد تتبعها حركات رجعية، وهو الأغلب. إن السير إلى نظام أفضل من النظام الحاضر محفوف بالريب والعقبات؛ لأن القوى الكثيرة العظيمة التي تقيد الإنسان بماضيه تحبب إليه ضلالات هذا الماضي وأوهامه وخرافاته وفظاعاته، كأنما هي ضمانات ثمينة للأمان والسلامة. يهول المرء كل جديد نافع، فهو مقلد حذرا من سوء العقبى، لا يجرؤ على الخروج من الكنف المتداعي الذي أوى إليه آباؤه، والذي يهم أن ينقض عليه. ***
إن الوعود تكلف أقل من الهدايا، لكنها تساوي أكثر، ولن يعطي امرؤ قط بقدر ما يعطي من آمال. ***
لكل صورة شعرية معان عدة، فأي معنى وجدته كان عندك معناها الحقيقي. ***
Bilinmeyen sayfa
بي حب العقل لا التعصب له، إن العقل يهدينا وينير طريقنا، لكنك إذا جعلته إلها أعماك وأغراك بارتكاب الجرائم. ***
يثور المرء إذا غلب، أما الغالبون فلا يكونون عصاة ثائرين. ***
ليس بكاف ألا تضيق ذرعا بكل الأديان، بل يجب أيضا أن تجلها؛ اعتقاد أنها مقدسة جميعا، متساوية فيما بينها بحسن نيات المتدينين بها، كالسهام المرسلة من أمكنة مختلفة إلى غاية واحدة تجتمع في صدر الله. ***
الأديان كالحرباء تتلون ألوان القطر الذي تهبطه، كذلك فإن النظام الأخلاقي الواحد لكل جيل، وبه قوام وحدة الجيل، لا يفتأ يتبدل بتبدل العادات، فهو أوضح صورة لها، وكأنه ظلها المتضخم على الجدار. ***
مرت على هذا الدين اليهودي المسيحي قرون كثيرة ملأى بالأهواء والشهوات الإنسانية، وبالأحقاد والمودات الدنيوية، وتوالت عليه حضارات عديدة؛ إما بربرية وإما رقيقة، متشددة خشنة، ومنعمة مترفة، مفرطة في التعصب، ومتساهلة، وضيعة ساذجة ورفيعة فخمة، وحضارات زراع ورعاة، وجند وتجار وصناع، وأخرى أريستوقراطية وديمقراطية، كلها توالت عليه حتى أصبح موطأ الأكناف، ذلك أنه لا فعل للأديان في الآداب والعادات، بل إن هذه تكيف الأديان. ***
من طبع الحكماء الحقيقيين أن يغضبوا سائر الناس. ***
لا يختلف أعلمنا عن أجهلنا إلا بمقدرته المكتسبة على التلهي بكثير من الضلالات المعقدة. ***
ليس بجائز أن يكون العالم الحقيقي غير متواضع، فهو كلما خطا خطوة رأى طول الطريق أمامه. ***
العلم معصوم، لكن العلماء يخطئون دائما. ***
لا ينبغي أن يختلط العلم والدين، كما أنه لا يختلط النسبي والمطلق، والمتناهي واللامتناهي، والظل والنور. ***
Bilinmeyen sayfa